رؤى يوحنا الجليلي نمر سعدي

 ( أحد عشرَ التماعاً )

(1)

> أرفو الزنابقَ من جسمي وتجلدُني
>
> دنيايَ ظلماً بلعناتِ الثعابينِ
>
> كأنمَّا نشوةُ الخيَّامِ تملأني
>
> حتى تحفَّ دمي نيرانُ بايرونِ
>
> آهٍ لو أنَّ جميعَ الأمنياتِ لها
>
> جسماً وحيداً أوافيهِ فيشفيني
>
> أو كنتُ أسبحُ من معنايَ في أبدٍ
>
> ثانٍ يوزِّعُ أشيائي ويُلقيني
>
> راءٍ أنا من زماني حلمَهُ بغَدي
>
> ولي مكاني هنا. صوتٌ يناديني
>

>
>     (2)
>

>
> ذاتَ ليلٍ ستخرجُ منِّي الأناشيدُ عُريانةً
>
> تلبسُ الماءَ والنورَ ......
>
> وحدي الذي سوفَ يعرفُ أنَّ القصيدةَ
>
>  تجسيدُ لحظةِ ما نشتهي ونحُبُّ.....
>
> القصيدةُ مفتاحُ لا وعينا والغدُ المستحيلُ ....
>
> سأصرخُ في ذاتِ ليلٍ : وجدتُ القصيدةَ فيَّ فلامستُها..
>
> انتثرتْ في عراءِ دمائي وضيَّعتها...
>

>
>         (3)
>

>
> بشواطئٍ بيضاءَ أحلمُ. ملءَ هذا الكونِ
>
> أحلمُ بالفراشاتِ الخضيلةِ من شذى النيرانِ
>
> أحلمُ بالسماءِ, بهالةٍ شفَّافةٍ زرقاءَ
>
> راحَ يمُسُّها شبقُ الضياءِ .......
>
> ومسَّني الطوفانُ في أطرافِ أزهاري
>
> صحوتُ. ركضتُ مذعوراً. بلا قلبٍ يدُقُّ
>
> وراحَ يخرجُ من منامي أفعوانْ
>

>
>        (4)
>

>
> من رمادِ الخساراتِ ينبتُ أبطالنا القادمونَ إلى عرسنا
>
>  مثلَ زهرِ الأناجيلِ. والذاهبونَ إلى شمسنا
>
> من رمادٍ يوحِّدُ أصواتنا في نشيدِ الحياةِ
>
> يُجدِّدُ أشواقنا المنتقاةَ
>
> يُعمِّدنا أوَّلاً بالحنينْ
>
> من رمادِ الخساراتِ....
>
> لا من خيامِ النساءِ ولا من بيوتِ سحابٍ وطينْ
>
> سوفَ ينبتُ أبطالنا القادمونْ
>

>
>        (5)
>

>
> أصنعُ من نثارِ وقتي قُبلةً ثلجيةً, ناريةً
>
> أدفنُ فيها القلبَ ريثما يُبرعمُ الصدى الصوتيُّ في رسائلي
>
> وتنهضُ الجهاتُ واللغاتُ من نومِ مجازِ الشعرِ في قصيدتي
>
> الحُبلى بأحلامِ لوتريامونَ أو رمبو .....
>
> ويخطو آخري المسكونُ مثلي بالبحيراتِ ....
>
> إلى براءةِ الأشياءْ
>

>
>        (6)
>

>
> وحدي ألمُّ خطايَ في وطنٍ حياديٍّ
>
> أرى الأشياءَ تزهرُ في رؤايَ رذاذَ أجنحةٍ
>
> وورداً فاضَ عن حَدِّي ...
>
> وُلدتُ من القصاصاتِ الأخيرةِ للسنا عِندي
>
> أنا سفرُ الندى المكتوبُ في سِرِّي بماءِ الغيبِ
>
> وحدي شاهدٌ وشهيدُ ما سأخطُّ من حُرِّيتي فوقَ الفراغِ
>
> وحينَ أُبعثُ من ظلامِ الحُبِّ حيَّا
>

>
>        (7)
>

>
> أُحاولُ ايجادَ معنىً لنصفِ الكلامِ الذي في الحروبِ احترَقْ
>
> ونصفِ الغرامِ الذي دشَّنتهُ الغوايةُ. ملءَ الغروبِ انعتَقْ
>
> أحاولُ أن أبدأ الشعرَ. إذْ تنتهي الطائراتُ غداً
>
> من سمائي التي أشتهي أن أراها
>
> فتسكنني ألفُ طائرةٍ من ورَقْ
>

