يخيل لي نمر سعدي


صغيرٌ كثغرِ المنونِ..

وفي قلبهِ قمرٌ لا ينامْ

يؤلِّبُ ما في الحصى المرمريِّ

على ما تقولُ مياهُ الظلامْ

ويُصغي لأبعدَ من بسمةٍ

من شفاهٍ مُعذَّبةٍ...

من نجومٍ على حافةِ القُبَلِ الضائعةْ

للأنينِ المُوَّزعِ بينَ فمي

بينَ يقظةِ روحي على تُربةِ الأنبياءِ

وأحلامها اللاذعةْ

يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي

من بلادٍ على أُهبةِ النايِ

خلفَ دموعِ الهواءْ

يُخيَّلُ لي ماياكوفسكي القتيلُ

بما اجترحتْ كائناتُ الحَجَرْ

تحتَ قبَّةِ فجرٍ شحيحِ النساءْ

تميلُ... فتسندُها نقطةٌ من مَطَرْ

يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي

وأنا من بكاءِ الثرى والسماءْ

صغيرٌ كقبلةِ نرجسةٍ

وكبيرٌ.. كبيرٌ كبحرِ الفضاءْ

كحزني... كرعشةِ صوتِ المحبِّينَ

فوقَ مياهِ القَمَرْ

سأُهدي الغزالةَ آخرَ ما في كلامي

من العشبِ

آخرَ ما في دمي من حليبٍ وشهدٍ وماءْ

وآخرَ حبَّاتِ قمحٍ بأرضِ الجليلْ

سأُهدي الوعولَ وأحزانها

فرحةَ المستحيلْ

سأُهدي الحياةَ مقامَ الرَصَدْ

وناري التي عانقَتْ أبدي

ما وراءَ الأبدْ

سأُهديكِ حُريَّةَ الشهداءِ

وأيقونةً لمعَتْ كالشموسِ بليلِ الجسَدْ

إنَّني لا أحدْ

إنَّني لا أحدْ

صغيرٌ كثغرِ المنونِ وشهوتهُ من زبَدْ

صغيرٌ كثغرِ المنونِ... كبيرٌ كمعنى السديمِ

يخاصرهُ شفقٌ لا يُحَّدْ

يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي

من أفاعٍ وفردوسِ شوكٍ ووردْ

آهِ مثلوجةٌ ضحكتي

في الصباحِ المُسافرِ بينَ الغيومِ

ومثلوجةٌ شهقاتُ القصائدِ فوقَ الأصابعِ

ميِّتةٌ وردةُ المستحيلْ

في حنايا الطلولْ

ومرفوعةٌ فوقَ هذا الصليبِ خطى الغائبينْ.