الحاج عمر الإنسي

ولما كانت مصر تفتخر بطهطاويها والعراق بأخرسها كانت بيروت تأنس بأنسيها الحاج عمر سليل أسرة شريفة اشتهر لقبها بالصقعان. ولد الإنسي سنة 1237 (1822م) في بيروت وأخذ العلوم عن الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد وقد قلدته الحكومة السنية عدة مناصب كنظارة النفوس في لبنان وعضوية مجلس إدارة بيروت ومديرية حيفاء ونيابة صور وبقاع العزيز تقلب فيها كلها وأظهر فيها دراية وعفة نفس وعلو همة. وكانت وفاته في وطنه سنة 1293 (1876م). وقد وصفه من عرفه بحسن الشعر وأنس المحضر والصدق والاستقامة. وكان فصيح اللفظ طلق اللسان حسن النظم وله مصنفات منها ديوان شعره الموسوم بالمورد العذب طبع في بيروت سنة 1013 (1895م) بهمه نجله السيد عبد الرحمن. وقد كان بينه وبين الشيخ ناصيف اليازجي مكاتبات. ومما مدحه به الشيخ قوله من أبياتٍ:  

وإذا أردتَ قـصــيدةً

 

فيه لها عُمَـراً وَنـمْ

الشاعرُ العربـي ذو ال

 

غُرَر التي سبَت العجمْ

في المكرُمـات لـهُ يدٌ

 

وإلى الصوابِ لهُ قدّمْ

ولهُ منـاقـبُ لا تُـنـا

 

ل كأَنها َصْيدُ الحَـرَمْ

وهذه نبذة من أقوال الحاج عمر. قال في التقى:

عليك بتقوى الله والصـدق إنـمَّـا

 

نجاةُ الفتى يا صاحٍ بالصدقِ والتُّقى

وقِسْ حالَ أبناء الزمـان بـضـدهِ

 

ترَ الفرق ما بين السعادةِ والشقـا

وقال في الزهد:

رغبتُ عن الدنـيا وزُخْـرفِ أهـلـهـا

 

وقلتُ لنفسي إنما العيشُ في الأخـرى

فدَعنْي وزهدي في الحُطـامِ فـأنـنـي

 

أرى الزهدَ في الدنيا هو الراحةُ الكبرى

ومن ظريف هجوهِ ما قالهُ في غلام قهوجي يُدعى هلالاً:

تعس الهلالُ الـقـهـوجـيُّ لأنـهُ

 

قد قطّعَ الأنفاس مـن أنـفـاسـهِ

هذا الهلالُ هو الـهـلاكُ وإنـمـا

 

غلطوا فلم يضعوا العصا في رأسهِ

أراد بالعصا الشطبة التي تُرسم في رأس الكاف (ك) الشبيهة باللام (ل). وقال يهجو ثقيلاً كان لا يزال يذكر ذنوبه:

شكا ثقَلَ الذنوب لنـا ثـقـيلٌ

 

فقلتُ لهُ استمِعْ لبديع قيلـي

ثلاث بالتناسب فيك خُصَّـت

 

فلم توجد بغيركَ من مثـيلِ

ذنوبك مثل روحك ضمنَ جسمٍ

 

ثقيلٍ في ثقيلٍ فـي ثـقـيلِ

ومن رثائه قوله في مارون النقاش لما توفي في طرسوس سنة 1271ه من أبياتٍ:

فقدنـا أديبـاً كـان طِـرْسُ يراعـهِ

 

إذا خطَّ سطراً نال من خطهِ شَطـرا

أخاشَيمٍ قد أعجزتْ عـن مـديحـهـا

 

لساني فأمسى لا يُطيق لها شـكـرا

وما كنتُ يا مارونُ قبـلـك زاعـمـاً

 

بأن الثرى عن أعيني يحجبُ البدرا...

فكم لك من آداب لـطـفُ شـمـائلٍ

 

إذا ما نشرنا ذكرها نفحَـتْ نـشـرا

وكم لك مـن أبـيات شـعـرٍ حـرَّيةٍ

 

بها أن تحلَي جيدها الغادةُ الـعـذرا

ألا يا بني النقَّـاش لا يحـزنـنَّـكـم

 

بكاً وسَّع الأجفانَ أو ضَّيق الصـدرا

أرى الدهر لما قَّسم الحزن خـصَّـنـا

 

بتسعة أعشارٍ وحَّملكـم عـشـرا...

فآسف لو كان الـتـأسُّـف نـافـعـاً

 

عليهِ ولكنَّ الـثـنـاءَ لـهُ أحـرى

                                                                    تاريخ الآداب العربية :الاب لويس شيخو