الأصمعي

123- 216 هـ

أبو سعيد عبد الملك بن قُريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع وإليه نسبتُه من قبيلة باهلة القيسية. راوية ثقة صدوق، وإمام في اللغة والغريب والأخبار والمُلَح.

نشأ الأصمعيّ في البصرة موئلِ العربية ومحفلِ علمائها في عصره، فتعلم فيها القراءة والكتابة، ثم أتقن تجويد القرآن على أبي عمرو بن العلاء (ت 154هـ) أحدِ القُرّاء السبعة، وهو أستاذه في سائر علوم اللغة والأدب، وأكثر من لازمه من شيوخه. وممن ثَقِفَ عنهم علومه عيسى بن عمر الثقفي (ت 149هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)، وسمع مِسْعر بن كِدام (ت 152هـ)، وشعبة بن الحجاج (ت 160هـ)، وحمّاد بن سلمة (ت 167هـ)، وحماد بن زيد (ت 179هـ).

ومما أسهم في ثقافة الأصمعي روايته عن فحول الشعراء كرؤبة وابن ميادة والحسين بن مطير الأسدي وابن هرمة وابن الدمينة وغيرهم، وذلك لاعتقاده أن العلم لا يصح إلا بالرواية والأخذ عن أفواه الرجال.

أحبَّ الأصمعي اللغة حباً ملك عليه شغاف قلبه، فارتحل إلى أعماق البوادي يشافه أرباب الفصاحة والبيان من الأعراب الأقحاح حتى إنه قلّما يقع المرء على كتاب في التراث يخلو من خبر للأصمعي مع الأعراب.

ومما أغنى علمه خزانة كتبه الواسعة التي جمع فيها أصول علمه ومروياته. يتبين من هذا أن علم الأصمعي لم يكن علم سماع من الأعراب ورواية فحسب، بل إنه كان مع ذلك علم درس ودراية، وقد قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا.

استقدمه الرشيد إلى بغداد لِمَا بلغه من علمه وفضله واتساع درايته للغة، وروايته لأنساب العرب وأيامها، واتخذه سميره ومؤدِّب نجله الأمين. وكان خفيف الروح ظريف النادرة إلى مزح يحرك الرصين ويضحك الحزين.

كان الصدق لسان حال الأصمعي لغة ورأياً ومحبة للعربية، شهد له بذلك الشافعي: «ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي»، وقال إسحاق الموصلي، وكان عدوه، والفضل ما شهدت به الأعداء: «لم أرَ الأصمعي يدعي شيئاً من العلم فيكون أحد أعلم به منه»، وقال أبو داود:«صدوق، وكان يتقي أن يفسر القرآن»، وقال المبرِّد: «كان الأصمعي بحراً في اللغة، ولا يُعرف مثلُه فيها وفي كثرة الرواية». ولم يكن أولئك الأئمة إلى غلوٍّ في مقالاتهم هذه، فقد عُرف عنه أنه كان ضابطاً محققاً، يتحرى اللفظ الصحيح، ويتلمس أسرار اللغة ودقائقها، ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه علماء اللغة ولا يجيز إلا أفصح اللغات، يسعفه في ذلك حافظة وقادة، وصبر أهل العلم وجلدُهم، وعنه أنه قال: «حفظت ستة عشر ألف أرجوزة»، فكثر لـذلك خصومـه كأبـي عبيدة معمر بـن المثنى (ت 211هـ) وإسـحاق الموصلي (ت 235هـ) وأضرابِهم، والمعاصرة، كما قيل، حجابٌ، واختلاف الهوى عدوانٌ، وشر عداوة الناس عداوة الصناعة، وهذا يفسر العداوة بين الأصمعي ومعاصره أبي عبيدة، فقد كان الأصمعي اتباعياً يمجّد السلف وآثاره، ويروي هائماً مفتوناً أشعارَه وأخبارَه، وقد عرف عن أبي عبيدة أنه كان شعوبياً يبغض العرب وصنّف كتاباً في مثالبهم.

روى عن الأصمعي ابن أخيه عبد الرحمن بـن عبد الله، وأبو عبيد القاسم بـن سلاّم (ت 224هـ)، وأبو حاتم السجستاني (ت 248هـ)، وأبو الفضل الرياشي (ت 257هـ)، واليزيدي (ت 260هـ) وطائفة. ولعل في أولئك التلاميذ العلماء أنصعَ دلالة على جلالة قدر شيخهم.

