لبنان الثائر سليمان العيسى

وقفةٌ في مدارج الفجر تنفضْ

سحبَ الليل عن جبين الضادِ

ونلُمّ الخيوط فوق الذرى السمرِ

ينابيعَ ثورةٍ وجهادِ

وقفةً يا هدير نَدْرُجْ مع النور

توشّي أولى خطاه بلادي

لمحةً يا جراح لبنان نخْطَف

قصة المجد من فم الروّادِ

العصور العمياء تكتسح التاريخ

ملءَ الذرى وملءَ الوهادِ

وبلادي ، أمّ الينابيع ، تذوي

فوق أرجائها شفاه العوادي

والبقايا من روعة الألق الما

ضي تشدّ السواد فوق السوادِ

العصور العمياء ، ألفٌ من الاعـ

ـوام جفّ السنا ، وضلّ الحادي

وأفاقت أولى الخطى تزحم المو

تَ على رعشة الشعاع الهادي

أين ماجت دنيا العروبة بالفجر ،

وغنّت طلائع الأمجاد ؟

أين جسّدتُ أمتي لهباً بكراً ،

وأبصرتُ دفقة الميلادِ ؟

لا تسلني ، وادرج معي في الذرى

السمر ، على كل مَشْرَفٍ أو وادي

هدأةً ، يا دويّ لبنان ، فألامس

قصيدٌ مُجَنَّحُ الأبعادِ

لمحة ، استعرْ من الوثبة الأولى

وميضاً أحدو به إنشادي

من سقى دوحةَ العروبة ، والآ

فاق غبْرٌ ، إلى الضياء صوادِ !

من رمى النور في عيون الحيارى

فأفاقت على الحياة بلادي !

حملت كل أرزة جمرةَ البعث ،

وشقّت بالنار صمت الرمادِ

وحدانا لبنان ، فانطلق الركبُ ،

وماجت حواضرٌ وبوادي

كلّ صخرٍ لنا عليه نشيدٌ

عربيّ يهز دنيا جمادِ

قبل شمعون ، كنتِ يا شامخاتِ

الأرز نبعي ، وفجريَ المتهادي

قبل شمعون ، كنت الصيحةُ السمـ

ـراء تجلو مفاخرَ الأجدادِ

قبل شمعون ، قبل قافلة العبدان ،

كان اسمه عرينَ الضادِ

كان لبنان معقلي ، وسيبقى

ملتقى إخوتي ، ومهوى فؤادي

...

يا سفوحَ العبير ، يا هَضبات

الورد ، ماذا على سفوح العبيرِ !

أيحيلون جنة الله وكراً

لدخيلٍ ، ومرتعا لاجيرِ !

أيكمّون بالرصاص فم الورد ،

إذا قال : لم أكن للنيرِ !

فاذا موطن الاغاريد مأوى

كل لص ، وشائه موتورِ

لفحيح الاحقاد ، للشوك يا لبنان ،

لا للندى ولا للزهورِ

قسما ، ما استطبتُ كأسي على

النبع ، ونبعي مخضّبٌ بالشرور

أيّ حريةٍ يغني بها "ألعبدُ" ،

على باب غاصبٍ مسعورِ !

أي حرية، سلوا طلقاتِ

النار عنها غدراً وراء الظهورِ

وانسحاب الخُطى على العتماتِ

السود خوفا من عاصفات النور

في دماء المتنيّ* قصةُ لبنان،

خذوها عن الدم المهدورِ

إروها ، لا تُشحْ بوجهك يا سفّاح ،

جرح الشهيد لحن العصور

إروها ، واستمعْ صداها جموعا

هادرات ، وثورة كالسعير

إستمعْ غضبة الجماهير تمْلي

بدماها قصيدةَ التحريرِ

في حنايا الهضاب ، في الشاطئ الرجـ

ـراج بركان وثبتي ونشوري

هو منا ، ونحن منه الدم المسـ

ـفوك فوق الثرى ، ثرانا الطهور

الاباةُ المصممون اباتي

والصقور المزمجرون صقوري

وجراحي على عمانٍ جراحي

في حنايا صيدا ، وجبهة صور

دمنا تصرخ الملايين فيه

يا عصور الضياع والذل ثوري !

يا حماة الدجى ، تشققتِ الأرض ،

ومادت عن ألف فجرٍ منيرِ

عربي الهدير.. لن تحجبوه

بركامٍ من ناصلاتِ الستور

يتحدى الصباح مهزّلةَ التزوير ،

إن الصباح فوق الزورِ

وطني للزنابق البيض ، فألقوه

جحيماً ، ودمدماتِ نسور

يصمتُ الشعبُ كالجبال ، وتبقى

بيد الشعب حاسماتُ المصير

...

يا دماءً تكاد تلفَحُ وجهي

بلهيب الصمود والعنفوانِ

يا دم الشعب ، فات أعداءَ شعبي

إذا اراقوكَ قصةُ البركانِ

جرحُ عدنان* ما يزال على الشام

انطلاق التاريخ من عدنانِ

جدّدته على شوارع بيروت ،

كهوف الاحقاد والاضغانِ

يهزم الصبحُ كل وكرٍ بنته

في الدياجير غُلةُ الثعبانِ

ويطلّ الضحى على اثنين في

الميدان : شعبي والنصر في الميدان

قُدماً يا بنودنا في الهضابِ

الشمِّ ، إنا في الصدر خافقتانِ

قُدما لن تكون يا أسمر الارز

وحيداً في زحمة الطوفانِ

الثرى والسماء حولك اهلٌ

وقلوبٌ على الجراح حَوَانِ

وسيوف الصقور إخوتك الاحـ

ـرار عطشى إلى النزل ، روانِ

الثرى والسماء أهلك ، فاسخَرْ

من حراب هممنَ بالعدوانِ

عرفتها الدنيا على بور سعيدٍ

كيف باءت بالعار عار الزمان

كيف رُدّت كسيحةً وثبةُ الغدر ،

ودُقّت مخالبُ القُرْصانِ

تنشق الكبرياءُ عطركَ يا لبنان ،

فاشمخ به على نيسانِ

للهوى باسقاتُكَ الخضر للمجد ،

ولن تنحني لسوط جبانِ

والاشمّ الراسي على قدميه

- قَدَرٌ ذاك – مصرعُ الطغيان

قَدرٌ ان تهلّ في جَنبات

البيد دنيا جديدةُ الألوانِ

أرزُ لبنان نفحةٌ في سماها

ينسج الحبَ نولُها والاغاني

قدرٌ أن يموج في أرضنا

الخضراء فجرٌ للضاد ، لا فجرانِ

في عُمانٍ ، وفي الجزائر منه

عاصفاتٌ يزأرن في لبنانِ

أمة تصنع الحياة، ويخشى

رعشة النور صانع الاكفانِ

بيديك المصير يا هدرة الشارع ،

فامضي في الساح ملءَ العنان

يصمت الشعب كالجبال ، ويبقى

بيد الشعب مصرع الطغيانِ

______________

* الشهيد نسيب المتني، طليعة ضحايا الحرية، في لبنان..

* الشهد عدنان المالكي