هذيان ديك الجن الحمصي الأخير نمر سعدي


مُطفأٌ مثلَ قنديلِ عينيكِ في هدأةِ الفجرِ..

فوقَ غصونِ الشرايينِ

تعدو الوساوسُ خلفي كليلِ الشياطينِ

في خطوتِكْ

تحاصرني في زوايا الكلامِ

ويخنقني شبحي المتمثِّلُ في صورتكْ


مُشعلٌ بدمي.. مُطفأٌ.. مُرجأٌ

مثلَ زرقةِ صوتكِ... كالطفلِ في اليمِّ

يا نورسَ الروحِ... يا ندمَ الشعرِ

يا شغفي بالنصاعةِ في خنجرِ الحُبِّ

يا ماءَ ضلعي وجمرةَ دمعي الحبيسِ...

نداءَ دمي في النجومِ...

شفاهُكِ معصيتي...

حطبُ الشهوةِ البِكْرِ

سُلَّمُ روحي إلى النارِ

في وهدةِ الندمِ المُرِّ...

وجدي المُعلَّقُ مثلَ التمائمِ فوقَ الجبالِ

وفي معصمِكْ


شفاهُكِ هاويتي في أقاصي سدومَ

وعيناكِ نهرا هَوانْ

وطعمُ الرمادِ المُطيَّبِ سرِّي وسرُّكِ

أحشو بهِ رئتي وعظامي لتَجهشَ بالضوءِ

إذْ ينتهي العاشقانْ

ثُمَّ أطلو بهِ ريشَ زهوي وعُرفي

لكيْ تستقيمَ الخطيئةَ...

كَيْ يستقيمَ البيانْ

ها هنا تنتَهي رغبتي في بُكاءِ الكمانْ


مُقسَّمةٌ في جميعِ النساءِ... موحدَّةٌ فيَّ أنتِ

وضائعةٌ في خلايايَ ملءَ الفراغِ

ومرهونةٌ لزهورِ الغوايةِ في كاحلِ الأرضِ

يا وردُ يا لعنتي في الحياةِ العقيمةِ

يا ما عصى المُخمَلُ الرَخْصُ منِّي

ويا نقْصَ ما في ضلوعي من الطينِ

يا وشمَ أفعى مُطهَّرَةٍ في العُنُقْ

ويا فتنتي فوقَ أرضِ الصراطِ... وسرَّ الشفَقْ

تُسمِّيكِ أشجارُ حمصَ عروسَ السماءِ

يُضيئكِ حبرُ القلَقْ


مُوزَّعةٌ في الليالي التي انطفأتْ

مثلَ شمعِ الشرايينِ

مسكونةٌ بالبحارِ الأليفةِ

منثورةٌ كالغمامِ الزجاجيِّ فوقَ دموعِ الطُرُقْ


كنتُ أبحثُ عن وجهِ معنايَ فيكِ

فتحملني غُربتي مثلَ طيرٍ شريدٍ

إلى ما وراءَ الأفقْ


نداؤكِ ألفُ شتاءٍ يصيحُ بأقصى دمائي

ويطلعُ كالزنبقِ المتهدِّجِ من بحرِ رملي

ويبزغُ كالنهرِ من لمسةٍ لرمادِ بُكائي


ذراعايَ أُغرودتانِ تهزَّانِ ليلكِ

ذئبانِ يقتتلانِ بسهلكِ

عندَ المساءِ

هلالانِ يقتحمانِ حزيرانَ

أو خنجرانِ يلُفَّانِ خصركِ

فيما وراءَ الحياةِ

ذراعايَ أُغرودتانْ

وخصرُكِ عرسٌ لحمصَ التي

انبثقَتْ من منامي كحلمِ النبيِّ...

لحمصَ الفتاةِ التي فيكِ أحبَبتُ.. أو مهرجانْ

 

هَلْ كانَ عليَّ لكَيْ أُثبتَ برهانَ الحبِّ

الصارخِ فيَّ وفي لغةِ الأشياءِ

وفي أقصاكِ إلى أقصايْ

أن أصنعَ من جسدي منفايْ..؟

هل كانَ عليَّ مُراودةُ الجُرحِ الناغرِ

في جسدِ الليلِ بزهرٍ غامض؟

ودفعُ حياتي ثمناً للحُبّْ؟

هل كانَ عليّْ...

قتلُكِ يا توأمَ روحي

كيْ أُثبتَ لكِ برهانَ الحُبّْ..؟


تصحو دمائي على أطرافِ أُغنيةٍ

زرقاءَ يحملها نهرٌ إلى الأبدِ

وأنتِ ما أنتِ..؟ ما هذا التمنعُّ في

حريرِ قلبكِ إذ يبكي وراءَ يدي

أنحَلَّ مثلَ رفيفِ الضوءِ في جَسَدٍ

ناءٍ وأجمعُ طيفي منكِ في جسدِ

تصحو دمائي وأحلامي تراودها

عن ضجعةٍ في خيالِ الشاطئِ الغَرِدِ

خلَّفتُ ذاتي ورائي في سرابِ رؤىً

وجئتُ أبحثُ في عينيكِ عن أمدي

وأنتِ لا حمصُ لا قوسُ الحمامِ ولا

أشجارُ روحي ولا حزني ولا بلدي

أصبُّ عطرَكِ في كأسي وأشربهُ

ناراً تُعشِّشُّ في قلبي وفي كبِدي

أصبُّ عطرَكِ موَّاراً أربُّ بهِ

نبتَ الحشا الغضَّ بينَ النارِ والبَرَدِ


مُطفاٌ مثلَ قنديلِ عينيكِ

في هدأةِ الفجرِ

لا سرَّ لي في دمائكِ..

لا ظنَّ لي في الحياةِ سواكِ

ولا وجهَ لي... لا خُطىً

لا مرايا تُصادقني

ودمي فاغرٌ فاهُ يعوي

كشوقِ الغريبِ إلى اللا مكانِ ...

دمي.. ديكُ جنِّي الذي صاحَ

من نطفةِ الإثمِ في رحمِها

سوفَ يُوقظُ – لا بُدَّ – أنثى القصيدةِ

من نومِها.


تمَّوز 2009