فاطمة بنت رسول الله

فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم

الريحانة

كانت حبيبة النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته وحافظة أسراره ؛ فقد جلست بجواره صلى الله عليه وسلم يومًا فأسرَّ إليها بنبأ جعلها تبكي وتبتسم، فسألتها السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- عن ذلك. فأجابتها: ما كان لى لأفشي سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: إن أبي قال لى في أول مرة: "إن جبريل كان يعارضنى القرآن الكريم في كل سنة مرة واحدة، وإنه عارضنى إياه مرتين هذا العام، وما أراه إلا قد حضر أجلي". فبكيت، ثم أردف بقوله: "وإنك أول أهلي لحوقًا بي، نعم السلف أنا لك" فتبسمت. [متفق عليه].

إنها السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم التي قالت فيها أم المؤمنين السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها-: "ما رأيت أحدًا من خلق اللَّه أشبه حديثًا ومشيًا برسول اللَّه من فاطمة" [الترمذي].

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها سيدة نساء أهل الجنة [الترمذى والحاكم]. وأخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها واحدة من خير نساء العالمين. فقال: "خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد". وكان يقول عنها: "فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما أذاها، ويريبني ما رابها" [متفق عليه].

سُميت -رضى اللَّه عنها- فاطمة؛ لأن اللَّه تعالى قد فطمها وحفظها من النار، ولقبها النبي صلى الله عليه وسلم الزهراء ؛ فكانت ريحانته وأحب بناته إليه؛ لأنها أصغرهن وحافظة نسله صلى الله عليه وسلم. وكان إذا دخل عليها النبي قامت له وقبلت يده وأجلسته مكانها، وإذا دخلت عليه صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وأجلسها بجواره، ورحب بها أيما ترحيب. وكان إذا قدم من غزو أو سفر يبدأ بالمسجد فيصلي، ثم يزور ابنته فاطمة الزهراء ثم يأتي أزواجه -رضوان اللَّه عليهن-.

ولدت الزَّهراء قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وعمره حينئذ خمس وثلاثون سنة، وذلك في يوم التحكيم عند إعادة بناء الكعبة، يوم أخمد النبي صلى الله عليه وسلم بحكمته وفطنتة نار الحرب بين قبائل قريش المتنازعة حول من يضع الحجر الأسود المقدس في مكانه ؛ فقد بسط رداءه، ووضع فيه ذلك الحجر وطلب من زعماء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف الرداء ثم وضعه بيده الشريفة في مكانه.

وقد شهدت السيدة فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى يومًا بالكعبة وبعض سفهاء قريش جالسون، فانبعث شقي من أشقياء القوم فأتى بأحشاء جزور فألقاها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة فأزالت عنه الأذى. كما كانت أم جميل - امرأة أبي لهب- تلقي الأقذار أمام بيته فيزيلها في هدوء ومعه فاطمة تحاول أن تعيد إلى المكان نظافته وطهارته.

وقاست فاطمة -رضى الله عنها- عذاب الحصار الشديد الذي فرضه الكفار على المسلمين وبني هاشم في شِعْب أبى طالب، وعانت من فراق أمها التي تركتها تعاني ألم الوحدة وحنين الذكريات بعد وفاتها.

وهاجرت الزهراء إلى المدينة وهي في الثامنة عشرة من عمرها وكانت معها أم كلثوم، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة. وفى السنة الثانية تقدم كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنهما- للنبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الزواج من السيدة فاطمة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر لهم في رفق، ثم طلبها علي بن أبي طالب -كرم اللَّه وجهه- فوافق النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد قَـدَّمَ عَلِـى مَهْرًا للسيدة فاطمة قدره أربعمائة وسبعون درهمًا، وكانت ثمنًا لدرع أهداها له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر، واشتراها منه "عثمان بن عفان" -رضى اللَّه عنه- بهذا الثمن، وكان جهازها خميلة، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاء، وجرتين.

وفى يوم زواجها قدم النبي صلى الله عليه وسلم طبقًا مليئًا بالتمر لأصحابه وضيوفه الكرام، وفى ليلة البناء كان علي قد وُفِّق إلى استئجار منزل خاص يستقبل فيه عروسه الزهراء بعد تجهيزها، وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف. وبعد صلاة العشاء توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت الزوجية الجديد ودعا بماء فتوضئوا منه ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهما بقوله: "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما، فتوضئوا" .

