عبد الرازق البيطار

1837-1916م

عاصر الشيخ عبد الرازق البيطار جزءاً من فترة التنظيمات في الدولة العثمانية التي بدأت بعد مولده بقليل، وعهد عبد الحميد الذي حكم الدولة العثمانية من سنة 1876 إلى 1909. فقد ولد شيخنا في دمشق وانتقل إلى رحمة ربه فيها. وهذه الفترة كان فيها شعاع من الأمل في تطوير البلاد وتحسين أمورها وتنظيم شؤونها إدارياً وتعليمياً. يقول أحمد طربين: "وحين قدم مدحت باشا (أبو الدستور) والياً على دمشق تجمع حوله نفر من الإصلاحيين المستنيرين، فعملوا معه لتشكيل "الجميعة الخيرية" التي كان لها الفضل في تأسيس مدارس عديدة في مركز الولاية وحواضرها، وفي جمع التراث العلمي المخطوط من خزائن العائلات الشامية المختلفة وإنشاء المكتبة الظاهرية بدمشق (1878). ولا مراء في أن هذا التقدم الذي تحقق قد أسهم في وضع بلاد الشام على طريق نهضة علمية حديثة تساير متطلبات الحياة المتطورة المعاصرة. وبرغم الطغيان الحميدي فقد توسع التعليم، وأنشئ عدد من المدارس الثانوية والعالية وتأسس مكتب للطب بدمشق سنة 1903.

ترك الشيخ عبد الرازق البيطار إرثاً ضخماً لما وضع كتاب "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر". فالكتاب حلقة في سلسلة التراجم لأهل العصور الحديثة التي أسهم فيها في دمشق الأمين المحبي بالترجمة لأهل القرن الحادي عشر، والمرادي بوضع تراجم أهل القرن الثاني عشر وفي مصر وضع عبد الرحمن الجبرتي كتابه عجائب الآثار وهو في غالبه تراجم.

للمؤلف كتب دينية مثل "المنة في العمل بالكتاب والسنة"، وكتب أخرى. لكن أكبرها وأهمها هو هذا التاريخ. وقد لحظ أحمد طربين أن الكتاب ترجم علماء وأعيان بلاد الشام والبلدان العربية والإسلامية شرقاً وغرباً، وقد قصر الترجمة على رجال المجتمع من السنة. وضم الكتاب ألفاً وستمئة وست عشرة سيرة وترجمة. والذي يقرأ كتب التراجم التي وضعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في المشرق أو في المغرب، يعجب لهذا التواصل الذي كان يقوم بين العلماء في الجهات المختلفة والمتباعدة أحياناً. ولعل الحج كان يعين على التقريب والتواصل.

كان من الطبيعي أن يسرد الشيخ عبد الرازق البيطار في حلية البشر بعض الأحداث السياسية والحوادث الطبيعية المرتبطة بزمن سلطان أو وال أو حاكم وما إلى ذلك.

ويتضح، حتى من تصفح سريع "لحلية البشر"، في أن الذين ترجم لهم فيها، مثل الذين ترجم لهم في غيرها من قبل، كانوا يجيدون فروع المعرفة جميعها، وخاصة في العلوم الشرعية. فعلماء العصر كانوا يحيطون بالفقه والتوحيد والتفسير والحديث والفرائض والتصوف.

هذه العناية بالتراجم التي عرفتها بلاد الشام في المحبي والمرادي والبيطار لم تكن جديدة في الأدب التاريخي العربي. فالذين درسوا النتاج التاريخي عند العرب، يقدرون بأن ثلث هذا النتاج هو في فن الترجمة. ولا شك عندنا أن ذلك يعود أصلاً إلى اهتمام العلماء بإسناد الرواية في الأحاديث، فكانت كتب طبقات الصحابة. وانتقلت العدوى إلى طبقات كذا وطبقات كذا. والطبقة في هذا التعبير لا تعني تقسيم الناس إلى درجات، بل إن المهم هو قرب المترجم له من نقطة انطلاق معينة. فطبقات الصحابة كان معناها أن الأقرب إلى رسول الله هم أهل الطبقة الاولى. فهو تقسيم زمني أصلاً.

وإذا تذكرنا أن الكتابة التاريخية، بمعنى التأريخ للبلد أو منطقة، أصبحت في تلك الفترة تتأثر كثيراً بالسلطة وأهلها وتوجهات السلطة وتوجيهها، وجدنا أن كتب التراجم هي التي تزودنا بما يصح عند مؤلفيها من شؤون عامة وأحداث وملاحظات كان الكتاب يدخلونها في حواشي ثوب التراجم.