ترك الأصمعي تراثاً جمّاً من التصانيف الجياد، عدّتُها تزيد على الثلاثين، منها: خلق الإنسان، الأجناس، الأنواء، الخيل، الشاء، الوحوش، اشتقاق الأسماء، الأضداد، اللغات، القلب والإبدال، فحولة الشعراء: وقد رواه عنه تلميذه السجستاني، وفيه نظرات لطيفة في تقو يم الشعر والشعراء، ولعلّ أجلّ آثاره «الأصمعيات» وهو اختيارات شعرية انتخبها من عيون الشعر العربي، تصوّر الحياة الأدبية أدق تصوير، في عاداتها وأفكارها وتقاليدها. على أن قيمته اللغوية أعلى من قيمته الفنية إذ حفظ لنا تراثاً لغوياً قلما تخلو منه كتب اللغة والأدب. بَلْهَ ما يزال الأصمعي مضرب المثل في الفصاحة وسعة الرواية حتى يومنا. 

مات في خلافة المأمون في البصرة، وأكثرت الشعراء رثاءه، من ذلك ما قاله أبو العالية الشامي:

لا دَرَّ دَرُّ نباتِ الأرضِ إذ فُجِعَت    بالأصمعيِّ لقد أبقت لنا أسفا

عشْ ما بدا لك في الدنيا فلست ترى   في الناس منه ولا في علمه خلفا

ورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

"أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، المعروف بالأصمعي الباهلي، وإنما قيل له الباهلي وليس في نسبه اسم باهلة لأن باهلة اسم امرأة مالك بن أعصر، وقيل إن باهلة ابن أعصر.

كان الأصمعي المذكور صاحب لغة ونحو، وإماماً في الأخبار والنوادر والملح والغرائب، سمع شعبة بن الحجاج والحمادين ومسعر بن كدام وغيرهم، وروى عنه عبد الرحمن ابن أخيه عبد الله وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي وغيرهم، وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد في أيام هارون الرشيد.

قيل لأبي نواس: قد أحضر أبو عبيدة والأصمعي إلى الرشيد، فقال: أما أبو عبيدة فإنهم إن أمكنوه قرأ عليهم أخبار الأولين والآخرين، وأما الأصمعي فبلبل يطربهم بنغماته.

وقال عمر بن شبة: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة. وقال إسحاق الموصلي: لم أر الأصمعي يدعي شيئاً من العلم فيكون أحد أعلم به منه.

" وحكى محمد بن هبيرة قال: قال الأصمعي للكسائي وهما عند الرشيد: ما معنى قول الراعي:

قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً

 

ودعا فلم أر مثله مـخـذولا

قال الكسائي: كان محرماً بالحج، قال الأصمعي: ما أراد عدي بن زيد بقوله:

قتلوا كسرى بليلٍ محرماً

 

فتولى لم يمتع بكـفـن

هل كان محرماً بالحج؟ وأي إحرامٍ لكسرى؟ فقال الرشيد للكسائي: إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي. قال الأصمعي: قوله " محرماً " في حرمة الإسلام ومن ثم قتل مسلماً محرماً، أي لم يحل في نفسه شيئاً يوجب القتل؛ وقوله " محرماً " في كسرى يعني حرمة العهد الذي كان في عنق أصحابه ".وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي، رضي الله عنه، يقول: ما عبر أحد من العرب بأحسن من عبارة الأصمعي. وقال أبو أحمد العسكري: لقد حرص المأمون على الأصمعي وهو بالبصرة أن يصير إليه فلم يفعل واحتج بضعفه وكبره، فكان المأمون يجمع المشكل من المسائل ويسيرها إليه ليجيب عنها.

وقال الأصمعي: حضرت أنا وأبوعبيدة معمر بن المثنى عند الفضل بن الربيع فقال لي: كم كتابك في الخيل؟ فقلت: جلد واحد، فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال: خمسون مجلدة، فقال له: قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً عضواً منه وسمه، فقال: لست بيطاراً، وإنما هذا شيء أخذته عن العرب، فقال لي: قم يا أصمعي وافعل ذلك، فقمت وأمسكت ناصيته وشرعت أذكر عضواً عضواً وأضع يدي عليه وأنشد ما قالت العرب فيه، إلى أن فرغت منه، فقال: خذه، فأخذته، وكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبته إليه. وقد روي من طريق أخرى أن ذلك كان عند هارون الرشيد، وأن الأصمعي لما فرغ من كلامه في أعضاء الفرس قال الرشيد لأبي عبيدة: ما تقول فيما قال؟ قال: أصاب في بعض وأخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه، والذي أخطأ فيه ما أدري من أين أتى به.

وكن شديد الإحتراز في تفسير الكتاب والسنة، فإذا سئل عن شيء منهما يقول: العرب تقول معنى هذا كذا، ولا أعلم المراد منه في الكتاب والسنة أي شيء هو.