وبعد عام رزق اللَّه فاطمة -رضى اللَّه عنها- ابنها الحسن، فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم فيه خيرًا، ثم رُزقت من بعده ابنها الحسين، ثم ولد لهما محسن الذي توفى وهو صغير، ثم منَّ اللَّه على بيت النبوة بمولودتين جميلتين هما السيدة "زينب" والسيدة "أم كلثوم"، بنتا الإمام علي والسيدة فاطمة -رضى اللَّه عنهم جميعًا-.

وكانت السيدة فاطمة، وزوجها علي، وابناها الحسن والحسين -رضى الله عنهم- أعز الناس وأقربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أنه لما نزل قول الله تعالي: صلى الله عليه وسلم (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[آل عمران: 61]. دعا رسول الله عليّا وفاطمة والحسن والحسين وقال: "اللهم هؤلاء أهلي" [مسلم].

وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا" [الترمذي].

وكانت السيدة فاطمة -رضى الله عنها- تقوم على خدمة زوجها وأولادها، ورعاية البيت، فكان يصيبها التعب والمشقة، وقال عنها زوجها علي بن أبى طالب: لقد تزوجتُ فاطمة وما لي ولها خادم غيرها، ولما زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين وسقاء وجرتين، فكانت تجرُّ بالرحاء حتى أثَّرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت القربة بنحرها، وكانت تنظف بيتها حتى تغبر ثيابها، وتوقد تحت القدر حتى دنست ثيابها. وكانت السيدة فاطمة -رضى اللَّه عنها- تشكو الضعف، وتشارك زوجها الفقر والتعب نتيجة للعمل الشاق الذي أثَّر في جسديهما. وعندما جاءت أباها لتطلب منه خادمة تساعدها في العمل لم تستطع أن تطلب ذلك استحياء منه، فتولى الإمام علي عنها السؤال وهي مطرقة في استحياء. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهما في رفق وهو يقدر حالهما: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أوتيما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبِّرَا أربعًا وثلاثين، وسبِّحَا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم" [البخاري].

وبعد ستة أشهر من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انتقلت السيدة فاطمة إلى جوار ربها، ودفنت بالبقيع في ليلة الثلاثاء، الثالث من رمضان، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان عمرها ثمانية وعشرين عامًا.

جاء في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية أم أبيها بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين.

مولدها قبل المبعث بقليل وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر.

وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد وقعة أحد فولدت له الحسن والحسين ومحسناً وأم كلثوم وزينب.

وروت عن أبيها. وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم وروايتها في الكتب الستة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسر إليها. ومناقبها غزيرة. وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن هم بما رآه سائغاً من خطبة بنت أبي جهل فقال: "والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها" فترك علي الخطبة رعاية لها. فما تزوج عليها ولا تسرى. فلما توفيت تزوج وتسرى رضي الله عنهما.

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه وبكته وقالت: يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه! يا أبتاه أجاب ربا دعاه! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه! وقالت بعد دفنه: يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال لها في مرضه: إني مقبوض في مرضي هذا. فبكت. وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به وأنها سيدة نساء هذه الأمة فضحكت وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة. فحدثتها بما أسر إليها.

قالت عائشة رضي الله عنها: جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام إليها وقال: "مرحباً يا بنتي".

ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق فحدثها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركنا صدقة". فوجدت عليه ثم تعللت.

روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن آذن له. قال: نعم.

قلت: عملت السنة رضي الله عنها فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره.

قال: فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت. قال: ثم ترضاها حتى رضيت.

توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها. وعاشت أربعاً أو خمساً وعشرين سنة. وأكثر ما قيل: إنها عاشت تسعاً وعشرين سنة. والأول أصح. وكانت أصغر من زينب زوجة أبي العاص بن الربيع ومن رقية زوجة عثمان بن عفان. وقد انقطع نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من قبل فاطمة لأن أمامة بنت زينب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في صلاته تزوجت بعلي ابن أبي طالب ثم من بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي وله رؤية فجاءها منه أولاد.

قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب.

وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً".

أحمد بن حنبل: حدثنا تليد بن سليمان: حدثنا أبو الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: "أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم".

رواه الحاكم في المستدرك. وفيه من طريق أبان بن تغلب عن أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار". إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر عن حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نزل ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وروى من وجه آخر عن المنهال رواهما الحاكم".

يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أسماء عن ثوبان قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذه أهداها لي أبو حسن. فقال: "يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: هذه فاطمة بنت محمد وفي يدها سلسلة من نار"! ثم خرج. فاشترت بالسلسلة غلاماً فأعتقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار" رواه أبو داود.

داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة".

أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي زائدة أخبرني أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعن حسبها تسألني"؟ قال علي: قد أعلم ما حسبها ولكن أتأمرني بها؟ فقال: "لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع" قال: لا آتي شيئاً تكرهه.

وقد روى الترمذي في جامعه من حديث عائشة أنها قيل لها أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة من قبل النساء ومن الرجال زوجها وإن كان ما علمت صواماً قواماً. قلت: ليس إسناده بذاك.

وفي الجامع لزيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ولا بينهما: "أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم".

وكان لها من البنات: أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. الأعمش عن عمرو بن مرة عن أ بي البختري قال: قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجاً وتكفيك هي العمل في البيت والعجن والخبز والطحن.

عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران".

علي بن هاشم بن البريد عن كثير النواء عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: "كيف تجدينك" قالت: إني وجعة وإنه ليزيدني مالي طعام آكله. قال: "يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين" قالت: فأين مريم قال: "تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة".

رواه أبو العباس السراج عن محمد بن الصباح عن علي. وكثير واه. وسقط من بينه وبين عمران.

علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم وآسية".

وروى أبو جعفر الرازي عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولفظه: "خير نساء العالمين أربع".

معمر عن قتادة عن أنس مرفوعاً: "حسبك من نساء العالمين أربع"..... الحديث وصحح الترمذي هذا وهو: "حسبك من نساء العالمين مريم وخديجة وأسية بنت مزاحم وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم".

أبو نعيم: حدثنا محمد بن مروان الذهلي حدثنا أبو حازم: حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ملكاً استأذن الله في زيارتي فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

غريب جداً والذهلي مقل ويروى نحو ذلك من حديث أبي هريرة أيضاً.

ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت هي تصنع به. ميسرة: صدوق.

الزهري عن عروة عن عائشة قالت: عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ودفنت ليلاً.

قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى عليها العباس ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل.

وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة. وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها ودفنت ليلاً.

وروى يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب. وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر. وعن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: كان بين فاطمة وبين أبيها شهران.

وعن أبي جعفر الباقر: أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة. ولدت وقريش تبني الكعبة.

قال: وغسلها علي. وذكر المسبحي: أن فاطمة تزوج بها علي بعد عرس عائشة بأربعة أشهر ونصف ولفاطمة يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف.

قتيبة بن سعيد: حدثنا محمد بن موسى عن عون بن محمد بن علي عن أمه أم جعفر وعن عمارة بن مهاجر عن أم جعفر: أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب فيصفها.

قالت: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي.

فلما توفيت جاءت عائشة لتدخل فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر. فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء. فقالت: هي أمرتني. قال: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف.

قال ابن عبد البر: هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة.

إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن. فأذنت له. فاعتذر إليها وكلمها. فرضيت عنه.

روى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن علي بن فلان بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت: مرضت فاطمة..... إلى أن قالت: اضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة ثم قالت: والله إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كنفاً فماتت وجاء علي فأخبرته فدفنها بغسلها ذلك.

