كلثوم نصر عودة فاسيليا

(1892- 1966)

أعلنت مجلة الهلال المصرية سنة 1947 عن مسابقة عنوانها "كيف يعيش المرء هنيئاً"، وكان الحكام من كبار الكتاب والأدباء العرب كمصطفى عبد الرازق وخليل مطران وسلامة موسى... ثم كانت المفاجأة أن تفوز بالجائزة امرأة كان يعتقد أنها امرأة مكافحة عاملة وعالمة لم تعرف الهناء في حياتها إلا لماماً، وتلك هي كلثوم نصر عودة ابنة الناصرة، والتي كانت فلسطين لا تعرف عنها حتى تلك السنة سوى أنها تلك الفتاة التي تعلمت ثم علمت في مدرسة "الموسكوب"، أي "دار المعلمات الروسية في بيت جالا"، ثم سافرت إلى بلاد "الموسكوب" كما كان معروفاً عنها أنها برعت في الترجمة والقصة القصيرة وأصبحت علماً من أعلام الأساتذة والأدباء العرب في ليننغراد.

أما حين أعلنت مجلة "الهلال" أن كلثوم عودة قد فازت بالجائزة، فقد كانت تلك أول مرة يطلع فيها الناس على أسرار حياة هذه المرأة المكافحة التي أثبتت أن مقياس السعادة ليس مقياساً ذاتياً، بل هو في تلك العلاقة مع الآخرين: كتبت تقول:

" ورافقتني كراهة والديّ... وكنت سمراء اللون فكان ذلك معيرة لي فكنت أنادى بالسوداء... وانكمشت على نفسي حتى أصبح أهل بيتنا يدعونني "الست سكوت" وانكببت على العلم رغم إرادة والدتي.

"هربت من البيت لأقترن بطبيب روسي فلم يغفر لي والداي ذلك إلا بعد سنوات... سافرت مع زوجي إلى روسيا عام 1914... ابتدأت أتعلم مهنة التمريض فلما أتممتها سافرت إلى الصرب ومنها إلى الجبل الأسود و... و....

" بعد زواجي بست سنوات توفي زوجي تاركاً لي ثلاث طفلات... وتاركاً إياي وحيدة في محيط غريب. إنما كيف كانت مشاعري حينئذ؟

"لقد كنت في ساحة الحرب في البلقان وفي روسيا ولكن ألم أكن سعيدة لمعافاة كل جندي أو لتخفيف آلامه؟... لقد علمت... زرت الفلاحين في منازلهم... عالجتهم... عملت الأعمال الشاقة لأعيل نفسي وطفلاتي الثلاث.. فاستأجرت أربعة أفدنة من الأرض لأزرعها وكنت بالفعل أزرع وأسير وراء الحصادين لأجمع لفائف القمح.

"الآلة البخارية التي تدرس القمح كان عليّ أنا أن أزودها بالوقود وهو من القش والتبن يومئذ، ويحتاج إلى التزويد إلى حركة دائمة تضني طوال النهار... في كل تلك الحالات كنت أحسب عيشي هنيئاً لأنني لم أشعر وطفلاتي الجوع والعوز... لم يكن لدي وقت أضيعه بالملل أو الضجر... لم أعرف الاحتياج المادي أو النفساني حتى ولا إبان تلك المجاعة الهائلة وتلك الحروب الفظيعة".

كانت كلثوم عودة فاسيليا أول امرأة عربية نالت لقب بروفسور في "الاتحاد السوفياتي"، وقد نالت الميدالية الذهبية مرتين تقديراً لبطولتها في الحرب، وتركت عدداً كبيراً من القصص القصيرة، كما ترجمت العديد من المؤلفات الأدبية الروسية إلى العربية، والعديد من الكتب العربية إلى الروسية. وهي لم تنس فلسطين، بل عادت سنة 1928 لتدرس حالة النهضة النسائية.