أهنيهة قطع الضحى أم جيلا |
يوم العفاة لقد خلقت طويلا |
ما ضرّ فجرك لو تلألأ وانيا |
فلعلّها تغفو العيون قليلا |
عاجلت أحلام الدّجى فطويتها |
و الرّوح ترشف ثغرها المعسولا |
ما كان أهنأها يلوّن سحرها |
صور المنى و يرفّها تدليلا |
و يثير فيهنّ الحياة شهيّة |
و الحبّ أرعن و الشباب منيلا |
راض الشفاه الشامسات على الهوى |
فضحكن يهمسن الحوار عليلا |
و حنا على بؤس العفاة فما رأوا |
من عثرة إلاّ رأوه مقيلا |
خلع النضارة و الشباب عليهم |
و الحبّ و المتع العذاب الأولى |
نعم و إن كانت تحول على الضحى |
أيّ المباهج لم تكن لتحولا |
تحنو على القلب الجريح فينثني |
ريّان من رحماتها مطلولا |
و ترفّ إن حمى الهجير غمامة |
و ندى و ظلاّ في الهجير ظليلا |
و تحوّل البيد الظماء خمائلا |
سكرى و ربعا ضاحكا مأهولا |
فكأنّها فيما تزخرف من منى |
آس تحاول كفّه التجميلا |
*** |
|
إنّ الذي خلق الحقيقة علقما |
خلق المنى للواردين شمولا |
تتصارعان و لا ترى إحداهما |
ظفرا لتبسط حكمها و تطولا |
تدعو المنى زمر القلوب و أختها |
تدعو بصائر في الوغى و عقولا |
و الكون بين الضرّتين مقسّم |
فاشهد قبيلا يستبيح قبيلا |
و اعذر على البغي القلوب فطالما |
قيدت و ذلّل صعبها تذليلا |
أماّ الدّجى و الفجر من أعدائه |
فاقد بصرت به يخرّ جديلا |
*** |
|
قل للحقيقة إن قسوت فربّما |
فكّ الزمان أسيرك المكبولا |
إن تملكي الدنيا و سرّ كنوزها |
لم تملكي الأحلام و التأميلا |
أفق المنى أحنى و أرحب عالما |
و أحنّ أفياء و أزين سولا |
صوني الكنوز عن العفاة فلا ترى |
عين إلى تلك الكنوز سبيلا |
و تخيّريها للقوي سلافة |
و غنى و طرفا ناعسا مكحولا |
و إذا شكا العافي فسوطك و اسمعي |
نغم الألوهة زفرة و عويلا |
و تنكّري للنائمين على الطّوى |
الله قد خلق المنى لتديلا |
ما كان جودك للسعادة ضامنا |
صدقا و بخلك بالشقاء كفيلا |
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة |
فتسمّعي لجبا بها و صهيلا |
و زماجرا قامت على غمّائها |
من حكمك العاتي القويّ دليلا |
ملكت يداك هواءها و بحارها |
و الكون أجمع عرضه و الطولا |
ألعلم يحكم وحده متعسّفا |
لا قلب في سلطانه و ميولا |
و العلم إن ملك القلوب فسمّه |
وحشيّة و ادع الحضارة غيلا |
و العلم إن ملك القلوب فسمّها |
صخرا تنوء بعبئه محمولا |
لا نبض ما خفقت به لكنّه |
صوت الحديد غدا يصلّ صليلا |
أمّا الأكفّ فخيرها ذو جنّة |
حطمّ الرّباب و عالج الإزميلا |
ألعلم سخّرها و حسب العلم أن |
تزن الأمور جميعها و تكيلا |
عفى على حرم الخيال و قدسه |
أو ما ترى حرم الخيال أزيلا |
و لقد وقفت به أناشد غائبا |
قفل الخليط و ما أطاق قفولا |
و بكيت _ أجزيه _ و ربّ مدامع |
خفّفن كربا أو شفين غليلا |
*** |
|
عهدي به و الشعر في أدواحه |
ندّى القلوب أغانينا و هديلا |
خضل العطور ترفّ أنداء المنى |
فيه السرائر بكرة و أصيلا |
و جلا لك الدنيا على ما تشتهي |
منها يملّق حسّك المختولا |
و أعاد مطويّ العصور و آدما |
يحنو بأدمعه على هابيلا |
منح الخلود و لا ميول و لا هوى |
فأبى و آثر غربة و رحيلا |
غزل يفارق من أحبّ و سرّه |
أن فارق التكبير و التهليلا |
تتغيّر الألوان تغمر نفسه |
بالحسن لا نزرا و لا مملولا |
و تبدّل الألوان نعمة خالد |
لم يدر في فردوسه التبديلا |
*** |
|
و ترى بأفياء النخيل بثينة |
تحنو لتحتضن النهود جميلا |
فانعم برؤية عاشقين تلاقيا |
سحرا و قد هوت النجوم أفولا |
و اعذر جميلا حين جنّ جنونه |
فسطا و لا غزلا و لا تأهيلا |
نشوان يهصرها إليه و لا يرى |
إثما و يلهب عريها تقبيلا |
يترشّف الثغر الشهيّ سلافة |
و يرفّه كالأقحوان بليلا |
*** |
|
و دملا و ردن على الغدير و ما اتّقت |
حسناؤهنّ الشاعر الضلّيلا |
حتّى إذا أخفى البرود و سامها |
أمرا رأته من الحياء جليلا |
