علية بنت المهدي

160 - 210 هـ / 777 - 825 م

أخت هارون الرشيد، أديبة شاعرة تحسن صناعة الغناء، من أجمل النساء وأظرفهن وأكملهن فضلاً وعقلاً وصيانة.

 

كان أخوها إبراهيم بن المهدي يأخذ الغناء عنها، وكان في جبهتها اتساع يشين وجهها فاتخذت عصابة مكللة بالجوهر لتستر جبينها وهي أول من اتخذها.

 

قال الصولي لا أعرف لخلفاء بني العباس بنتاً مثلها، كانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة، ودرس القرآن ولزوم المحراب، فإذا لم تصلي اشتغلت بلهوها .

 

وكان أخوها الرشيد يبالغ في إكرامها ويجلسها معه على سريره وهي تأبى ذلك وتوفيه حقه.

 

تزوجها موسى بن عيسى العباسي، وقد لا يكون من التاريخ ما يقال عن صلتها بجعفر بن يحيى البرمكي.

 

لها ديوان شعر وفي شعرها إبداع وصنعة .

 

مولدها ووفاتها ببغداد.

 

وجاء في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: أمها مكنونة أم ولد اشتريت للمهدي في حياة أبيه: علية بنت المهدي أمها أم ولد مغنيةٌ يقال لها مكنونة، كانت من جواري المروانية المغنية.

 

نسخت من كتاب محمد بن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أن ابن القداح حدثه قال: كانت مكنوة جارية المروانية - وليست من آل مروان بن الحكم، هي زوجة الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس - مغنيةً، وكانت أحسن جارية بالمدينة وجهاً، وكانت رسحاء ، وكان بعض من يمازحها يعبث بها فيصيح: طست طست . وكانت حسنة الصدر والبطن، فكانت توضح بهما وتقول: ولكن هذا !. فاشتريت للمهدي في حياة أبيه بمائة ألف درهم، فغلبت عليه، حتى كانت الخيزران تقول: ما ملك امرأةً أغلظ علي منها. واستتر أمرها عن المنصور حتى مات ،فولدت له علية بنت المهدي.

 

بعض صفاتها: أخبرني عمي قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن عمه قال: كانت علية بنت المهدي من أحسن الناس وأظرفهم تقول الشعر الجيد وتصوغ فيه الألحان الحسنة، وكان بها عيب، كان في جبينها فضل سعةٍ حتى تمسج ، فاتخذت العصائب المكللة بالجوهر لتستر بها جبينها، فأحدثت والله شيئاً ما رأيت فيما ابتدعته النساء وأحدثته أحسن منه.

 

كانت حسنة الدين ولا تشرب ولا تغني إلا أيام حيضها: أخبرني الحسين بن يحيى ووكيع قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال سمعت إبراهيم بن إسماعيل الكاتب يقول: كانت علية حسنة الدين، وكانت لا تغني ولا تشرب النبيذ إلا إذا كانت معتزلة الصلاة، فإذا طهرت أقبلت على الصلاة والقرآن وقراءة الكتب، فلا تلذ بشيءٍ غير قول الشعر في الأحيان، إلا أن يدعوها الخليفة إلى شيءٍ فلا تقدر على خلافه. وكانت تقول: ما حرم الله شيئاً إلا وقد جعل فيما حلل منه عوضاً، فبأي شيءٍ يحتج عاصيه والمنتهك لحرماته وكانت تقول: لا غفر الله لي فتاحشةً ارتكبتها قط، ولا أقول في شعري إلا عبثاً.

 

لم يجتمع في الإسلام أخ وأخت أحسن غناء منها ومن أخيها: أخبرني أحمد بن يحيى قال حدثني عون بن محمد الكندي قال سمعت عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يقول: ما اجتمع في الإسلام قط أخ وأخت أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته علية، وكانت تقدم عليه.

 

كانت تحب المكاتبة بالشعر وكاتبت طلاً فمنعها الرشيد: أخبرني محمد قال حدثنا عون بن محمد الكندي قال حدثنا سعيد بن إبراهيم قال: كانت علية تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه، فاختصت خادماً يقال له " طل " من خدم الرشيد، فكانت تراسله بالشعر، فلم تره أياماً، فمشت على ميزابٍ وحدثته وقالت في ذلك:

قد كان ما كلفتـه زمـنـاً

 

يا طل من جدٍ بكم يكفـي

حتى أتيتك زائراً عـجـلاً

 

أمشي على حتفٍ إلى حتف

 

فحلف عليها الرشيد ألا تكلم طلاً ولا تسميه باسمه، فضمنت له ذلك. واستمع عليها يوماً وهي تدرس آخر سورة البقرة حتى بلغت إلى قوله عز وجل: " فإن لم يصبها زابل فطلٌ " وأرادت أن تقول: " فطلٌ " فقالت: فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين. فدخل فقبل رأسها وقال: وهبت لك طلاً، ولا أمنعك بعد هذا من شيء تريدينه. ولها في طلٍ هذا عدة أشعارٍ فيها لها صنعة. منها: صوت

يا رب إني قد غرضت بهجرها

 

فإليك أشـكـو ذاك يا ربـاه

مولاة سوءٍ تستهين بعـبـدهـا

 

نعم الغلام وبئست الـمـولاه

" طلٌ " ولكني حرمت نعيمـه

 

ووصاله إن لم يغثنـي الـلـه

يا رب إن كانت حياتي هكذا

 

ضراً علي فما أريد حـياه

           

 

الشعر والغناء لها خفيف ثقيلٍ مطلق في مجرى الوسطى. وقد ذكر ابن خرداذبه أن الشعر والغناء لنبيهٍ الكوفي، وأنه هوي جارية تغني، فتعلم الغناء من أجلها وقال الشعر، ولم يزل يتوصل إليها بذلك حتى صار مقدماً في المغنين، وأن هذا الشعر له فيها والصنعة أيضاً.