وأخباره ونوادره كثيرة، " حدث محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد هارون ومجلسه حافل، فقال: يا أصمعي، ما أغفلك عنا وأجفاك لحضرتنا! قلت: والله يا أمير المؤمنين ما لاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، قال: فأمرني بالجلوس، فجلست وسكت عني، فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت للقيام، فأشار إلي أن اجلس فجلست حتى خلا المجلس ولم يبق غيري ومن بين يديه من الغلمان، فقال: يا أبا سعيد، ما معنى قولك ما لاقتني بلاد بعدك؟ قلت: ما أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت قول الشاعر:  

كفاك كف ما تلـيق درهـمـا

 

جوداً، وأخرى تعط بالسيف دما

أي: ما تمسك درهماً، فقال: أحسنت، وهكذا فكن، وقرنا في الملا، وعلمنا في الخلا، فإنه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالماً، إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذ لم أجب، وإما أن أجيب بغير الجواب فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلت، قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.

وحكى المبرد أيضاً قال: مازح الرشيد أم جعفر فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر؟ فاغتمت لذلك ولم تفهم معناه، فأنفذت إلى الأصمعي تسأله عن ذلك، فقال: الجعفر النهر الصغير، وإنما ذهب إلى هذا، فطابت نفسها.

وقال أبو بكر النحوي: لما قدم الحسن بن سهل العراق قال: أحب أن أجمع قوماً من أهل الأدب، فأحضر أبا عبيده والأصمعي ونصر بن علي الجهضمي، وحضرت معهم فابتدأ الحسن فنظر في رقاعٍ بين يديه للناس في حاجاتهم، فوقع عليها، فكانت خمسين رقعة ثم أمر فدفعت إلى الخازن، ثم أقبل علينا فقال: قد فعلنا خيراً، ونظرنا في بعض ما نرجو نفعه من أمور الناس والرعية، فنأخذ الآن في ما نحتاج إليه، فأفضنا في ذكر الحفاظ، فذكرنا الزهري وقتادة ومررنا، فالتفت أبو عبيدة فقال: ما الغرض أيها الأمير في ذكر من مضى وبالحضرة ها هنا من يقول ما قرأ كتاباً قط فاحتاج إلى أن يعود فيه ولا دخل قلبه شيء فخرج عنه؟ فالتفت الأصمعي وقال: إنما يريدني بهذا القول أيها الأمير، والأمر في ذلك على ما حكى، وأنا أقرب إليك، قد نظر الأمير فيما نظر فيه من الرقاع، وأنا أعيد ما فيها وما وقع به على الأمير على رقعة رقعة، قال: فأمر وأحضرت الرقاع، فقال الأصمعي: سأل صاحب الرقعة الأولى كذا، واسمه كذا، فوقع له بكذا، والرقعة الثانية والثالثة حتى مر في نيف وأربعين رقعة، فالتفت إليه نصر بن علي فقال: أيها الرجل، أبق على نفسك من العين، فكف الأصمعي.

وحكي عن عباس بن الفرج قال: ركب الأصمعي حماراً دميماً، فقيل له: بعد براذين الخلفاء تركب هذا؟ فقال متمثلاً:  

ولما أبت إلا انصرامـاً لـودهـا

 

وتكديرها الشرب الذي كان صافياً

شربنا برنقٍ من هواهـا مـكـدرٍ

 

وليس يعاف الرنق من كان صادياً

هذا وأملك ديني أحب إلي من ذاك مع فقده.

وقال الأصمعي: ذكرت يوماً للرشيد نهم سليمان بن عبد الملك، وقلت: إنه كان يجلس ويحضر بين يديه الخراف المشوية وهي كما أخرجت من تنانيرها، فيريد أخذ كلاها فتمنعه الحرارة، فيجعل يده على طرف جبهته ويدخلها في جوف الخروف فيأخذ كلاه، فقال لي: قاتلك الله ما أعلمك بأخبارهم! اعلم أنه عرضت علي ذخائر بني أمية، فنظرت إلى ثياب مذهبة ثمينة وأكمامها ودكة بالدهن، فلم أدر ما ذلك حتى حدثتني بالحديث، ثم قال: علي بثياب سليمان، فأتي بها، فنظر إلى تلك الآثار فيها ظاهرة فكساني منها حلة، وكان الأصمعي ربما خرج فيها أحياناً فيقول: هذه جبة سليمان التي كسانيها الرشيد.

وحكي عنه قال: رأيت بعض الأعراب يفلي ثيابه، فيقتل البراغيث ويدع القمل فقلت: يا إعرأبي، ولم تصنع هذا؟ فقال: أقتل الفرسان ثم أعطف على الرجالة ".

