لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو |
متى يتلاقى بعد نأيهم الصحب |
أحبّه قلبي إن بعدتم فما نأى |
عن القلب لا الذكر الملحّ و لا الحبّ |
على طيفكم أغمضت عيني و التقى |
صيانا له في مقلتي الهدب و الهدب |
جلوت القذى عنها وفاء لطيفكم |
فأحلامها نعمى و مدمعها عذب |
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا |
يرفّ عليه النّور و الظلّ و الخصب |
أراكم على بعد المزار فياله |
حنينا تلاقى عنده البعد و القرب |
و يدنيكم منه خيال مجنّح |
هراقت عليه نورها الأنجم و الشهب |
خيال يجوز الدّهر و الكون و المنى |
و يطوي الغيوب النائيات و لا يكبو |
فيا بعدها من غاية لم ترح بها |
مطيّ و لا حطّ الرّحال بها ركب |
و لله ما أوفى الخيال فبيننا |
و بينكم منه الرّسائل و الكتب |
يلمّ فيلقاكم و يشكو اليكم |
من البعد ما نشكو و يصبو كما نصبو |
و نظمأ لولا نهلة من رحيقه |
أديرت فلا الساقي أفاق و لا الشرب |
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها |
فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا |
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم |
و لم تتقبّله البصيرة و اللّبّ |
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي |
أساريره بشر عليهنّ أم رعب |
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذبا |
فيا نعمة قد كان يحملها الكذب |
يجسّ الطبيب النّبض حيران ذاهلا |
و هيهات لا يغني الطبيب و لا الطبّ |
و يرجو على اليأس المرير و إنّه |
خداع الأماني و التعلّة و الحبّ |
و للأهل أبصار روان تعلّقت |
بعينيه إيجاب هنالك أم سلب |
و صمت مرير دون ما فيه من أسى |
بكاء الثكالى و التفجّع و الندب |
فوارحمتا للنّاهلات من الصّبي |
ألم يتهيّب من براءتها الخطب |
غرائر من نعمى الدلال تلفّتت |
فأعوزها عطف الأبوّة و الحدب |
فيا للصّبي الهاني شجاني أنّه |
حزين و من طبع الصبي اللهو اللّعب |
فيا ربّ لا راع الطفولة رائع |
و يا ربّ لا ألوى بنعمائها كرب |
و يا ربّ للأطيار و الفجر و الندى |
إذا شئت لا للعاصف الغصن الرطب |
إذا نهلّ غرب من صغير جرى له |
من الملإ الأعلى على صفوة غرب |
إذا عبرات الطفل مرّت بمجدب |
من النفس روّته ففارقه الجدب |
دموع كعفو الله لو مرّ بردها |
على الرّملة الحرّى لنضّرها العشب |
و يا ربّ مر تصبح نسيما معطّرا |
على كلّ محزون زعازعها النكب |
و يا ربّ عندي من كنوزك حفنة |
من الحبّ أذريها و لكنّها تربو |
تمنّيت لو فاضت حنانا و رحمة |
من الظالمين الخنزوانة و العجب |
فلا يعوز الإنسان حبّ و نعمة |
و لا يعوز الطّير الجداول و الحبّ |
أرى الفرد لا يبقى و إن طال حكمه |
و يبقى بقاء الحقّ و الزمن الشعب |
و أشهد أنّ الظلم يردي فلو طغى |
على السفح هضب شامخ زلزل الهضب |
شكت جبروت الكثب حبّات رملها |
إلى الله فانهارت مع العاصف الكثب |
*** |
|
أبا أحمد هل يرفع الستر مرّة |
عن الملأ الأعلى و تنكشف الحجب |
و فزنا من النور المصون بلمحة |
تقرّ بها عين و يندى بها قلب |
و كشّف للأخرى صفاء مغيّب |
حبيب إلى قلبي و لكنّه صعب |
و لحت لنا في عالم الحقّ بدعة |
من النّور يخبو كلّ حسن و لا تخبو |
فرحنا نحيّي من نحبّ تحيةّ |
تنازعها الشوق المبرّح و العتب |
أتنأى فهلاّ وقفة يشتفي بها |
خليل و يقضي حقّ لوعته صبّ |
أتنأى و ما ودّعت أهلا و لا حمى |
فأين الحنان السمح و الخلق الرّحب |
*** |
|
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت |
يضيق بها شرق المنازل و الغرب |
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد |
فللعين من نعمى طلاقته شرب |
أبا أحمد في ذمّة الله صارم |
من الحقّ لا يشكو الضراب و لا ينبو |
يمان محلّى فهو في السلم زينة |
و تكشف عنف الموت في حدّة الحرب |
سقى الله بالذكرى على غير حاجة |
و لا حاد عن أطيابها الغدق السكب |
عهودا لنا كالنور أمّا نعيمها |
فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب |
لبسن الصبى بردا فلا خزّ فارس |
يدلّ و لا الديباج و الوشي و العصب |
عهود نجيبات الأصائل و الضحى |
و إن قلّ في الإنسان و الزّمن النجب |
و لله ما أحلى مرابع لهونا |
ينادم تربا في خمائلها ترب |
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم |
و تصهل في أفيائها الضمّر القبّ |
أحنّ إذا فارقتني بعض ساعة |
و تحمد في الحبّ اللّجاجة لا الغبّ |
شببنا على محض الوفاء وصفوه |
كذلك آبائي و آباؤكم شبّوا |
و يجمعنا نجر قريب سمت به |
لغسّان أقيال غطارفة نجب |
و حب رمته في اللّهيب لصهره |
صروف الليالي و القطيعة و الذنب |
و كأس تساقينا ثلاثين حجّة |
عذوبتها طبع و تقطيبها كسب |
أشمّ عبيرا من ترابك عاطرا |
أمنك استعار العطر و النضرة الترب |
فحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا |
و جادته بالسّقيا يمينك لا السحب |