 

حجب عنها طل فقالت فيه شعراً وصحفت اسمه: أخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي قال حدثني محمد بن صالح بن شيخ بن عمير عن أبيه قال: حجب طلٌ عن علية فقالت وصحفت اسمه في أول بيت:

أيا سروة البستان طال تشـوقـي

 

فهل لي إلى ظلٍ لـديك سـبـيل

متى يلتقي من ليس يقضى خروجه

 

وليس لمن يهـوى إلـيه دخـول

عسى الله أن نرتاح من كربةٍ لنـا

 

فيلقى اغتباطـاً خـلةٌ وخـلـيل

 

عروضه من الطويل. الشعر والغناء لعلية خفيف رملٍ. كذا ذكر ميمون بن هارون، وذكر عمرو بن بانة أنه لسلسل خفيف رملٍ بالوسطى. وأول الصوت:

متى يلتقي من ليس يقضى خروجه

 

وذكر حبشٌ أنه للهذلي خفيف رملٍ بالبنصر.

 

أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق الطالقاني قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن الحسين الهشامي قال: قالت علية في طلٍ وصحفت اسمه في هذا الشعر وغنت فيه: صوت

سلم على ذاك الـغـزال

 

الأغيد الحسـن الـدلال

سلم عـلـيه وقـل لـه

 

يا غل ألباب الـرجـال

خليت جسمي ضـاحـياً

 

وسكنت في ظل الحجال

وبلغـت مـنـي غـايةً

 

لم أدر فيها ما احتيالـي

 

الشعر والغناء لعلية خفيف رملٍ. وذكر غير هذا أن الغناء لأحمد بن المكي في هذه الطريقة.

 

أنت تقول الشعر في خادمها رشأ وتكنى عنه بزينب: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني ميمون بن هارون عن محمد بن علي بن عثمان الشطرنجي: أن علية كانت تقول الشعر في خادم لها يقال له: " رشأ " وتكني عنه. فمن شعرها فيه وكنت عنه بزينب: صوت

وجد الفؤاد بزينـبـا

 

وجداً شديداً متعـبـا

أصبحت من كلفي بها

 

أدعى سقيماً منصبـا

ولقد كنيت عن اسمها

 

عمداً لكي لا تغضبا

وجعلت زينب ستـرةً

 

وكتمت أمراً معجبا

قالت وقد عز الوصا

 

ل ولم أجد لي مذهبا

والله نلـت الـمـودة

 

أو تنال الكـوكـبـا

 

هكذا ذكر ميمون بن هارون، وروايته فيه عن المعروف بالشطرنجي ولم يحصل ما رواه. وهذا الصوت شعره لابن رهيمة المدني. والغناء ليونس الكاتب، ولحنه من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، وهو من زيانب يونس المشهورات وقد ذكرته معها . والصحيح أن علية غنت فيه لحناً من الثقيل الأول بالوسطى، حكى ذلك ابن المكي عن أبيه، وأخبرني به ذكاء عن القاسم بن زرزور.

 

أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الحسين بن يحيى الكاتب أو الجماز قال حدثني عبيد الله بن العباس الربيعي قال: لما علم من علية أنها تكني عن رشأ بزينب قالت: صوت

القلب مشتـاقٌ إلـى ريب

 

يا رب ما هذا من العيب

قد تيمت قلبي فلم أستطـع

 

إلا البكا يا عالم الـغـيب

خبأت في شعري اسم الذي

 

أرادته كالخبء في الجيب

 

قال: وغنت فيه لحناً من طريقة خفيف رملٍ فصحفت اسمها في ريب.

 

هجت طغيان حين وشت بها إلى رشأ: قال: وكانت لأم جعفر جارية يقال لها طغيان، فوشت بعلية إلى رشأ وحكت عنها ما لم تقل، فقالت علية:

لطغيان خفٌ مذ ثلاثين حـجةً

 

جديدٌ فلا يبلى ولا يتـخـرق

وكيف بلى خفٍ هو الدهر كله

 

على قدميها في الهواء معلق

فما خرقت خفاً ولم تبل جورباً

 

وأما سراويلاتها فـتـمـزق

 

شعرها حين امتنع رشأ عن شرب النبيذ: قال: وحلف رشأ ألا يشرب النبيذ سنةً، فقالت: صوت

قد ثبت الخاتم في خنصـري

 

إذ جاءني منك تـجـنـيك

حرمت شرب الراح إذ عفتها

 

فلست في شيء أعاصـيك

فلو تطوعت لعوضـتـنـي

 

منه رضاب الريق من فيك

فيا لها عندي مـن نـعـمةٍ

 

لست بها ما عشت أجـزيك

يا زينباً قد أرقت مقلتي

 

أمتعني الله بحـبـيك

           

 

غنت فيه علية هزجاً.

 

غنى عقيد للمعتصم بشعر فسأل عنه فقال محمد بن إسماعيل إنه لها فغضب وأعرض عنه: أخبرني جحظة ومحمد بن يحيى قالا حدثنا ميمون بن هارون قال حدثني الحسن بن إبراهيم بن رباح قال: قال لي محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي: كنت عند المعتصم وعنده مخارق وعلويه ومحمد بن الحارث وعقيد، فتغنى عقيد وكنت أضرب عليه: صوت

نام عـذالـي ولـم أنــم

 

واشتفى الواشون من سقمي

وإذا ما قـلـت بـي ألـمٌ

 

شك من أهواه في ألمـي

 

فطرب المعتصم وقال: لمن هذا الشعر والغناء؟ فقلت: لعلية، فأعرض عني، فعرفت غلطي وأن القوم أمسكوا عمداً، فقطع بي. وتبين جهلي، فقال: لا ترع يا محمد؛ فإن نصيبك فيها مثل نصيبي. الغناء لعلية خفيف رملٍ. وقد قال قوم: إن هذا اللحن للعباس بن أشرس الطنبوري مولى خزاعة، وإن الشعر لخالد الكاتب.