هذا منكر. أبو عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق: حدثتني عائشة قالت: كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعنا عنده لم يغادر منهن واحدة. فجاءت فاطمة تمشي ما تخطىء مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآها رحب بها قال: "مرحباً بابنتي" ثم اقعدها عن يمينه أو عن يساره. ثم سارها فبكت ثم سارها الثانية فضحكت. فلما قام قلت لها: خصك رسول الله بالسر وأنت تبكين عزمت عليك بمالي عليك من حق لما أخبرتني مم ضحكت ومم بكيت؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بمالي عليك من حق لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم في المرة الأولى حدثني "أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام في هذه السنة مرتين وأني لا أحسب ذلك إلا عند اقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فنعم السلف لك أنا". فبكيت فلما رأى جزعي قال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة". قالت: فضحكت أخرجه البخاري عن أبي نعيم عن زكريا عن فراس وهو فرد غريب.

محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت لفاطمة: أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ثم أكببت عليه فضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه فبكيت ثم أخبرني أنني أسرع أهله به لحوقاً وقال: "أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران". فضحكت. ابن حميد: حدثنا سلمة حدثنا ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها.

جعفر الأحمر عن عبد الله بن عطاء عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي.

إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة حدثته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة فسارها فبكت ثم سارها فضحكت فقلت لها فقالت: أخبرني بموته فبكيت ثم أخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت.

وروى كهمس عن ابن بريدة قال: كمدت فاطمة على أبيها سبعين من يوم وليلة. فقالت لأسماء: إني لأستحيي أن أخرج غداً على الرجال من خلاله جسمي. قالت: أولا نصنع لك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فصنعت النعش. فقالت: سترك الله كما سترتني.

هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال لها: إنه قد نعيت إليه نفسه. فبكت. فقال: "لا تبكين فإنك أول أهلي لاحقاً بي". فضحكت.

إسماعيل القاضي: حدثنا إسحاق الفروي: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن جعفر بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها". غريب: ورواه عبد العزيز الأويسي فخالف الفروي. وروى الحاكم في مستدركه ومحمد بن زهير النسوي هذا عن أبي سهل بن زياد عن إسماعيل القاضي.

شعيب عن الزهري عن علي بن الحسين أن المسور أخبره: أن علياً رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل فلما سمعت فاطمة أتت فقالت: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد فقال: "أما بعد: فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني وإن فاطمة بضعة مني وأنا أكره أن يفتنوها وإنها والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل واحد". فترك علي الخطبة.

ورواه الوليد بن كثير: حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن الزهري بنحوه. وفيه: "وأنا أتخوف أن تفتن في دينها".

ابن إسحاق عن ابن قسيط عن محمد بن أسامة عن أبيه: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: "فاطمة".

ويروى عن أسامة بإسناد آخر ولفظه: أي أهل بيتك أحب إليك؟.

حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل بيت محمد "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" الأحزاب 33.

يونس بن أبي إسحاق ومنصور بن أبي الأسود وهذا لفظه: سمعت أبا داود سمعت أبا الحمراء يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول: "إنما يريد الله....." الآية الأحزاب 33. ومما ينسب إلى فاطمة ولا يصح:

ماذا على من شم تربة أحمد        ألا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها            صبت على الأيام عدن لياليا

ولها في مسند بقي ثمانية عشر حديثاً منها حديث واحد متفق عليه".

وورد في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:

" فاطِمَة بِنْت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سيدة نساء العالمين، ما عدا مَرْيَم بِنْت عُمران صلى الله عليهما. أمها خديجة بِنْت خويلد. وكانت هي وأم كُلْثُوم أصغر بنات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقد اختلف: في أيتهن أصغر سنّاً؟ وقيل: إن رقية أصغرهن. وفيه عندي نظر، لأن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم زوّج رقية من أبي لهب، فطلقها قبل الدخول بها، أمره أبواه بذلك، ثم تزوجها عُثْمان رضي الله عنه وهاجرت معه إلى الحبشة، فما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى. وكانت فاطِمَة تكنى أم أبيها، وكانت أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وزوجها من علي بعد أحد. وقيل: تزوجها علي بعد أن ابتنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وابتنى بعدها بعد تزويجه إياها بسبعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر في قول. وانقطع نسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا منها، فإن الذكور من أولاده ماتوا صغاراً، وأما البنات فإن رقية رضي الله عنها ولدت عَبْد الله بن عُثْمان فتوفي صغيراً، وأما أم كُلْثُوم فلم تلد، وأما زينب رضي الله عنها فولدت علياً ومات صبيّاً، وولدت أمامة بِنْت أبي العاص فتزوجها علي، ثم بعده المغيرة بن نوفل. وقال الزبير: انقرض عقب زينب.

