فاطمة بنت الحسين

امرأة لا تعرف الشر

ذُكرت عند الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضى اللَّه عنها- فقيل عنها: إنها لا تعرف الشر. فقال عمر: عدم معرفتها الشر جنَّبها الشر.

كانت -رضى اللَّه عنها- توصى أبناءها دائمًا فتقول لهم: استتروا بستر اللَّه.

"فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب" -رضى الله عنهم . تقدم ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب -رضى الله عنهم- لعّمه الحسين للخطبة، فقال له الحسين: يا بن أخي، لقد انتظرت هذا منك، انطلق معي. فخرج به حتى أدخله منزله، ثم أخرج إليه بنتيه فاطمة وسُكينة، فقال: اختر، فاختار فاطمة.

فزوَّجه إيّاها؛ فولدت له: عبد الله، وإبراهيم، وحسنًا، وزينب. ولما وقعت الفتنة ورفض الحسين بن علي أن يكون أسيرًا، وقاتل حتى قُتِل، وقُتِلَ معه ابنه وأصحابه الذين ثبتوا معه بمكان يقال له: "الطّفّ" عند كربلاء. وانطلق بعلي بن الحسين، وأختيه فاطمة وسكينة وعمته زينب بنت علي إلى عبيد اللَّه بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فقال علي: أما واللَّه لو رآنا رسول اللَّه ( مغلولين لأحبّ أن يحلنا من الغُلِّ (القيد). قال: صدقت. فحلوهم من الغل (القيد)، قال: ولو وقفنا بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بُعد لأحب أن يقرّبنا. قال: صدقت. فقرّبوهم، ثم أمر بهم فجُهِّزُوا وأُخرِجوا إلى المدينة المنورة.

وفى رواية أخرى أن فاطمة بنت الحسين جاءت إلى يزيد بعد أن قُتل أبوها الحسين بن علي، وقالت له: يا يزيد أبنات رسول اللَّه سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، ادخلي على بنات عمك تجدينهن قد فعلن ما فعلت.

ولما استشهد الحسن، قال لها: إنك امرأة مرغوب فيك، فكأني بعبد اللَّه بن عمرو بن عثمان إذا خرج بجنازتي قد جاء علي فرس لابسًا حُلته، يسير فى جانب الناس يتعّرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإني لا أدع من الدنيا ورائي همًا غيرك! قالت: ائمن من ذلك.

وطمأنته بالأيمان لا تتزوجه، ومات الحسن بن الحسن فلما انقضت عدِتها أرسل إليها عبد الله بن عمرو يخطبها، فقالت: كيف بيميني التي حلفت بها؟! فأرسل إليها يقول: مكان كل مملوك مملوكان، ومكان كل شيء شيئان. فعوّضها من يمينها، فنكحته؛ وولدت له محمدًا الذي سُمى بالديباج لحسنه وجماله، والقاسم، ورقيّة. فكان عبد الله بن الحسن، وهو أكبر ولدها يقول: ما أبغضت بغض عبد الله بن عمرو أحدًا، وما أحببت حب ابنه محمد -أخي- أحدًا.

وبعد موت زوجها عبد اللَّه بن عمرو خطبها عبد الرحمن بن الضحاك وكان حاكمًا للمدينة، فرفضت، فغضب عليها، فشكته إلى رجل شامي يدعى ابن هرمز، فقالت له: تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرض مني. كما أوفدت رسولا بكتاب إلى يزيد، فلما قرأه جعل يضرب بخيزران فى يديه ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك؛ هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ فقيل له: عبد الواحد بن عبد الله بن بشر الخضري. فدعا يزيد بقرطاس فكتب بيده إلى عبد الواحد، وهو بالطائف: سلام عليك، أما بعد؛ فإنى قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابى هذا فاهبط واعزل عنها ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار، وعذبه حتى تُسْمِعنى صوته وأنا على فراشي. فلمّا علم ابن الضحاك هرب ونزل على مسلمة بن عبد الملك، فقال: أنا فى جوارك. فذهب مسلمة إلى يزيد فى قصره وذكر حاجة جاء من أجلها. فقال يزيد: كل حاجة تكلمت فيها هي فى يدك ما لم يكن ابن الضحاك. فقال: هو واللَّه ابن الضحاك،. فقال: والله لا أعفيه أبدًا وقد فعل ما فعل. فأغرمه عبد الواحد أربعين الف دينار وعذبه وطاف به فى جبة من صوف.

وكانت فاطمة صاحبة حكمة، وراوية من راويات الحديث، ومما روته أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: "بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي، وافتح لى أبواب رحمتك". وإذا خرج قال: " بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لى ذنوبي وافتح لى أبواب فضلك".

وكانت -رضى الله عنها- تحب العلم وتحفظ القرآن الكريم، كما كانت تحب الشعر؛ رُوي أنه لما دخل الكميت بيتها، قالت: هذا شاعرنا أهل البيت. وأمرت له بثلاثين دينارًا، فدمعت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها إني لم أحبكم للدنيا.

وتوفيت رضى اللَّه عنها فى عام 110 من الهجرة.