رفاعة الطهطاوي

1801 - 1873م

وُلِدَ رفاعة الطّهطاوي في طهطا من صعيد
مصر، وهو من أسرةٍ شريفةٍ أصابتها ضائقةٌ اقتصاديّةٌ في بلدها دفعت بالأب إلى التّنقل من قريةٍ إلى قريةٍ، وعائلته معه، حتى بلغ القاهرة، وكان رفاعة في السّادسة عشر من عمره.

تتلمذ الطّهطاوي في الأزهر واندمج في صفوف طلاّبه، يقرأ ما يقرأون ويدرس ما يدرسون. لكنّه أفاد بشكلٍ خاصٍ من وجود الشّيخ حسن العطّار. فقد كان الشّيخ العطار يقرأ كتب الجغرافيا والتّاريخ والطبّ والرّياضيات والأدب والفلك. ومع أنّ نظام التّدريس في الأزهر لم يسمح يومها بتدريس مثل هذه الكُتُب، فإنّ الشّيخ لم يلبث أن اختصّ نفرًا من تلاميذه الممتازين، أقرَأَهم ما كان يقرأ ورغّبهم في هذه العلوم الجديدة.

ختم الطّهطاوي دروسه في الأزهر وهو في الحادية والعشرين من عمره، وانضم إلى مدرّسيه، وكان مدرّسًا ممتازًا. وعمل إمامًا لِفِرَقِ الجيش العلويّ الجديد، ثم اختير إمامًا للبعثة العلميّة في فرنسا، حتّى أخذ بتدوين أخبار رحلته منذ أن غادر الإسكندرية في رمضان سنة 1241 هـ. واستمر على ذلك حتى وطئت قدماه أرض الكنانة بعد خمس سنواتٍ كاملة.

في باريس، أعدّ الطّهطاوي نفسه لا ليرجع إلى مصر إمامًا لفرقةٍ في الجيش، بل ليكون شخصًا نافعًا لوطنه وجماعته. فقد عكف مثل بقية رجال البعثة وبحماسةٍ أشدَّ على تعلّم الفرنسيّة وقراءة الكُتُب المفيدة النّافعة، وترجمة ما استطاع إلى ترجمته سبيلاً، والتّعرف بفنون المعارف والعلوم في دنياه الجديدة، والمقارنة بين الموجود منها والمحرومة منه بلاده ودياره، حتّى إذا حان الحين لعودته، كان قد تحصّن بالعِلم وتقوّى بالمعرفة ووسّع دائرة تفكيره وعمّق طريقة تعبيره وحمل معه الإنطباعات والأفكار الجديدة. تمرّس بالتّرجمة وتدرّب على التّأليف ووعى جماع ما رفع من شأن ديار الأوروبييّن. اعتزم على أن ينقل من الفكر ما استطاع إليه سبيلاً، ومن أساليب النّظر العلمي ما حملته أمانيه.

حين عودته، قارن الطّهطاوي، وهو عالم أزهري طويل الباع في معرفته، بين العلم والعلماء في مصر وباريس، ولكنّه لم يكتف بالمقارنة حاملاً انطباعاته، بل ينقل معها أفكارا لبني قومه. فهو حريص مثلاً على ترجمة الدّستور الفرنسي ترجمةً كاملةً، وكأنه يريد أن يقول لبني قومه إنّ هؤلاء القوم عَرفوا معنى المساواة في الفُرَص والحفاظ على حقّ الفرد والحرّية في المُعتقد والتّفكير والتّعبير. ولا يكتفي بالتّرجمة، بل يعلّق على الأمر مفسرًا.

عاد رفاعة الطهطاوي إلى القاهرة سنة 1831، أي بعد غياب سنواتٍ خمس كاملة. قضى ما تبقّى من عمره في مصر باستثناء سنوات ثلاث قضاها في الخرطوم.

تنوّعت المناصب التي تولاّها في هذه السّنوات: فعمل في مدرسة الطبّ ومدرسة الطّوبجية ومدرسة الألسن والمدرسة الحربيّة وقلم التّرجمة. كان رفاعة قد حمل معه من باريس، بالإضافة إلى مخطوط رحلته، اثني عشر كتاباً نقلها هناك عن الفرنسيّة. وكانت هذه الكُتُب في موضوعاتٍ مختلفةٍ من الأدب والتّاريخ، إلى الجغرافيا والرّياضيات والبحوث العسكريّة. فلمّا عاد إلى مصر، استأنف العمل مُترجمًا مصحّحًا مدرّبًا للمترجمين، مرشداً لهم في اختيار الكُتب، بحيث يُعتَبَر رفاعة حقًا أب النّهضة الفكرية الحديثة في مصر؛ وكان يرمي في كل أعمال التّرجمة إلى زيادة الثّروة االفكرية للمصرييّن، كما أنّه كان يلفت النظر إلى المهم من الأمور.