 

غنى بنان للمنتصر بلحن لها في شعر الرشيد: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن يزيد قال حدثني أبي قال: كنا عند المنتصر، فغناه بنانٌ لحناً من الرمل وهو خفيف الرمل: صوت

يا ربة المنزل بالبرك

 

وربة السلطان والملك

تحرجي بالله من قتلنـا

 

لسنا من الديلم والترك

 

فضحكت. فقال لي: مم ضحكت؟ قلت: من شرف قائل هذا الشعر، وشرف عمل اللحن فيه، وشرف مستمعه. قال: وما ذاك؟ قلت: الشعر فيه للرشيد، والغناء لعلية بنت المهدي. وأمير المؤمنين مستمعه. فأعجبه ذلك وما زال يستعيده.

 

أخذت من إسحاق لحناً وغنته الرشيد ثم غناه هو للمأمون فعنفه: حدثني إبراهيم بن محمد بن بركشة قال سمعت شيخاً يحدث أبي وأنا غلام فحفظت عنه ما حدثه به ولم أعرف اسمه، قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: عملت في أيام الرشيد لحناً وهو: صوت

سقياً لأرضٍ إذا ما نمت نبهني

 

بعد الهدو بها قرع النواقـيس

كأن سوسنها في كل شـارقةٍ

 

على الميادين أذناب الطواويس

 

قال: فأعجبني وعملت على أن أباكر فيه الرشيد. فلقيني في طريقي خادمٌ لعلية بنت المهدي، فقال: مولاتي تأمرك بدخول الدهليز لتسمع من بعض جواريها غناءً أخذته عن أبيك وشكت فيه الآن. فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدة فجلست، وقدم لي طعامٌ وشرابٌ فنلت حاجتي منهما، ثم خرج إلي خادم فقال لي: تقول لك مولاتي: أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدثٍ، فأسمعنيه ولك جائزةٌ سنية تتعجلها، ثم ما يأمر به لك بين يديك، ولعله لا يأمر لك بشيء أو لا يقع الصوت منه بحيث توخيت، فيذهب سعيك باطلاً. فاندفعت فغنيتها إياه، ولم تزل تستعيده مراراً، ثم أخرجت إلي عشرين ألف درهم وعشرين ثوباً، وقالت: هذه جائزتك، ولم تزل تستعيده مراراً. ثم قالت: اسمعه مني الآن؛ فغنته غناءً ما خرق سمعي مثله. ثم قالت: كيف تراه؟ قلت: أرى والله وما لم أر مثله. قالت: يا فلانة أعيدي له مثل ما أخذ؛ فأحضرت لي عشرين ألفاً أخرى وعشرين ثوباً. فقالت: هذا ثمنه، وأنا الآن داخلةٌ إلى أمير المؤمنين، أبدأ أتغنى به، وأخبر أنه من صنعتي. وأعطي الله عهداً لئن نطقت أن لك فيه صنعةً لأقتلنك ! هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إلي. فخرجت من عندها ووالله إني لكالموقن بما أكره من جائزتها أسفاً على الصوت، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغم به في نفسي فضلاً عن أن أظهره حتى ماتت. فدخلت على المأمون في أول مجلسٍ جلسه للهو بعدها، فبدأت به أول ما غنيت. فتغير لون المأمون وقال: من أين لك ويلك هذا ؟! قلت: ولي الأمان على الصدق؟ قال: ذلك لك. فحدثته الحديث. فقال: يا بغيض ! فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته وذكرت هذا منه مع ما قد أخذته من العوض ! وهجنني فيه هجنةً وددت معها أني لم أذكره. فآليت ألا أغنيه بعدها أبداً. الشعر في هذا الصوت لإسماعيل بن يسار النسائي، وقيل: إنه لإسحاق. ولحنه من الثقيل الأول مطلق في مجرى الوسطى. وذكر حبش أنه للهذلي، ولم يحصل ما قاله.

 

طارحت أخاها إبراهيم الغناء وسمعها من في مجلس المأمون: خبرني عمي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال قال لي ينشو المغني حدثني أبو أحمد بن الرشيد قال: كنت يوماً عند المأمون وإلى جانبي منصور وإبراهيم عماي، فجاء ياسر دخلة فسار المأمون. فقال المأمون لإبراهيم: إن شئت يا إبراهيم: إن شئت يا إبراهيم فانهض، فنهض. فنظرت إلى ستر قد رفع مما يلي دار الحرم، فما كان بأسرع من أن سمعت شيئاً أقلقني. فنظر إلي المأمون وأنا أميل فقال لي: يا أبا أحمد ما لك تميل؟ فقلت: إني سمعت شيئاً ما سمعت بمثله. فقال: هذه عمتك علية تطارح عمك إبراهيم:

ما لي أرى الأبصار بي جافيه

 

نسبة هذا الصوت: صوت

ما لي أرى الأبصار بي جافيه

 

لم تلتفت مني إلى نـاحـيه

لا ينظر الناس إلى المبتـلـى

 

وإنما الناس مع الـعـافـية

صحبي سلوا ربكم العـافـيه

 

فقد دهتني بعـدكـم داهـيه

صارمني بـعـدكـم سـيدي

 

فالعين من هجرانه بـاكـيه

 

الشعر لأبي العتاهية، وذكر ابن المعتز أنه لعلية وأن اللحن لها خفيف رملٍ. وذكر أنه لغيرها خفيف رمل مطلق، ولحن علية مزمومٌ.

