يا روابي عمان سليمان العيسى

لم يَرُعني الدجى على أسواري

منذراً دفقة السنا بالدمارِ

لم يرعني ، أقوى من الموت شعبي

ونهاري ملءَ العيونِ نهاري

زَحَفت أمتي ، فمعركةُ المجد

غبارٌ نشقّه بغبارِ

من عثَارٍ يُفَجِّرُ الشعب نمضي

- والجراحاتُ زادُنا – لعثارِ

بيدينا ، وليصبغوا بدم الأحرارِ

منا ملاعبَ الأحرارِ

بيدينا مَصيرُنا ، ولنا الشوطُ ،

وأرضي مصارعُ الفُجّارِ

...

لم تَرُعني يا ليلُ قبضَتُكَ السو

داء تهوي خضيبةَ الأطفارِ

تعْرِفُ الأرض ان بطشتك الكُبْـ

ـرى وداعٌ ، وحشرجاتُ احتضارِ

لم ترعني انقضاضةُ البغي قربي

ودمائي مسفوكةً بجواري

قصفاتٍ ، فالعرش ، والحاضن العر

ش غُثَاءٌ في زحمة التيارِ

الطواغيتُ للجحيم ، وتبقى

لي شموسي ، غداً ، وعرس انتصاري

بيدينا مصيرنا ، ولنا الشوط ،

فدقِّي يا عاصفات جداري !

...

يا روابي عمّان ، هل نَقَل الجزّارُ

سكِّينه إلى الجزّارِ ؟!

ضحكةُ العرس اطفَأوها بعَيْنيكـ

ـكِ ، ولما ننهَلْ وميضَ افترارِ

ضُحكةُ العرس .. كم هزجتُ عليها

أمسِ حتى تونحت قيثاري

قصف الحقدُ وردَها ، فأغاني

العيد في لمحةٍ فحيحُ ضواري

وربيع الجلاءَ لسعُ صقيعٍ

ورؤى المهرجان لَفْح اوَارِ

يا روابي عمّان ، محنةُ فجرٍ

لم يجيء مولدٌ بلا إعسارِ

امهليهم يا أرضنا يُترعون

الكأس من أحمر الدم الفوارِ

ويصبّون حقدهم فوق رأسي

ويكمُّون صيحتي بالنار

رَوّعتْ قبلهم أساطيلُ شطآ

ني ، وضاعت بين الحرائق داري

وصمدنا ، وقطّع اللصّ رجليه

على درب ذِلةٍ واندحارِ

امهليهم يلملمون بقايا

العار ، فالمُلكُ في بقايا العارِ

لَبسَ المسْخُ لبدة الأسد الوَرْ

دِ ، وتاه الرقيعُ كالجبّارِ

محنةُ الفجرِ ، لم يُفاجأ بها

الفجرُ ، ولا استغلقتْ على الابصار

في دمشقٍ من عارها أثرٌ با

قٍ ، وذكرى لمجرمين كبارِ

نَفضَتْهم عنها كما انتفَض الجسم

وألقى بعالقٍ الأوضارِ

يا روابي عمان ، للعرب الشو

طُ ، وهم صامدون في المضمارِ

...

أنا في الشام ، أي عبءٍ على الشا

م ليحلو المساءُ للسمّارِ !

أي عبءٍ ، لنحمي الدوحة الخضـ

ـراءَ من شر حاقد الأوكارِ

أي عبءٍ ، ليفتحَ الشعب عينيهِ

على أرضه بلا استعمار

أنا في الشام .. موجةٌ من جباهٍ

أقسمتْ لا تراجعت عن غمارِ

أقسمت ، لا مشت لغير عظيمٍ

عَصّبتها ساحاتُهُ بالغار

أيها الناضحون خلفَ خُطانا

بعض ما في نفوسهم من صَغارِ

ما رمينا إلى "الممثل" طَرْفاً

هَمّنا مجرمون خلف الستارِ

إسمعوها تدقُ أفئدةً غُلْـ

ـفاً ، وزَيفاً ألقى بكل خمارِ :

أنا من كافرين بالسالبي أرضي ،

أهذي علامةُ الكفّارِ ؟!

أنا من كافرين بالذابحي قو

مي ، وبالناثريهم في القفار

أنا في الهادمين ما دام حولي

كبدٌ جائعٌ ، وجسم عاري

أنا في الهادمين ما دام "صهيون"

بناء البانين فوق دياري

أنا من كافرين "باللص" يشري

ويبيع الإله "بالدولارِ"

أنا من "مارقين" آلَوْا يموتو

ن .. لينجوَ شعبٌ من الأخطار

...

أنا في الشام ، أستقي من جراح

الضاد لحناً مضرّج الأوتارِ

تركته عمانُ هَدرةَ بركان

بصدري ، وغمغماتِ انفجار

وثبتي وثبةُ العروبة لا رو

ضي يطيق الدجى ولا أطياري

ودمائي على شواطئ مصرٍ

في الميادين ما تزالُ شعاري

لي على النيل ماردٌ عربيّ

وحياةٌ تمور كالإعصارِ

وميامينُ من بقايا سيوف

الله مسلولةً على الادهار

ساعدٌ لاقتلاع أعمدة الذل ،

وزند لشامخات الفخار

لي على الشام قلعةٌ من صمودٍ

تتحدى مطامح الأشرارِ

يلطم الغدرُ عن يمينٍ جناحيها

فيهوي مغفّراً عن يسار

لي على القدس صامدون ، ولو

جُنّ جنونُ المستعمر الغدار

لي غدي .. مثلما تبلّج وجه

الصبح عن ألف روضةٍ معطار

لي جمالٌ ، وبور سعيد ، ولي شعـ

ـبي ، ودقّي يا عاصفات جداري

...

مصرُ ، يا مصر ، يا حنيني إذا

رجَّعتُ يوماً قصيدة الثوار !

يا كفاح الضياء يزرعُ في الأرض

شموساً عبر الدجى ودراري !

يا عرين النسور ترتد عنه

أضلعُ المعتدي زَرِيّ نثارِ

يا سرايا عمروٍ حداها صباح

البعث "عمروٌ"* لمطمح جبّارِ

هذه أمتي ، جناحاك يا مصرُ ،

فشدِّيهما على الأخطارِ

يقصرُ الحاقدون عنك فيرمون

حواليك باللظى والشرارِ

أنتِ ، أنت الطعين في الشام ، في

عمان ، في كل موكبٍ هدّارِ

قهقهي للدجى ، ولُمِّي على النسر

فراخ الصقور ، والأثمار

هذه أمتي ، جناحاك للثأر ،

وقومي: متى يدمدم ثاري ؟

_______________

* عمرو بن العاص وجمال عبد الناصر