الشيخ أحمد عباس الأزهري

1853-1927م

ولد أحمد عباس في بيروت بلبنان وتلقى علومه الابتدائية في المدينة نفسها. انتقل إلى الأزهر ليتابع دروسه هناك. ولما عاد يحمل شهادة العالمية من الجامع الكبير أضاف لقب الأزهري إلى اسمه، وهو أمر كان مألوفاً لدى الكثيرين.

بعد عودته إلى بيروت عمل في التعليم في المدرسة السلطانية. في تلك الأثناء كان الشيخ
محمد عبده يقيم في بيروت، فدعي لإلقاء الدروس في المدرسة السلطانية. فنفخ في المدرسين والطلاب روحاً جديدة بحيث أصبحت المدرسة وكأن حياة جديدة قد دبت فيها. فبعد أن كان الطلاب يعتبرونها "حبساً يقضون عامهم في توقع الانفراج وتمني الانطلاق.. صارت المدرسة وكأنها غير المدرسة، وأصبح علمها وكأنه غير علمها، في مدة من الزمن لم يألف التصور حصول ذلك في مثلها".

يقول الكاتب والمرشد عبد الباسط فتح الله: "غير أن إرادة الله الانتقامية لم تشأ أن ينعقد لعمل الشيخ محمد عبده الثمرة المرجوة، إذ أن ازدهار المدرسة وفلاحها أشعل نار الحسد في قلوب جماعة من رجال العسكرية على مديرها، فسعوا بالمدير فبدلوه بآخر.. فجاء خلفه وغير وبدل، واضطرب نظام المدرسة فضلت نهجها القويم وغايتها المثلى"..

لسنا ندري كم ظل الأزهري مديراً للمدرسة، ولكن الذي نعرفه هو أن المدرسة كانت في بدء سنتها الثالثة لما انضم محمد عبده إليها. والذي نعرفه هو أن الشيخ أحمد عباس انتهى به الأمر إلى إنشاء مدرسة خاصة به. كان ذلك سنة 1895، أي بعد نحو عشر سنوات من التخلي عن السلطانية، أو إقصائه عنها. وقد سمى مدرسته المدرسة العثمانية، ثم غير الاسم وأطلق عليها الكلية العلمية الإسلامية. وقد عمّرت هذه المدرسة نيفاً وعشرين سنة.

كان للأزهري في هذه المدرسة منهاج حديث، بمعنى أنه كان يعلم فيها مبادئ العلوم واللغات الأجنبية، شأن المدارس العديدة التي أنشئت في بيروت في ذلك الوقت. مع العلم بأنها اعتنت بالعلوم الدينية عناية خاصة وكذلك باللغة العربية. أما اللغات الأجنبية التي علّمت فيها فكانت التركية والفرنسية والإنكليزية. وأما تنظيمها فقد قام على وجود ثلاثة أقسام: ابتدائي واستعدادي وعلمي.

كان للشيخ أحمد عباس عناية كبيرة بالتربية الخلقية والنواحي العملية بالنسبة للطلاب. فقد كان يتابع تصرفهم، وخاصة الطلاب الداخليين. ويبدو أن المدرسة أقفلت بسبب الحرب العالمية الأولى.

كان أحمد عباس رجلاً عملياً، فقد كان يربط بين المدرسة والمجتمع، فمشكلات هذا كانت تحل في المدرسة بقدر الإمكان. ونعود هنا إلى عبد الباسط فتح الله لننقل عنه قوله "فمن الأماني الإصلاحية التي كات تشغل قلب الرئيس الشيخ أحمد عباس التوفيق بين مقتضيات العلوم الحديثة ومقررات العلوم الدينية. كان يزعجه ما يرى من تباين في الرأي بين بعض تلامذة المدارس العصرية وبعض طلبة العلوم الدينية، لجهل كل من الفئتين بعلم الفئة الأخرى. وخاف على الجهود المبذولة في سبيل نهضة الأمة أن يحيط بها هذا الخلاف أو يحبطها إلى عكس المقصود منها. فهم بتلاقي الأمر، فوسع قدر ما أمكن دروس العلوم الدينية من فقه وتوحيد، وأضاف إليها درساً في علم الأصول، ثم حاول إنشاء دائرة خاصة بمريدي الإختصاص في العلوم الدينية فقط، شرط أن لا يقبل فيها إلا من اضطلع بالعلوم العصرية".