عبد الغفار الأخرس

1805-1873

هو السيد عبد الغفار لابن السيد عبد الواحد من مشاهير شعراء العراق. كان مولده في الموصل السنة 1220 (1805) ثم أنشأ في بغداد واتخذها موطناً وسكن جانب الكوخ وقرأ على المشيخ الآلوسي كتاب سيبويه فأعطاه به إجازة. ثم درس العلوم العقلية والفنون العربية فأتقنها وتعاطى فن الشعر فأجاد به كل الإجادة حتى أن صاحب كتاب المسك الأذفر قال عنه إن إليه كانت النهاية في دقة الشعر ولطافته وحلاوته وعذوبته. وكان مع ذلك في لسانه تلعثم وثقل فدعي بالأخرس لسببه. قيل أنه في شبابه كتب إلى داود باشا والي العراق أبياتاً يسأله فيها أن يأمر بمعالجة لسانه قائلاً:

إن أياديك مـنـك سـابـقةُ

 

عليَّ قدماً في سالفِ الحُقُبِ

هذا لساني يعـوقـه ثِـقَـلٌ

 

وذاك عندي من أعظم النُّوَبِ

فلو تسبَّبتَ في معالـجـتـي

 

لَنلتَ أجراً بذلك الـسـبـبِ

وليس لي حرفةٌ سـوى أدبٍ

 

جمٍ ونظم القريض والخطبِ

من بعد داودَ لا حُرِمْتُ مُنـىً

 

فقلت قد مضت دولةُ الأدبِ

فأرسله الوالي إلى بعض أطباء الهند فقال له: أنا أعالج لسانك بدواء إمّا أن ينطلق وأما أن يلحقك بمن مضى من سالف الجدود. فأبى ولم يرضَ بدوائه وقال: لا أبيع كلي ببعضي وكرّ راجعاً إلى بغداد. وكان يتردد إلى البصرة لما عرف في عرف أهلها من السخاء ومحبة الغرباء. وله مدائح في أكثر أعيانها وفضلائها وبها كانت وفاته سنة 1290 (1873م) كما ورد في مقدمة ديوانه وفي سنة 1291 على رواية السيد نعمان الآلوسي. وكان له شعر كثير متفرق جمعه أحمد عزت باشا العمري بعد وفاة صاحبه وسماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس. وقد طبع هذا الديوان في مطبعة الجوانب سنة 1304 (1886م). فمن شعره قوله يصف سفره من البصرة إلى بغداد على سفينة بخارية:

قد ركبنا بمركـب الـدُّخـانِ

 

وبلغنا بهِ أقاصي الأمانـي

حيث دارت أفلاكهُ واستدارت

 

فهي مثلُ الأفلاك بالدوَرانِ

ثمَّ سرنا والطيرُ يحسدنا بـالأ

 

مسِ لإسراعنا على الطيرانِ

يخفق البحرُ رهبة حين يجري

 

والذي فيه كائنٌ في أمـانِ

كلَّما أبعد البخارُ بـمـسـرىً

 

قَرَّب السيرُ بُعْدَ كلّ مَكـانِ

أتقَنتْ صُنَعُه فـطـانةُ قـومٍ

 

وصَفوهم بـدَقة الأذهـان

ما أراها بالفكـر إلا أنـاسـاً

 

بقيت من بقَّـية الـيونـان

أبرزوا بالعقول كل عجـيبٍ

 

ما وجدناهُ في قديم الزمـان

وبنوا للعُلى مبـانـي عـلاو

 

عاجزٌ عنها صاحب الإيوانِ

فلهم في الزمانِ علمٌ وفخـرٌ

 

ومقامٌ يعلو علـى كـيوانِ

وقد نظم السيد الأخرس قصائد عديدة في مدح أديب العراق عبد الباقي الفاروقي. ورثاه بعد موته بقصيدة أولها:

ما لي أودّع كل يومٍ صاحبـاً

 

إذ لا تَلاقي بعد طول فراقِ

وأصارم الأحبابَ لا عن جفوةٍ

 

مني ولا متعرّضاً لشقـاقِ

فارقتهم ومدامعي مـنـهـلةٌ

 

وجوانحي للبَين في إحراقِ

إلى أن قال:

فارقتُ أذكى العالمينَ قـريحةَ

 

وأجلَّها فضلاً على الإطـلاقِ

وفقدتُ مستَنَد الرجال إذا روتْ

 

عنهُ الثقاتُ مكارمَ الأخـلاقِ

قد كان منتجَعي وشِرْعةُ منهلي

 

ومناطُ فخري وارتيادُ نياقـي

كانت لهُ الأيدي يطوقني بـهـا

 

منناً هي الأطواق في الأعناقِ

وختمها بقوله:

رزء أصيب بهِ العراق فأرخَوا

 

رزء العراقِ بموتِ عبد الباقي


وقال مودعاً بعض الكرام اسمه يوسف:

مولاي قـد حـان الــوداعَ

 

وقد عزمتُ على المسـيرِ

كم زرتُ حضرتـك الـتـي

 

ما زلتُ منها في حـبـورِ

ورجعـتُ عـنـك بـنـائلٍ

 

غِمر وبالخَبـر الـكـثـيرِ

والـلـهُ يعـلـمُ أنـنـــي

 

عن شكر فضلك في قصورِ

يا مـفـرداً فـي عـصـرهِ

 

بالفضل معدوم الـنـظـيرِ

يا يوسـفُ الـبـدرُ الــذي

 

يسمو على البدر المـنـيرِ

ما لـي بـعـيرك حــاجةُ

 

كغنى الخطير عن الحقـيرِ

وســواك يا مـــولاي لا

 

واللهُ يخطرُ في ضمـيري

ما كـــلُّ وزادٍ يفــــو

 

ز بموِرد العذب النـمـيرِ

لا زلت أهـلاً لـلـجـمـي

 

ل مدى الليالي والشـهـورِ

                   تاريخ الآداب العربية :الاب لويس شيخو