 

أرسلت إلى الرشيد ومنصور شراباً مع خلوب وغنمتها بلحن لها: أخبرني عمي قال حدثني أبو العباس أن بشراً المرثدي قال قالت له ريق: كنت يوماً بين يدي الرشيد وعنده أخوه منصور وهما يشربان، فدخلت إليه خلوب " جارية لعلية " ومعها كأسان مملوءتان وتحيتان، ومع خادم يتبعها عودٌ، فغنتها قائمة والكأسان في أيديهما والتحيتان بين أيديهما: صوت

حيا كما الله خـلـيلـيا

 

إن ميتاً كنت وإن حيا

إن قلتما خيراً فخيرٌ لكم

 

أو قلتما غياً فلا غـيا

 

فشربا. ثم دفعت إليهما رقعةً فإذا فيها: " صنعت يا سيدي أختكما هذا اللحن اليوم، وألقته على الجواري، واصطبحت فبعثت لكما به، وبعثت من شرابي إليكما ومن تحياتي وأحذق جواري لتغنيكما. هنأكما الله وسركما وأطاب عيشكما وعيشي بكما ".

 

دعا إبراهيم بن المهدي إسحاق وأبا دلف وغنتهم جاريته لحناً لها: أخبرني عمي قال حدثني بنحوٍ من هذا أبو عبد الله المرزبان قال حدثني إبراهيم بن أبي دلف العجلي قال: كنا مع المعتصم بالقاطول ، وكان إبراهيم بن المهدي في حراقته بالجانب الغربي، وأبي وإسحاق بن إبراهيم الموصلي في حراقتيهما بالجانب الشرقي. فدعاهما في يوم جمعة، فعبرا إليه من زلال وأنا معهما وأنا صغير، علي أقبيةٌ ومنطقةٌ فلما دنونا من حراقة إبراهيم فرآنا نهض ونهضت بنهوضه صبيةٌ له يقال لها " غضة " وإذا في يديها كأسان وفي يده كأس. فلما صعد إليه اندفع فغنى:

حيا كما الله خلـيلـيا

 

إن ميتاً كنت وإن حيا

إن قلتما خيراً فأهلاً به

 

أو قلتما غياً فلا غـيا

 

ثم ناول كل واحدٍ منهما كأساً، وأخذ هو الكأس الثالث الذي في يد الجارية وقال: هلم نشرب على ريقنا قدحاً ثم دعا بالطعام فأكلنا، ووضع النبيذ فشربنا، وغنياه وغناهما وضربا معه وضرب معهما، وغنت الصبية، فطرب أبي وقال لها: أحسنت أحسنت !. فقال له إبراهيم: إن كانت أحسنت فخذها، فما أخرجتها إلا لك.

 

شكت إليها أم جعفر انقطاع الرشيد فقالت شعراً وغنت به فرجع إليها: أخبرني علي بن صالح بن الهيثم وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا أبو هفان قال: أهديت إلى الرشيد جاريةٌ في غاية الجمال والكمال، فخلا معها يوماً وأخرج كل قينة في داره واصطبح، فكان جميع من حضره من جواريه المغنيات والخدمة في الشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زيٍ من كل نوع من أنواع الثياب والجوهر. واتصل الخبر بأم جعفر فغلط عليها ذلك، فأرسلت إلى علية تشكو إليها. فأرسلت إليها علية: لا يهولنك هذا، فوالله لأردنه إليك، قد عزمت أن أصنع شعراً وأصوغ فيه لحناً وأطرحه على جواري، فلا تبقى عندك جاريةٌ إلا بعثت بها إلي وألبسيهن ألوان الثياب ليأخذن الصوت مع جواري، ففعلت أم جعفر ما أمرتها به علية. فلما جاء وقت صلاة العصر لم يشعر الرشيد إلا وعلية قد خرجت عليه من حجرتها، وأم جعفر من حجرتها معها زهاء ألفي جاريةٍ من جواريها وسائر جواري القصر، عليهن غرائب اللباس، وكلهن في لحنٍ واحد هزجٍ صنعته علية: صوت

منفصلٌ عني وما

 

قلبي عنه منفصل

 

يا قاطعي اليوم لمـن

 

نويت بعدي أن تصل

           

 

فطرب الرشيد وقام على رجليه حتى استقبل أم جعفر وعلية هو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قط. يا مسرور لا تبقين في بيت المال درهماً إلا نثرته. فكان مبلغ ما نثره يومئذٍ ستة آلاف ألف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم قط.

 

كانت تحب لحن الرمل: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد المبرد قال: كانت علية تقول: من لم يطربه الرمل لم يطربه شيء. وكانت تقول: من أصبح وعنده طباهجةٌ باردةٌ ولم يصطبح فعليه لعنة الله.

 

غنت هي وأخوها إبراهيم وزمر عليهما أخوهما يعقوب: حدثني عمي قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال حدثني يوسف بن إبراهيم قال قالت لي عريب: أحسن يوم رأيته وأطيبه يومٌ اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهدي عند أخته علية وعندهم أخوهم يعقوب، وكان أحذق الناس بالزمر. فبدأت علية فغنتهم من صنعتها وأخوها يعقوب يزمر عليها: صوت

تحبب فإن الحب داعـية الـحـب

 

وكم من بعيد الدار مستوجب القرب

 

وغنى إبراهيم في صنعته وزمر عليه يعقوب: صوت

يا واحد الحب ما لي منك إذ كلـفـت

 

نفسي بحبك إلا الـهـم والـحـزن

لم ينسـنـيك سـرورٌ لا ولا حـزنٌ

 

وكيف لا ! كيف ينسى وجهك الحسن

ولا خلا منك قلبـي لا ولا جـسـدي

 

كلي بكلك مشـغـولٌ ومـرتـهـن

نورٌ تولد من شمـس ومـن قـمـرٍ

 

حتى تكامل منه الـروح والـبـدن

 

فما سمعت مثل ما سمعته منهما قط، وأعلم أني لا أسمع مثله أبداً.