عطفت تناشده العفاف و أتلعت |
جيدا كلألاء الصّباح أسيلا |
فأبى و تسرع نحوه عريانة |
خجلى لقد حبّ الجمال خجولا |
و تطالع المجنون في أسماله |
شلوا بأنياب السقام أكيلا |
خذلته نعماء العيون و سخّرت |
للعبقريّة ذلك المخذولا |
فهوى صريعا بالرمال مكفّنا |
بمدامع الصبح البليل غسيلا |
*** |
|
و فتى قريش و هو يقتل طرفه |
ليرى الثريّا والها مخبولا |
عبثت لتشهد منه أيّة لوعة |
تجزى و أيّ هوى ملحّ تولى |
*** |
|
و سكينة و الشعر ضيف نديّها |
و الحسن يبعث شجوه فيقولا |
نشوى الدلال تعبّ من خمر الهوى |
سكرا و يمنعها الحياء تميلا |
ملء العيون مفاتنا لكنّها |
ملء القلوب علا أعزّ أثيلا |
وقف العفاف يذود عن ذاك اللّمى |
إلاّ المنى شرس الذياد بخيلا |
و تذيع حمّتها عبيرا ربّما |
أخذ الشذى القدسيّ عن جبريلا |
*** |
|
و أبا نواس في مجالس لهوه |
قسم الليالي سكرة و ذهولا |
حلو الدّعاب هفا و علّل ذنبه |
للآثمين فأحسن التّعليلا |
حسب الحياة سافة و مهفهفا |
و الباقيات من الحياة فضولا |
لم يهو عزّ الحسن في خفراته |
و أحبّه عند القيان ذليلا |
من كلّ نافرة فإن جمّشتها |
ألفيت عقد نطاقها محلولا |
تأبى فيصرفه الملال و لو حنت |
تبغي لبانته لكان ملولا |
*** |
|
و ترى ابن برد و هو في نزواته |
ليثا تحاماه الورى معزولا |
هتك الفضائح بعد صون و انتضى |
للمالكين بيانه المصقولا |
فرموه بالإشراك ثمّ تلمّسوا |
من حاسديه شاهدا مقبولا |
حتّى إذا عزّ الشهود تمحّلوا |
فرأوا شهودا في القريض عدولا |
زعمته أهواء السياسة كافرا |
نالله ما بالكفر راح قتيلا |
*** |
|
متجاورين ترى بكلّ خميلة |
عند الغدير خليلة و خليلا |
متنادمين على السلافة أنشدوا |
غرر النسيب و رتّلوا التنزيلا |
*** |
|
سقيا لنعماء لخيال و لا رأت |
عيناي ربعا من هواه محيلا |
أثمت بزينته الحضارة و اقتضت |
شرّ التقاضي دينها الممطولا |
شوهاء تحلم بالجمال و لا ترى |
إلاّ الأسى و الثكل و الترميلا |
و يعدّ منطقها الضجيج تناسقا |
و الحبّ علما قد أعدّ فصولا |
فإذا أردت الحبّ فابغ أموره |
عند الكتاب و حاذر التأويلا |
و تعلّم الحرقات من صفحاته |
و الدمع كيف تروضه فيسيلا |
و احذق معاتبة النجوم و لومها |
متوجّعا و تعمّد التطويلا |
فمن الكياسة في كتابك أن ترى |
بين النجوم على هواك عذولا |
*** |
|
حرم الخيال فدى رؤاك حضارة |
قد مثّلتك لتخطئ التمثيلا |
هيهات حسنك من جمال خادع |
غشّ العيون و احكم التضليلا |
إنّي لألمح في الغيوب رسالة |
و أرى وراء الغيب منك رسولا |
و كتاب حقّ لا يبالي بالهوى |
إن خالف المعقول و النقولا |
إنجيل عيسى في الحنان و إن يكن |
في غير ذاك يخالف الإنجيلا |
و بيان أحمد : قوّة و عذوبة |
و نهى و رأيا في الحياة جميلا |
عفّى على مدنيّة صخّابة |
يذر الخليّ ضجيجها مشغولا |
جبّارة لا عطف في أقدارها |
عجلى و ما خلق الزمان عجولا |
يمنى تعدّ لك المتاع و أختها |
تلد الشقاء و تخلق التنكيلا |
تبني و تهدم كالحياة وربّما |
غزلت لتنكث خيطها المغزولا |
لا عطف يخفق في الصّدور و لا هوى |
كذبتك عينك بل رأيت طلولا |
و العلم ويل العلم يوم حسابه |
إن كان عن نزواتها مسؤولا |
*** |
|
هذا كتاب الغيب فيه رحمة |
تسع البريّة نترفا و معيلا |
غسل الوجود من الضغائن و الهوى |
لتحلّ روح الله فيه حلولا |
و تألّف الانساب يغمر عطفه |
منها فروعا سمحة و أصولا |
ساوت بساطته الشعوب فما ترى |
فيها هجينا أو تعدّ أصيلا |
و حنت على النفس الأثيم فابصرت |
إثم النفوس على النفوس دخيلا |
ولدته أخيلة الشرائع فكرة |
فنما بأحضان الحضارة غولا |
خلقت له الأسماء و هو كناية |
و تخيّلت ألوانه تخييلا |
و رمت به الإنسان في نعمائه |
فتصّيدته مكبّلا مغلولا |
لم ترض تعذيب الحياة فسخّرت |
بعد الردى لعقابه المجهولا |
فكأنّما تلك الشرائع تقتضي |
عند النفوس ضغائنا و ذحولا |