>
>       (8)
>

>
> ذهبتُ أبحثُ عن معناكِ فافترَستْ
>
> عينيَّ رؤيا سالومي. واحتوتكِ يدي
>
> لكنَّ عينيكِ كالعنقاءِ تُفلتُ من
>
> ألحانِ روحي وتحشوهنَّ بالرمدِ
>
> حتى بحيراتكِ الصغرى مُجللَّةٌ
>
> بوردةٍ من دموعِ الطائرِ الغَرِدِ
>
> حتى رمادُ مساءاتي يُبعثرُني
>
> أوراقَ حورٍ أتتْ من لوعةِ الأبدِ
>
> لُمِّي نصاعةَ هذا الليلِ. واجترحي
>
> جسراً إلى صبحكِ الوسنانِ في خَلَدي
>
> هناكَ فوضى جمالٍ لا تُؤلِّفني
>
> إلاَّ كما ألَّفَتْ عشتارَ بالزبدِ
>
> هناكَ لم أنتبهْ.. حتى إذا احترَقتْ
>
> فيَّ الشواطىءُ أجراساً على الأحَدِ
>
> رأيتُ نفسَكِ في نفسي ولمْ أعُدِ
>
> حيَّا من البئرِ يا من عُدتِ من جسَدي
>
> من ماءِ مرآةِ روحي. حينَ أسكُبهُ
>
> على ترابِ الثُرَّيا...... من حنينِ غدي
>
> إلى تفلُّتِ نهرٍ منكِ يُرعشُني
>
> على ضلوعي, على جنبي, على أوَدي
>
> يكونُ مثلَ عمادِ النارِ يبدأني
>
> أو اقترافَ خطيئاتي على عَمَدِ
>

>
>       (9)
>

>
> لا حكمةً لي في انكِسارِ معارجِ البلُّورِ
>
> تنبتُ حكمتي كالعَوسجِ البريِّ والنبويِّ
>
> في قلبي وتُشعلني بلا وَهجٍ
>
> ليأتي الغيرُ يقبسُ من أنايَ
>
> ويستضيءُ بليلِ من وهَبوا الغيابَ دماءَهم......
>

>
>      (10)
>

>
> في الجليلِ طيورٌ سماوِّيةٌ من وصايا الغمامِ
>
> ترِفُّ على عطشي كيْ ينامَ
>
> بلا لهفةٍ تتسلَّلُ من خللِ الماءِ مثلَ بروقِ المدى
>
> في الجليلِ سأصنعُ لاسميَ معناهُ
>
> أحملُ رأسي بنفسي على طرفِ السيفِ عشقاً ...
>
> وكيما أصيرَ جديراً بحَلِّ سيورِ حذاءِ المسيحِ
>
> وكيما أُحرِّرَ بعضَ صفاتِ الزهورِ
>
> وبعضَ صفاتِ الندى
>
> في جليلِ هيروديا من الليلِ
>
> من سُمِّ أفعى التآويلِ
>
> لا بُدَّ لي أن يضيءَ احتراقي ظلامَ الوجودِ
>
> وأخصبَ جدبَ الحياةِ
>
> بدمعي ودمِّي سُدى
>

>
>         (11)
>

>
> ستمُرِّينَ بي في أقاصي الرياحِ
>
> كوردٍ عصيٍّ على الفهمِ
>
> من غيرِ تلويحةٍ لمراياكِ.....
>
> أنهضُ من قاعِ حُلمٍ قليلٍ, ضليلِ البُروقِ
>
> يُطاردهُ شبقُ العنكبوتِ
>
> بعدوِ السُلَّيكِ أو الشنفرى.... وتماهيكِ بي
>
> يا انعقادَ التويجاتِ في شفقي
>
> وانسكابِ أجنَّتها في دمي
>
> يا احتفاءً شهيَّاً ببحرٍ تغلغلَ في معصَميكِ وفي عُنُقي
>
> ثمَّ تاهَ بهِ قلقي
>
> تاهَ حتى الوصولِ إلى وردةِ الظَلموتْ .
>

>

>
> شتاء 2008