 

تمارت خشف وعريب في عدد أصواتها بحضرة المتوكل: قال ميمون بن هارون قلت لعريب: رأيت في النوم كأني سألت علية بنت المهدي عن أغانيها فقالت لي: هي نيفٌ وخمسون صوتاً. فقالت لي عريب: هي كذلك. وقد أخبرني بنحو هذا الخبر عبد الله بن الربيع الربيعي قال حدثني وسواسة وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثتني خشف الواضحية أنها تمارت هي وعريب في غناء علية بحضرة المتوكل أو غيره من الخلفاء، فقالت هي: هي ثلاثةٌ وسبعون صوتاً. فقالت عريب: هي اثنان وسبعون صوتاً. فقال المتوكل: غنيا غناءها، فلم تزالا تغنيان غناءها حتى مضى اثنان وسبعون صوتاً، ولم تذكر خشف الثالث والسبعين فقطع بها واستولت عريب عليها وانكسرت. قالت: فلما كان الليل رأيت علية فيما يرى النائم فقالت: يا خشف خالفتك عريب في غنائي ! قلت: نعم يا سيدتي. قالت: الصواب معك، أفتدرين ما الصوت الذي أنسيته؟ قلت: لا والله ! ولوددت أني فديت ما جرى بكل ما أملك. قالت هو: صوت

بني الحب على الجور فلـو

 

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستحسن في حكم الهوى

 

عاشقٌ يحسن تأليف الحجج

لا تعيبن مـن مـحـبٍ ذلةً

 

ذلة العاشق مفتاح الفـرج

وقليل الحب صرفاً خالصـاً

 

لك خيرٌ من كثير قد مـزج

 

وكأنها قد اندفعت تغنيني به، فما سمعت أحسن مما غنته، ولقد زادت لي فيه أشياء في نومي لم أكن أعرفها. فانتبهت وأنا لا أعقل فرحاً به. فباكرت الخليفة وذكرت له القصة. فقالت عريب: هذا شيء صنعته أنت لما جرى بالأمس، وأما الصوت فصحيح. فخلفت للخليفة بما رضي به أن القصة كما حكيت. فقال: رؤياك والله أعجب، ورحم الله علية ! فما تركت ظرفها حيةً وميتةً، وأجازني جائزة سنية. ولعلية في هذا الصوت أعني:

بني الحب على الجور فلو

 

لحنان: خفيف ثقيلٍ وهزج. وقيل إن الهزج لغيرها.

 

سمع الرشيد لحنين لها من جاريتيها عند إبراهيم الموصلي فرجع إليها وسمعهما منها ومدحهما: ونسخت من كتاب محمد بن الحسن الكاتب حدثني أحمد بن محمد الفيرزان قال حدثني بعض خدم السلطان عن مسرور الكبير، ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب محمد بن طاهر يرويه عن ابن الفيرزان، وفيهما خلاف يذكر في موضعه، قال: اشتاق الرشيد إلى إبراهيم الموصلي يوماً، فركب حماراً يقرب من الأرض، ثم أمر بعض خدم الخاصة بالسعي بين يديه، وخرج من داره، فلم يزل حتى دخل على إبراهيم. فلما أحس به استقبله وقبل رجليه. وجلس الرشيد فنظر إلى مواضع قد كان فيها قومٌ ثم مضوا، ورأى عيداناً كثيرةً، فقال: يا إبراهيم ما هذا؟ فجعل يدافع. فقال: ويلك ! اصدقني. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، جاريتان أطرح عليهما. قال: هاتهما. فأحضر جاريتين ظريفتين، وكانت الجاريتان لعلية بنت المهدي بعثت بهما يطرح عليهما. فقال الرشيد لإحداهما: غني، فغنت - وهذا كله من رواية محمد بن طاهر -:

بني الحب على الجور فلـو

 

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستحسن في حكم الهوى

 

عاشقٌ يحسن تأليف الحجج

لا تعيبن مـن مـحـبٍ ذلةً

 

ذلة العاشق مفتاح الفـرج

وقليل الحب صرفاً خالصـاً

 

لك خيرٌ من كثير قد مـزج

 

فأحسنت جداً. فقال الرشيد: يا إبراهيم لمن الشعر؟ ما أملحه ! ولمن اللحن؟ ما أظرفه ! فقال: لا علم لي. فقال للجارية، فقالت: لستي. قال: ومن ستك؟ قالت: علية أخت أمير المؤمنين. قال: الشعر واللحن؟ ! قالت نعم ! فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلى الأخرى فقال: غني؛ فغنت:

صوت

تحبب فإن الحب داعـية الـحـب

 

وكم من بعيد الدار مستوجب القرب

تبصر فإن حدثـت أن أخـا هـوى

 

نجا سالماً فارج النجاة من الحـب

إذا لم يكن في الحب سخطٌ ولا رضاً

 

فأين حلاوات الرسائل والكـتـب

 