أخبرنا أبو أحمد عَبْد الوهاب بن علي الصوفي، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر، أخبرنا الخطيب بن أبي الصقر الأنباري، أخبرنا أبو البركات أحمد بن عَبْد الواحد بن نظيف، أخبرنا أبو مُحَمَّد بن رشيق، حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو مَرْيَم، عن أبي إسحاق، عن الحَارِث، عن علي قال: خطب أبو بكر وعُمر يعني فاطِمَة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما، فقال عُمر: أنت لها يا علي. فقلت: ما لي من شيء إلا دِرعي أرهنها. فزوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطِمَة، فلما بلغ ذلك فاطِمَة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: "مالك تبكين يا فاطِمَة! فوالله لقد أنكَحْتُكِ أكثرهم علماً، وأفضلهم حِلماً، وأوّلهم سِلماً". قال: وحدثني الدولابي، حدثنا أحمد بن عَبْد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عَبْد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد عن علي بن أبي طالب قال: خطبت فاطِمَة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت لي مولاة لي. هل علمت أن فاطِمَة خطبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: لا. قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيزوجك. فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوجك. فوالله ما زالت ترجّيني حتى دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلالة وهيبة فلما قعدت بين يديه أُفحمْتُ، فوالله ما أستطيع أن أتكلم، فقال: "ما جاء بك؟ ألَكَ حاجةٌ؟" فسكتّ، فقال: "لعلّك جئتَ تخطب فاطِمَة؟" قلت: نعم. قال: "وهل عندك من شيء تستحلّها به؟" فقلت: لا، والله يا رسول الله فقال: "ما فعلت بالدرع التي سلَّحتُهَكا؟" فقلت: عندي والذي نفس علي بيده إنها لحُطَمِيّة، ما ثمنها أربعمائة درهم. قال: "قد زوجتك، فابعث بها، فإن كانت لصداق فاطِمَة بِنْت رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال: وحدثنا الدولابي، حدثنا أبو جعفر مُحَمَّد بن عَوْف بن سُفْيان الطائي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا عَبْد الرَّحْمَن بن حميد الرواسي، حدثنا عَبْد الكريم بن سَليط، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة البناء يعني بفاطِمَة "لا تُحَدِّثَنَّ شيئاً حتى تلقاني". فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بماء فتوضّأ منه ثم أفرغه على عليّ وقال: "الّلهم بارك فيهما، وبارك علَيهما، وبارك لهما في نسلَيهما".

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة.

أخبرنا غير واحد بإسنادهم عن أبي عيسى: حدثنا عَبْد الله بن يونس وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المِسور بن مَخْرَمة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: "إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابِنْتهم علي بن أبي طالب، فلا آذَنُ، ثم لا آذنُ، ثم لا آذن، إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلّقَ ابِنْتي وينكح ابِنْتهم، فإنها بضعةٌ مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها".

أخبرنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن سويدة، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر السلامي، أخبرنا أبو صالح أحمد بن عَبْد الملك بن علي المؤذن،أخبرنا الحاكم أبو الحسن علي بن مُحَمَّد الحافظ، والقاضي أبو بكر الخيري قالا: أخبرنا أبو العَبَّاس مُحَمَّد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن مكرم، حدثنا عُثْمان بن عُمر، حدثنا عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله، عن شريك بن عَبْد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت: "إنَّما يريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ"، قالت: فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فاطِمَة وعلي والحسن والحُسَيْن فقال: "هؤلاء أهلي". قالت: فقلت: يا رسول الله أفما أنا من أهل البيت؟ قال: "بلى، إن شاء الله عَزَّ وجَلّ".

