مارون النقاش

1817-1855م

هو مارون بن الياس بن مخائيل النقاش. ولد في صيدا سنة 1817 ثم انتقل مع والده إلى بيروت وانكب على دروس اللغات والآداب العربية حتى حذق فيها واخذ عن المرسلين اللاتينيين مبادئ اللغتين الفرنسوية والإيطالية. وكان مارون مع سعة علمه فاضلا تقياً متشبثاً بالدين مثابراً على تعاليمه وقد جعلتهُ الحكومة السنية باشكاتباً لدواوين (كمارك) بيروت وملحقاتها. ثم تجول مدة في القطر المصري وأجتمع بأدبائه ثم ساح في أنحاء أوربا ورجع مغرى بفن التمثيل فعرَّب عدة روايات وسعى بتشخيصها وكان أول من مهد الطريق لهذا الصنف من الملاهي في هذه البلاد. وقد طبع بعد وفاته أخوه نقولا المحامي الشهير قسماً من رواياتهِ في كتاب سماهُ أرزة لبنان يحتوي روايات البخيل والمغفل والحسود حذا فيها مارون حذوَ الرواية موليار الفرنسوي وأودعها كثيراً من العادات الشرقية. وجارهّ في عملهِ أخوهّ نقولا المذكور وسليم ابن أخيهِ خليل فراجت بذلك سوق الروايات ويا ليتها كسدت مع كثرة مضارها وقلة من يراعون فيها الأدب الصالحة. ثم سافر مارون النقاش إلى طرسوس المتاجرة وفيها كانت وفاتهّ سنة 1855 فقال أخوهّ نقولا يرثيهِ:

بدرٌ هوى لا بل ذوى

 

غصنٌ وذا مرقـدُهُ

نقّاشُ علمِ سيد الـع

 

لم ارتضى يسعـدهُ

يا رحمة المولي على

 

ماروننا تعـضـدُهُ

ويصبُ هاطل غيتها

 

أرخ وتـغـمـدهُ

ثم نقلت بعد ذلك رفات المرحوم إلى بيروت ودفنت فيها سنة 1856 فقال شقيقه:

ناديتُ مذ عاد سؤلي منتهى الأمـلِ

 

طرسوسُ لا ناقتي فيها ولا جملي

عودا كبدرٍ تولاّهُ الخـسـوف لـذا

 

ها قد أرختُ سناهُ غير مكتمـلِ

وكان مارون صديقا للشيخ ناصيف اليازجي يتناوبان على الرسالات الودية الأدبية منها رسالة وجهها الشيخ ناصيف إلى مارون إذ كان في طرسوس أولها:

ماذا الوقوف على رسوم المنزل

 

هيهات لا يجدي وقوفك فارحلِ

قال فيها:

يا أيها النحريرُ جهبذَ عصـرهِ

 

مالي أبثُّك علم ما لم تجهـلِ

إنَّ المقّدم لـلـحـكـيم إفـادةً

 

كمقدمِ للشمس ضوءَ المشعلِ

بَعُدَ المزارُ على مشوقٍ لم يكن

 

يشفى عن قرب المزار الأولِ

وختمها بقوله:

إن كان قد بَعُدَ اللقاء لعلةِ

 

فابعث إلي بأبهة المتعللِ

فأجابه مارون بما مطلعهُ:

وردت إلي من المقام الأفـضـلِ

 

غرثى الوشاح من الطراز الأولِ

إلى أن قال:

يا من ذا سمح الزمان بـنـعـمةِ

 

أبقاك نورا في الظلام لينجلـي

كلُّ الرجال إذا مضوا يُرجى لهم

 

بدلٌ سواك فلست بالمُستَـبـدَلِ

جاريتَني فقصرتُ دونـك هـمَّة

 

حتى عجزتُ فقد يحقُ العُذر لي

إنَّ الضعيف مقيَّداً بـلـسـانـهِ

 