- الغناء لعلية خفيف ثقيلٍ. وفي كتاب علويه: الغناء له - فسأل إبراهيم عن الغناء والشعر؛ فقال: لا علم لي يا أمير المؤمنين. فقال للجارية: لمن الشعر واللحن؟ فقالت لستي. قال: ومن ستك؟ فقالت: علية أخت أمير المؤمنين. فوثب الرشيد وقال: يا إبراهيم احتفظ بالجاريتين. ومضى فركب حماره وانصرف إلى علية. هذا كله في رواية محمد بن طاهر، ولم يذكره محمد بن الحسن، ولكنه قال في خبره: إن الرشيد زار الموصلي هذه الزيارة ليلاً، وكان سببها أنه انتبه في نصف الليل فقال: هاتوا حماري فأتي بحمارٍ كان له أسود يركبه في القصر قريبٍ من الأرض، فركبه وخرج في دراعة وشيءٍ متلثماً بعمامة وشيٍ ملتحفاً برداء وشيٍ، وخرج بين يديه مائة خادم أبيض سوى الفراشين. وكان مسرور الفرغاني جريئاً عليه لمكانته عنده، فلما خرج على باب القصر قال: أين يريد أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: أردت منزل الموصلي. قال مسرور: فمضى ونحن بين يديه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فتلقاه وقبل حافر حماره وقال: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، أفي مثل هذه الساعة تظهر !! قال: نعم ! شوقٌ طرق بي. ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم. فقال له إبراهيم: يا سيدي أتنشط لشيءٍ تأكله؟ قال: نعم، وما هو؟ قال: خاميز ظبيٍ. فأتي به كأنما كان معداً له فأصاب منه شيئاً يسيراً، ثم دعا بشرابٍ كان حمل معه. فقال له إبراهيم الموصلي: أو غنيك يا سيدي أم يغنيك إماؤك؟ فقال: بل الجواري. فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه. فقال: أيضربن كلهن أم واحدةٌ واحدةٌ؟ فقال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغني واحدةٌ فواحدةٌ. ففعلن ذلك حتى مر صدر الإيوان وأحد جانبيه والرشيد يسمع ولا ينشط لشيءٍ من غنائهن، إلى أن غنت صبيةٌ من حاشية الصف.

 

صوت

يا موري الزند قد أعيت قوادحـه

 

اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس

ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم

 

إذا نظرت فلم أبصرك في الناس

 

فطرب لغنائها واستعاد الصوت مراراً وشرب أرطالاً، ثم سأل الجارية عن صانعه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت إليه، فأخبرته بشيءٍ أسرته إليه. فدعا بحماره فانصرف والتفت إلى إبراهيم فقال: ما عليك ألا تكون خليفةً ! فكادت نفسه تخرج، حتى دعا به بعد وأدناه. هذا نظم رواية محمد بن الحسن في خبره. وقال محمد بن طاهر في خبره. فقال للموصلي: احتفظ بالجاريتين، وركب من ساعته إلى علية فقال: قد أحببت أن أشرب عندك اليوم. فتقدمت فيما تصلحه، وأخذا في شأنهما. فلما أن كان في آخر الوقت حمل عليها بالنبيذ، ثم أخذ العود من حجر جارية فدفعه إليها، فأكبرت ذلك. فقال: وتربة المهدي لتغنن !. قالت: وما أغني؟ قال: غني:

بني الحب على الجور فلو

 

فعلمت أنه قد وقف على القصة فغنته. فلما أتت عليه قال لها غني:

تحبب فإن الحب داعية الحب

 

فلجلجت ثم غنته. فقام وقبل رأسها وقال: يا سيدي هذا عندك ولا أعلم ! وتمم يومه معها.

 

عادها أخوها إبراهيم وكرر السؤال عنها فخجل من جوابها: حدثني جحظة قال حدثني أبو العبيس بن حمدون قال قال إبراهيم بن المهدي: ما خجلت قط خجلتي من علية أختي. دخلت عليها يوماً عائداً فقلت: كيف أنت يا أختي جعلت فداءك وكيف حالك وجسمك؟ فقالت: بخير والحمد لله. ووقعت عيني على جارية تذب عنها فتشاغلت بالنظر إليها فأعجبتني وطال جلوسي، ثم استحييت من علية فأقبلت عليها فقلت: وكيف أنت يا أختي جعلت فداءك وكيف حالك وجسمك؟ فرفعت رأسها إلى حاضنةٍ لها وقالت: أليس هذا قد مضى مرة وأجبنا عنه ! فخجلت خجلاً ما خجلت مثله قط، وقمت وانصرفت.

 

أمرها الرشيد بالغناء فغنته من وراء ستار وكان معه جعفر فعرفه بها: أخبرني عبد الله بن الربيع الربيعي قال حدثني أحمد بن إسماعيل عن محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد قال: شهدت أبي جعفراً وأنا صغيرٌ وهو يحدث يحيى بن خالد جدي في بعض ما كان يخبره به من خلواته مع الرشيد، قال: يا أبت، أخذ بيدي أمير المؤمنين ثم أقبل على حجرة يخترقها حتى انتهى إلى حجرة مغلقة ففتحت له، ثم رجع من كان معنا من الخدم، ثم صرنا إلى حجرة مغلقة ففتحها بيده ودخلنا جميعاً وأغلقها من داخلٍ بيده، ثم صرنا إلى رواقٍ ففتحه وفي صدره مجلس مغلق فقعد على باب المجلس، فنقر هارون الباب بيده نقراتٍ فسمعنا حساً، ثم أعاد النقر فسمعنا صوت عود، ثم أعاد النقر ثالثةً فغنت جاريةٌ ما ظننت والله أن الله خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضرب. فقال لها أمير المؤمنين بعد أن غنت أصواتاً: غني صوتي، فغنت صوته، وهو: صوت

ومخنثٍ شهد الزفاف وقبلـه

 

غنى الجواري حاسراً ومنقبا

لبس الدلال وقام ينقـر دفـه

 

نقراً أقر به العيون وأطربا

إن النساء رأينه فعشـقـنـه

 

