ما شأن هذا الأشعث الجواب بدوي الجبل

هل عند أنجمك الضواحك ما بي

يا ليل إشراكي و صبح متابي

طهّرت آثامي البريئة في لظى

قبل كأحلام النّعيم عذاب

فأدر عليّ سلاف ريقك و اسقني

و اسق النّديم سلافة الأعناب

و إذا عتبت على لماك فربّما

سمح الحبيب برشفة الأعتاب

و سّدتك اليمنى لعلّي في غد

أرد الحساب و وجنتاك كتابي

و نعمت ألمح في جفونك رغبة

خجلى صريعة نشوة و دعاب

لا تغف تحلم بالنجوم فيرتمي

منها لرشف لماك ألف شهاب

لا تغف و أثم في هواك و لا تخف

نسكي أمانك في غد و ثوابي

هيهات وزرك لا أنوء بحمله

إن صحّ أمر قيامة و حساب

يا ربّ عفوك قد ثملت فخلّني

لغوايتي و تهتّكي و شرابي

و جنون أحلامي تثور عنيفة

حمراء بين معالم و قباب

سفكت دمي و ألحّ في إرضائها

فتعافه و تلحّ في إغضابي

أحلام جبّار السماوات العلى

نزلت عليّ و ضمّها جلبابي

خلقت ببيدائي الظميئة جنّة

ثرثارة الألوان و الأطياب

يأوي إلى رحماتها و حنانها

قلم الحكيم و منجل الحطّاب

فإذا الحياة على جلالة قدرها

داري و هذا الأفق بعض رحابي

و إذا الكواكب من لدات طفولتي

و الكون و الأجيال من أصحابي

نزلت على فقري و أعوزها القرى

هذا دمي و لبانتي و شبابي

و ثمالة في الكأس أغفلها الهوى

لمصرّعين غطارف أنجاب

صرفا و أشفق من عنيف خمارها

ساقي الكؤوس فشجّها برضاب

***

ذاك البيان على مرارة كأسه

سكر العقول و فتنة الألباب

و تخاله قطع الرّياض تفتّحت

فيها الخمائل عن أغرّ عجاب

نشوى بأنداء الصباح يديرها

ساقي الرّبيع مزعفر الجلباب

و الحكمة الغرّاء في كلماته :

نور البيان و حلية الآداب

أفضى إلى الأخلاق و هي مصونة

أتراه يكتم سرّها و يحابي

مالي و للأخلاق يغمر سرّها

عنت الغبيّ و خدعة المتغابي

ألغدر في داود بعد مشيبه

و رعاية الأضياف من راحاب

ظمأى إلى القبل الأثيمة عذبة

كالبابليّ مريرة كالصّاب

قامت بأعباء الوفاء و لم تقم

فيه جلال الملك و الأحساب

و أبت لضيفيها الحبائل بعدما

وردا حبائل عريها الجذّاب ؟

***

مرحى لبائعة السرور و لا انطوت

ذكراك من نشوى الدّلال كعاب

أزرى بعفّتك الجمال و خلفه

سكران سكر هوى و سكر شباب

مرحى و إن عصر الشقاء سلافة

من وجنتيك أثيمة الأكواب

مرحى و في عينيك من صور الهوى

ما لا يعدّ و من رؤى الأحباب

محراب حسنك قد وقفت ببابه

و سجدت أعبد دمية المحراب

و لمحت فيه جلال حسنك راقدا

فوق الشفاه اللّعس و الأهداب

و سكرت من أحلامه بسلافة

عجب و من آهاته بملاب

جبت الظلام فلم أدع من دجنة

إلاّ غدائر شعرك المنجاب

و لقد تبيّنت الهوى لم يخفه

في مخدع الشهوات ألف نقاب

في ذمّة الذكرى بقايا ليلة

عريانة مجنونة الآراب ...

***

و يريغه عنّي النعيم فأنثني

لأراه في العبرات و الأوصاب

و سخرت بالأوهام عصر شبيبتي

و حسبت فيض الماء لمع سراب

فاليوم تخشع للخرافة حكمتي

و يطوف حول قبابها إعجابي

و أرى به طيف الحقيقة كامنا

خلف الحجاب ولات حين حجاب

قتلت هواي و حكمتي و تجاربي

فأنا الشّهيد و هذه أسلابي

حسناء تلتفع البرود قديمة

يا ليتها رضيت جديد إهابي

فاخشع لحالية الشباب و ربّما

شهدت و كان الدّهر في الغيّاب

تفنى لتقتبل الحياة نضيرة

سمجاء بعد تنازع و غلاب

عبدت و سبّت فهي منذ تبرّجت

للكون بين عبادة و سباب

مثل الحقيقة كالجمال و ربّما

متّت إليه بأقرب الأسباب

للمشرق الضاحي الأغرّ قلادة

من و للشفق المريض الخابي

الصبح مرموق الضياء منوّر

و الليل ريّان الملاحة سابي

سبحان من نثر الحقيقة حفنة

قدسيّة من حكمة و صواب

تذري الرّياح بها مدامع رحمة

بين العقائد أو سياط عذاب

فالمح نثير ضيائها فيما ترى

من دعوة و خرافة و كتاب

لولا التقى لرأيت بعض جلالها

جمالها برسالة ( الكذّاب)

***

يا سيّد الصرح الممردّ دونه

حجب المنون و قسوة الحجّاب

رفعته من جنّ السماء عصابة

فبدا أشمّ على أشمّ عقاب

العدل و التوحيد في ذرواته

و عبادة الأزلام و الأنصاب

بيت الحقيقة طاف في أركانه

ذلّ العبيد و عزّة الأرباب

و علت مع الأوراد في غلس الدّجى

أغنيّة للحبّ من زرياب

و تعانق البغضاء حول قبابه

يتألّقون شوارد الأحساب

و حنا اليقين على الجحودو ما حنا

إلا على الخلصاء و الأتراب

تتخايل الأسرار فيه و تختفي

معها طيوف السحر و الإغراب

و ترى على الشرفات أشباح الرؤى

تصغي و ينشدها إله الغاب

و تحسّ بالنغمات تعتنق الدجى

و تثير من وجد و من إطراب

نغم الخفاء تجاوبت أصداؤه

في موحش غمر الرّمال يباب

و إلهة الوادي تثور بعريها

وثبا للجّة نهره المنساب

فيضمّها عريانة مقرورة

نشوى بعنف غرامه الصخّاب

لو أنّ خدّيها إليك و ثغرها

لقطفت من ورد و من عنّاب

***

أشرق بلألاء اليقين و سرّه

فالأنبياء و آلهم في الباب

عيسى و رحمته و أحمد و الرؤى

و الوحي نور مفاوز و شعاب

و ربيب مصر تطوف حول جماله

ريب الغيور و خدعة المغتاب

يدعو أفانين الهوى فتجيبه

و دعا هواك فلم يفز بجواب

و الفاتحون من الملوك كأنّهم

عقبان جوّ أو قساور غاب

ألدرّة البيضاء دون جمالها

سود المنون بزخرة و عباب

حملوا اللألي و السلافة و المنى

و غرائب الألطاف و الأجلاب

و حملت أسمالي إليك و شافعي

لهوى فتاتك غربتي و عذابي

فاسخر بإدلالي عليك و قل لها :

ما شأن هذا الأشعث الجوّاب ؟