قال أبو صالح: قال الحاكم في المستدرك، عن الأصم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

قال: أخبرنا أبو الصالح، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الأهوازي، أخبرنا أحمد بن عُبَيْد بن إسماعيل الصفار، حدثنا تمام بن مُحَمَّد بن غالب، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يمر ببيت فاطِمَة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر، يقول: "الصلاة يا أهل بيت مُحَمَّد، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّرَكم تطهيرا" الأحزاب 33 قال: وأخبرنا أبو صالح أخبرنا أبو القاسم عَبْد الملك بن مُحَمَّد بن بشران، أخبرنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العَبَّاس بن خزيمة، حدثنا عيسى بن عَبْد الله الطيالسي رعاث حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: أقبلت فاطِمَة تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: "مرحباً بابِنْتي". ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت، ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما قبض سألتها، فأخبرتني أنه أسرّ إليَّ فقال: "إنَ جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرّة وإنه عارضني العام مرَّتين، وما أراه إلا وقد حضر أجَلي، وإنكِ أول أهلي لحوقاً بي، ونعم السَّلف أنا لك". فبكيت، فقال: "ألا ترضَينَ أن تكوني سيِّدة نساء العالمين؟" قال: أبو صالح: رواه البخاري في الصحيح، عن أبي نعيم. وهذا من غريب الصحيح، فإن زكريا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين، وهذا يرويه عن فراس، ثم عن الشعبي.

أخبرنا إبراهيم بن مُحَمَّد وغيره بإسنادهم عن الترمذي: حدثنا حسين بن يزيد الكوفي، حدثنا عَبْد السلام بن حرب، عن أبي الحَجاف عن جُمَيع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمي على عائشة، فسألت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطِمَة. قيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان، ما علمتُ صوّأما قوّاماً.

أخبرنا أبو مُحَمَّد بن سُوَيدة، أخبرنا مُحَمَّد بن ناصر، أخبرنا أبو صالح المؤذن، أخبرنا أبو بكر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن شاذان المقرئ، حدثنا مُحَمَّد بن عَبْد الله القتاب حدثنا أحمد بن عَمْرو بن أبي عاصم، حدثنا عُمر بن الخطاب، حدثنا أبو صالح حدثنا سُفْيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع عليّ بن أبي طالب يقول: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أيّنا أحب إليك أنا أو فاطِمَة؟ قال: "فاطِمَة أحبُّ إليَّ منك، وأنت أعزُّ عليَّ منها".

وأخبرنا يحيى بن محمود إذناً بإسناده عن ابن أبي عاصم قال: أخبرنا عَبْد الله بن عُمر بن سالم المفلوج وكان من خيار المسلمين عندي حدثنا حسين بن زيد بن علي بن الحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، عن عُمر بن علي، عن جعفر بن مُحَمَّد، عن أبيه، عن علي بن حسين بن علي، عن حسين بن علي، عن علي: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطِمَة: "إنَّ اللهَ يغضبُ لغضبكِ ويرضى لرضاكِ".

أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي: حدثنا الحسن بن عُثْمان بن شقيق، حدثنا الأسود بن حفص المروزي، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر قبَّل ابِنْته فاطِمَة.

قال: وحدثنا أحمد بن علي، حدثنا مُحَمَّد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصريّ، أخبرنا مُحَمَّد بن خالد الحنفي، حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن هاشم بن هاشم عن عَبْد الله بن وهب، عن أم سلمة قالت: جاءت فاطِمَة إلى النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم فسارّها بشيءٍ فبكت. ثم سارّها بشيءٍ فضحكت، فسألتها عنه فقالت: أخبرني أنه مقبوضٌ في هذه السنة فبكيت، فقال: " ما يسرّك أن تكوني سيِّدةَ نساء أهل الجَنَّة، إلاّ فلانة"، فضحكت.

أخبرنا عَبْد الوهاب بن أبي حبة بإسناده عن عَبْد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا عَفَّان، حدثنا مُعاذ بن مُعاذ، حدثنا قَيْس بن الربيع، عن أبي المقدام، عن عَبْد الرَّحْمَن الأزرق، عن علي قال: دخل عليَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا نائم، فاستسقى الحسن أو الحُسَيْن، قال: فقام النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة لنا بَكِئٍ فحلبها، فدرَّت، فجاءه الحسن فنحاه النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت فاطِمَة: يا رسول الله، كأنه أحبهما إليك؟ قال: "لا، ولكنه استسقى قبله". ثم قال: "إنّا وإيّاك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة". أخبرنا إبراهيم وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى: حدثنا سليمان بن عَبْد الجبار البغدادي، حدثنا علي بن قادم، حدثنا أسباط بن نصر، الهمْداني، عن السدّي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي وفاطِمَة والحسن والحُسَيْن: "أنا حربٌ لمن حاربتم، سِلمٌ لمن سالمتم".