فشكون شدة ما بهن فأكذبـا

 

- في هذا اللحن خفيف رملٍ نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج ولم يصح له، وفيه خفيف ثقيل في كتاب علية أنه لها، وذكر عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات أنه لريق. واللحن مأخوذٌ من:

إن الرجال لهم إليك وسيلةٌ

 

وهو خفيف ثقيلٍ للهذلي، ويقال إنه لابن سريج، وهو يأتي في موضع آخر - قال: فطربت والله طرباً هممت معه أن أنطح برأسي الحائط. ثم قال غني:

طال تكذيبي وتصديقي

 

فغنت: صوت

طال تكذيبي وتصديقـي

 

لم أجد عهداً لمخـلـوق

إن ناساً في الهوى غدروا

 

أحدثوا نقض المواثـيق

لا تراني بعـدهـم أبـداً

 

أشتكي عشقاً لمعشـوق

 

- لحن علية في هذا الصوت هزجٌ. والشعر لأبي جعفر محمد بن حميد الطوسي وله فيه لحنٌ خفيف ثقيلٍ. ولعريب فيه ثقيلٌ أول وخفيف ثقيلٍ آخر - قال: فرقص الرشيد ورقصت معه، ثم قال: امض بنا فإني أخاف أن يبدو منا ما هو أكثر من هذا، فمضينا. فلما صرنا إلى الدهليز قال وهو قابض على يدي: أعرفت هذه المرأة؟ قال قلت: لا يا أمير المؤمنين. قال: فإني أعلم أنك ستسأل عنها ولا تكتم ذلك، وأنا أخبرك أنها علية بنت المهدي. ووالله لئن لفظت به بين يدي أحدٍ وبلغني لأقتلنك. قال: فسمعت جدي يقول له: فقد والله لفظت به، ووالله ليقتلنك ! فاصنع ما أنت صانع.

 

نسبة الصوت الذي أخذ منه:

ومحنثٍ شهد الزفاف وقبله

 

صوت

إن الرجال لهم إلـيك وسـيلةٌ

 

إن يأخذوك تكحلي وتخضبـي

وأنا امرؤٌ إن يأخذوني عـنـوةً

 

أقرن إلى سير الركاب وأجنب

ويكون مركبك القعود وحدجـه

 

وابن النعامة يوم ذلك مركبي

 

أمرها الرشيد بالغناء فنظمت فيه شعراً وغنته به فطرب: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثنا حماد بن إسحاق قال: زار الرشيد علية فقال لها: بالله يا أختي غنيني. فقالت: وحياتك لأعملن فيك شعراً ولأعملن فيه لحناً فقالت من وقتها: صوت

تفديك أختك قد حبوت بنعـمةٍ

 

لسنا نعد لها الزمـان عـديلا

إلا الخلود، وذاك قربك سيدي

 

لا زال قربك والبقاء طـويلا

وحمدت ربي في إجابة دعوتي

 

ورأيت حمدي عند ذاك قليلا

 

وعملت فيه لحناً من وقتها في طريقة خفيف الرمل، فأطرب الرشيد وشرب عليه بقية يومه.

 

طلب الرشيد أختها ولم يطلبها فقالت شعراً وبعثت من غناه له فأحضرها: قال: وقالت للرشيد أيضاً وقد طلب أختها ولم يطلبها.


صوت

ما لي نسيت وقد نودي بأصحابي

 

وكنت والذكر عندي رائحٌ غادي

أنا التي لا أطيق الدهر فرقتكـم

 

فرق لي يا أخي من طول إبعاد

 

قال: وغنت فيه لحناً من الثقيل الثاني، وبعثت من غناه للرشيد، فبعث فأحضرها.

 

حجت وتأخرت فتكدر الرشيد فنظمت شعراً وغنته فرضي عنها: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني عون بن محمد قال حدثني زرزور الكبير غلام جعفر بن موسى الهادي: أن علية حجت في أيام الرشيد، فلما انصرفت أقامت بطيزناباذ أياماً، فانتهى ذلك إلى الرشيد فغضب. فقالت علية: صوت

أي ذنبٍ أذنبتـه أي ذنـب

 

أي ذنبٍ لولا رجائي لربي

بمقامي بطيزنابـاذ يومـاً

 

بعده ليلةٌ على غير شرب

ثم باكرتها عقاراً شمـولاً

 

تفتن الناسك الحليم وتصبي

قرقفاً قهوةً تراها جهـولاً

 

ذات حلم فراجةً كل كرب

 

قال: وصنعت في البيتين الأولين لحناً خفيف الثقيل، وفي البيتين الأخيرين لحناً من الرمل. فلما جاءت وسمع الشعر واللحنين رضي عنا.

 

اشتاقها الرشيد وهو بالرقة فطلبها فجاءت وقالت شعراً وعملت فيه لحناً: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني عبد الله بن المعتز قال حدثني عبد الله بن إبراهيم بن المهدي قال: اشتاق الرشيد إلى عمتي علية بالرقة، فكتب إلى خالها يزيد بن منصور في إخراجها إليه فأخرجها. فقالت في طريقها: صوت

اشرب وغن على صوت النواعير

 

ما كنت أعرفها لولا ابن منصور

لولا الرجاء لمن أملـت رؤيتـه

 

ما جزت بغداد في خوف وتغرير

 

وعملت فيه لحناً في طريقة الثقيل الأول.

 

كانت مع الرشيد في الري فحنت إلى العراق بشعر فردها: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الهشامي أبو عبد الله قال: لما خرج الرشيد إلى الري أخذ أخته علية معه. فلما صار بالمرج عملت شعراً وصاغت فيه لحناً في طريقة الرمل وغنت به، وهو: صوت

ومغتربٍ بالمرج يبكي لـشـجـوه

 

وقد غاب عنه المسعدون على الحب

إذا ما أتاه الركب من نحـو أرضـه

 

تنشق يستشفي بـرائحة الـركـب

 

فلما سمع الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها به فردها.