مثلُ الأسيرِ مقـيَّداً بـالأرجـلِ

فلما نعي إلى الشيخ صديقهُ بعد أشهر نظم في رثائه قصيدتين من أجود مراثيه قال في الواحدة:

مات الحبيبُ الذي مات السرور بـهِ

 

من القلوبِ وعاش الحُزن والضَرَمُ

قد كنت اشكر بعاد الدار مـن قِـدَمِ

 

فحبّذا اليوم ذاك البعـد والـقـدَمُ

ومنها:

أيُ الفضائل ليست فيك كـامـلةً

 

وأيُ عيبٍ تـراهُ فـيك يُتَّـهـمُ

فيك التُقى والنقا والعلم مجتـمـعٌ

 

والحلم والحزم والإحسان والكرمُ

نرثيك بالشعر يا نقّـاشَ بـردتـهِ

 

والشعرُ يرثيك حتى تنفذ الكلـمُ

تبكي عليك القوافي والمحابر وال

 

أقلام والصحفُ والآراء والهَممُ

وكلُّ ديوان شعرٍ كنت تنظـمـهُ

 

وكلَ ديوانِ قومٍ فيكَ ينـتـظـمُ

وفي ختامها:

إن كنت قد سرت عن دار الفناء فقد

 

نلتَ البقا حيث لا شيبٌ ولا هـرمُ

إن السعيد الذي كانت عـواقـبـهُ

 

بالخير في طاعة الرحمان تُختَتَـمُ

ومما قال في المرثاة الثانية: وكذلك رثاه الشاعر المفلق أسعد طراد بقصيدة طنانة أولها:

دهرٌ يغرُ فخذ من دهرك الخورا

 

أما تراه بربك العجب والعبرا

ولمارون النقاش ما خلا رواياتهِ قصائد متفرقة وفقرات ورسائل جمع أخوه قسماً منها في أخر كتاب أرزة لبنان منها منظومة في نحو مأتي بيت علم العروض والقوافي. ومن نظمه قصيدة قالها في الشاعر الفرنسوي دي لامرتين لما الربوع السورية دعاها كوكب المغرب. ومنها أيضا قصيدة تهنئة رفعها إلى سعيد باشا خديوي مصر سنة 1270 (1853) أولها:

لِسعد سُعود مَن سلفوا حدودُ

 

وسعدُ سعيد مصرَ لهُ خلودُ

أتاه النيلَ معترفاً بفـضـلٍ

 

لهُ إذ فاضَ من كفيهِ جودُ

فهذا حكمـهُ مـدٌّ وجـزرٌ

 

وهذا حلمـهُ طـامٍ مـديدُ

فقد بلغت مناقبـهُ كـمـالا

 

ومهما ازداد مدحاً لا يزيدُ

وللمرحوم عدة تواريخ منها تاريخ على لسان أسعد ابن أخيه حبيب ومات صغيراً سنة 1842:

إني هلالٌ قد دنوتُ من الثـرى

 

قبل أن أتمَّ فهكذا ربـي أمـرْ

لكن لعمري لم أغب عن منزلي

 

إلاّ لأشرق في النعيم كما القمر

وكما روى النقاش نَقش تأريخي

 

لأفوز أسعد بالسعادة عن صغر

(1842) ومنها قوله مؤرخا لوفاة البطريرك يوسف الخازن وارتقاء خلفه غبطة السيد بولس مسعد سنة 1854:

في أفق كرسي إنطاكية عجبٌ

 

بدرٌ توارى وبدرٌ فوق سدَّتهِ

إن غاب ذاك وأضناناً بعيبتـهِ

 

فناب هذا وأشفانا بنوبـتـهِ

دعا الإله لذاك المرتضي خلفاً

 

أرَّخت بولس مختارٌ لدعوتهِ

                                                                                                          تاريخ الآداب العربية :الاب لويس شيخو