وفاء القبور بدوي الجبل

إنّي أكرّم شعري في متارفه

كما تكرّم عند المؤمن السور

هديّة الله فيها عطر جنّته

و الخمر و اللّعس النشوان و الحور

و قد أحنّ إلى حسن يدلّلني

كما يحنّ إلى أندائه الزّهر

و بلبل الدّوح ترضيه بأيكته

نعمى الجمال و يرضي غيره الثمر

أريد حبّا كنار الحقّ ماتهبا

كمزبد الموج من شمّاء ينحدر

نزر الهوى ليس يرضي جائعا شرها

إلى الصّبابة لا يبقي و لا يذر

و العبقريّ و إن جلّت موهبه

طفل السّريرة لا حقد و لا حذر

طفل فإن نال ضيم من كرامته

ما البحر يزأر . ما البركان ينفجر

ذنوبه خفرات من براءته

أحلى الغواية ما يندى به الخفر

و ما تمنّى خيالي أنّني ملك

فوق الملائك زهوا أنّني بشر

أقيم ما شئت في عدن و أتركها

و أخلع الجسم أحيانا و أتّزر

أطلّ و الشعر من عصماء باذخة

و في السّفوح غرور الحكم و البطر

نحن النّسور و من نعمى جوانحنا

أنّا رأينا صغارا كلّ من كبروا

و ربّ هجر سولء في مواجعه

أكباد من هجروا ظلما و من هجروا

***

أدعو قبور أحبّائي لتسمعني

و هل تجيب دعاء الثاكل الحفر

قبر بضاحية الشهباء طاف به

فلملم الطيب من حصبائه السحر

و استودعت حمص قبرا لو مررت به

لهشّ لي منه حبّ مترف عطر

و لي قبور على الفيحاء غافية

زوّارها الطير و الأشواق و القمر

ظمأى و يندى ثراها لوعة و هوى

إذا ألمّ بها من غربتي خبر

تلك المصارع ردّ الموت نجدتها

عنّي فكاد الأديم السمح يعتذر

طاح الزمان بإخواني و أوردهم

على الحتوف فلا عين و لا أثر

أصبحت بعدهم حيران منفردا

و الريح معولة و اللّيل معتكر

أحنو على كلّ قبر من قبورهم

أبكيه .. حتّى بكى من لوعتي الحجر

قد عقّني الصحب حتّى لا أضيق به

إن عقّني الأقربان السمع و البصر

ألوّن الخطب أضواء و غالية

و أبدع الفقر عزّا حين أفتقر

و ما وفى لي ممّن كنت أوثرهم

إلاّ القبور و إلاّ الأيك و النّهر