 

غنت الرشيد في يوم فطر: ونسخت من كتاب هارون بن محمد الزيات حدثني بعض موالي أبي عيسى بن الرشيد عن أبي عيسى: أن علية غنت الرشيد في يوم فطر: صوت

طالت علي ليالي الصوم واتصلت

 

حتى لقد خلتها زادت على الأبد

شوقاً إلى مجلس يزهى بصاحبه

 

أعيذه بجلال الواحد الـصـمـد

 

الغناء لعلية ثاني ثقيلٍ لا يشك فيه، وذكر بعض الناس أنه للواثق، وذكر آخرون أنه لعبد الله بن العباس الربيعي. والصحيح أنه لعلية. وفيه لعريب ثقيلٌ أول غنته المعتمد يوم فطر فأمر لها بثلاثين ألف درهم.

 

ضربت وكيلها سباعاً وحبسته لخيانته فشفع فيه جيرانه فقالت شعراً: وقال ميمون بن هارون حدثني أحمد بن يوسف أبو الجهم قال: كان لعلية وكيل يقال له سباعٌ، فوقفت على خيانته فضربته وحبسته، فاجتمع جيرانه إليها فعرفوها جميل مذهبه وكثرة صدقه، وكتبوا بذلك رقعة، فوقعت فيها:

ألا أيهذا الراكب العيس بلغـن

 

سباعاً وقل انضم داركم السفر

أتسلبني مالي وإن جـاء سـائلٌ

 

رققت له إن حطه نحوك الفقر

كشافيه المرضى بعائدة الزنـا

 

تؤمل أجراً حيث ليس لها أجر

 

تركت الغناء لموت الرشيد فألح عليها الأمين فغنته: أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني علم السمراء جارية عبد الله بن موسى الهادي أنها شهدت علية غنت الأمين في شعر لها، وهو آخر شعر قالته فيه، وطريقته من الثقيل الثاني. وكانت لما مات الرشيد جزعت جزعاً شديداً وتركت النبيذ والغناء. فلم يزل بها الأمين حتى عادت فيهما على كرهٍ. والشعر: صوت

أطلت عاذلتي لومـي وتـفـنـيدي

 

وأنت جاهلةٌ شوقي وتـسـهـيدي

لا تشرب الراح بين المسمعات وزر

 

ظبياً غريراً نقي الخـد والـجـيد

قد رنحته شمولٌ فهـو مـنـجـدلٌ

 

يحكي بوجنته مـاء الـعـنـاقـيد

قام الأمين فأغنى النـاس كـلـهـم

 

فما فقيرٌ ولا حـال بـمـوجـود

 

لحن علية في هذا الشعر ثاني ثقيل. ولعريب فيه هزجٌ، وقيل إن الهزج لإبراهيم بن المهدي.

 

وقال ميمون بن هارون حدثني محمد بن أبي عون قال حدثتني عريب أن علية قالت في لبانة بنت أخيها علي بن المهدي شعراً وغنت فيه من الثقيل الأول: صوت

وحدثني عن مجلس كنت زينـه

 

رسولٌ أمينٌ والنساء شـهـود

فقلت له كر الحديث الذي مضى

 

وذكرك من ذاك الحـديث أريد

 

وقد ذكر الهشامي أن هذا اللحن لإسحاق غناه بالرقة. وليس ذلك بصحيح.

 

سمعها إسماعيل بن الهادي تغني مستترةعند المأمون فأذهله غناؤها: أخبرني محمد بن يحيى عن عون بن محمد عن أبي أحمد بن الرشيد. ونسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن الحسن عن عون بن محمد عن أبي أحمد بن الرشيد واللفظ له قال: دخل يوماً إسماعيل بن الهادي إلى المأمون، فسمع غناءً أذهله. فقال له المأمون: ما لك؟ قال: قد سمعت ما أذهلني، وكنت أكذب بأن الأرغن الرومي يقتل طرباً، وقد صدقت الآن بذلك. قال: أو لا تدري ما هذا؟ قال: لا والله ! قال: هذه عمتك علية تلقي على عمك إبراهيم صوتاً من غنائها. إلى ها هنا رواية محمد بن يحيى. وفي رواية محمد بن الحسن قال: هذه عمتك تلقي على عمك إبراهيم صوتاً استحسنه من غنائها. فأصغيت إليه فإذا هي تلقي عليه: صوت

ليس خطب الهوى بخطبٍ يسير

 

ليس ينبيك عنه مثل حـبـير

ليس أمر الهوى يدبر بـالـرأ

 

ي ولا بالقياس والتـفـكـير

 

اللحن في هذا لعليه ثقيلٌ أول. وفيه لإبراهيم بن المهدي ثاني ثقيلٍ عن الهشامي.

 

توفيت ولها خمسون سنة، وسبب وفاتها: أخبرني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي عن أبيه: أن علية بنت المهدي ولدت سنة ستين ومائة، وتوفيت سنة عشر ومائتين ولها خمسون سنة. وكانت عند موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. وأخبرني محمد بن يحيى عن عون بن محمد قال حدثني محمد بن علي بن عثمان قال: ماتت علية سنة تسع ومائتين، وصلى عليها المأمون. وكان سبب وفاتها أن المأمون ضمها إليه وجعل يقبل رأسها، وكان وجهها مغطىً، فشرقت من ذلك وسعلت ثم حمت بعقب هذا أياماً يسيرةً وماتت.

 من قصائدها:..