أخبرنا أبو مُحَمَّد الحسن بن علي بن الحُسَيْن الأسدي الدمشقي المعروف بابن البن، حدثنا جدي أبو القاسم الحُسَيْن بن الحسن قال: قرأت على القاضي علي بن مُحَمَّد بن علي المِصّيصي، أخبرنا القاضي أبو نصر مُحَمَّد بن أحمد بن هارون بن عَبْد الله الغساني، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن جيدُرَّة الأطرابلاسي قراءة عليه، حدثنا إبراهيم بن عَبْد الله القصار، أخبرنا العَبَّاس بن الوليد بن بكار الضبي بالبصرة، عن خالد بن عَبْد الله، عن خالد بن بيان، عن الشعبي، عن أبي جُحيفة، عن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمْع غُضّوا أبصاركم عن فاطِمَة بِنْت مُحَمَّد حتى تمرّ".

أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبّة بإسناده عن عَبْد الله بن أحمد: حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن عَبْد الله بن الحسن هو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أمه فاطِمَة بِنْت الحُسَيْن بن علي، عن جدتها فاطِمَة الكبرى هي بِنْت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل المسجد صلّى على مُحَمَّد وسلم، ثم قال: "ربِّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك". وإذا خرج صلى على مُحَمَّد وسلم ثم قال: "ربِّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك".

هذا الحديث ليس إسناده بمتصل، فإن فاطِمَة بِنْت الحُسَيْن لم تدرك جدتها فاطِمَة الكبرى، والله أعلم.

وتوفيت فاطِمَة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بستة أشهر. هذا أصح ما قيل. وقيل: بثلاثة أشهر. وقيل: عاشت بعده سبعين يوماً. وما رؤيت ضاحكة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى لحقت بالله عَزَّ وجَلّ، ووجدت عليه وَجداً عظيماً.

قال أنس: قالت لي فاطِمَة: يا أنس كيف طابت قلوبكم؟ تحثون التراب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟!.

وكانت أول أهله لحوقاً به، تصديقاً لقوله صلّى الله عليه وسلّم. ولما حضرها الموت قالت لأَسْمَاء بِنْت عميس: يا أَسْمَاء، إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت أَسْمَاء يا ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً. فقالت فاطِمَة: ما أحسن هذا وأجمله! فإذا أنا متُّ فاغسليني أنت وعليّ، ولا تُدخلي عليَّ أحداً. فلما توفيت جاءت عائشة، فمنعتها أَسْمَاء، فشكتها عائشة إلى أبي بكر وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بِنْت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صنعت لها هودجاً؟! قالت: هي أمرتني ألاّ يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال: فاصنعي ما أمرتك. وغسَّلها عليّ وأَسْمَاء.

وهي أول من غُطّي نعشها في الإسلام، ثم بعدها زينب بِنْت جحش. وصلى عليها علي بن أبي طالب. وقيل: صلى عليها العَبَّاس. وأوصت أن تدفن ليلاً، ففعل ذلك بها.

ونزل في قبرها علي والعَبَّاس، والفضل بن العَبَّاس.

قيل: توفيت لثلاثٍ خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، والله أعلم. وكان عُمرها تسعاً وعشرين سنة.

وقال عَبْد الله بن الحسن بن الحسن بن علي: كان عُمرها ثلاثين سنة. وقال الكلبي: كان عُمرها خمساً وثلاثين سنة.

وقد روي أنها اغتسلت لما حضرها الموت وتكفنت، وأمرت عليّاً أن لا يكشفها إذا توفيت وأن يَدْرُجَها في ثيابها كما هي، ويدفنها ليلاً. وقد ذكرنا في أم سَلْمَى غسلها أيضاً. والصحيح أن علياً وأَسْمَاء غسَّلاها والله أعلم.

أخرجه الثلاثة".