وكان جده علي بن أصمع سرق بسفوان فأتوا به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: جيئوني بمن يشهد أنه أخرجها من الرحل، قال ك فشهد عليه بذلك عنده، فأمر به فقطع من أشاجعه، فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا قطعته من زنده، فقال: يا سبحان الله، كيف يتوكأ؟ كيف يصلي؟كيف يأكل؟ فلما قدم الحجاج بن يوسف البصرة أتاه علي بن أصمع فقال: أيها الأمير، إن أبوي عقاني فسمياني علياً، فسمني أنت، فقال: ما أحسن ما توسلت به، قد وليتك سمك البارجاه، وأجريت لك في كل يوم دانقين فلوساً، ووالله لئن تعديتهما لأقطعن ما أبقاه علي من يدك.

وكانت ولادة الأصمعي سنة اثنتين، وقيل ثلاث وعشرين ومائة. وتوفي في صفر سنة ست عشرة، وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة وقيل سبع عشرة ومائتين بالبصرة، وقيل بمرو، رحمه الله تعالى.

وقال الخطيب أبو بكر: بلغني أن الأصمعي عاش ثمانياً وثمانين سنة. ومولد أبيه قريب سنة ثلاث وثمانين للهجرة، ولم أقف على تاريخ وفاته، رحمه الله تعالى.

قال أبو العيناء: كنا في جنازة الأصمعي، فجذبني أبو قلابة حبيش بن عبد الرحمن الجرمي وقيل حبيش بن منقذ، قاله المرزباني فيه " المعجم "، الشاعر فأنشدني لنفسه:  

لعن الله أعظماً حملـوهـا

 

نحو دار البلى على خشباتِ

أعظماً تبغض النبي وأهـل

 

البيت والطيبين والطيبـات

قال: وجذبني أبو العالية الشامي وأنشدني واسم أبي العاليه الحسن بن مالك:

لا در در بنات الأرض إذ فجعـت

 

بالأصمعي لقد أبقت لنـا أسـفـا

عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى

 

في الناس منه ولا من علمه خلفـاً

قال: فعجبت من اختلافهما فيه.

وللأصمعي من التصانيف كتاب "خلق الإنسان "وكتاب " الأجناس" وكتاب " الأنواء" وكتاب " الهمز" وكتاب " المقصور والمدود " وكتاب " الفرق " وكتاب " الصفات " وكتاب " الأبواب " وكتاب "الميسر والقداح " وكتاب " خلق الفرس " وكتاب " الخيل " وكتاب " الإبل " وكتاب " الشاء " وكتاب " الأخبية " وكتاب " الوحوش " وكتاب " فعل وأفعل " وكتاب " الأمثال " وكتاب " الأضداد " وكتاب " الألفاظ " وكتاب " السلاح " وكتاب " اللغات " وكتاب " مياه العرب " وكتاب " النوادر " وكتاب " أصول الكلام " وكتاب " القلب والإبدال " وكتاب " جزيرة العرب " وكتاب " الاشتقاق " وكتاب " معاني الشعر " وكتاب " المصادر " وكتاب " الأراجيز " وكتاب " النخلة " وكتاب " النبات " وكتاب " ما اتفق لفظه واختلف معناه " وكتاب " غريب الحديث " وكتاب " نوادر الاعراب " وغير ذلك.

وجاء في "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

"هو الامام العلامة الحافظ حجة الأدب لسان العرب أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس ابن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأصمعي البصري اللغوي الأخباري أحد الأعلام يقال اسم أبيه عاصم ولقبه قريب.

ولد سنة بضع وعشرين ومئة.

وحدث عن ابن عون وسليمان التيمي وأبي عمرو بن العلاء وقرة بن خالد ومسعر بن كدام وعمر بن أبي زائدة وشعبة ونافع بن أبي نعيم وتلا عليه وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة وسلمة بن بلال وشبيب بن شيبة وعدد كثير لكنه قليل الرواية للمسندات.

حدث عنه أبو عبيد ويحيى بن معين و إسحاق بن إبراهيم الموصلي وسلمة بن عاصم وزكريا بن يحيى المنقري وعمر بن شبة وأبو الفضل الرياشي وأبو حاتم السجستاني ونصر بن علي وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله الأصمعي وأبو حاتم الرازي وأحمد ابن عبيد أبو عصيدة وبشر بن موسى والكديمي وأبو العيناء وأبو مسلم الكجي وخلق كثير.

عباس الدوري عن يحيى بن معين عن الأصمعي قال سمع مني مالك بن أنس.

وقد اثنى أحمد بن حنبل على الأصمعي في السنة .

قال الأصمعي قال لي شعبة لو تفرغت لجئتك.

قال إسحاق الموصلي دخلت على الأصمعي أعوده فإذا قمطر. فقلت هذا علمك كله فقال إن هذا من حق لكثير.

وقال ثعلب قيل للأصعمي كيف حفظت ونسوا قال درست وتركوا.

قال عمر بن شبة سمعت الأصعمي يقول أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة.

وقال محمد بن الأعرابي شهدت الأصمعي وقد أنشد نحوا من مئتي بيت ما فيها بيت عرفناه.

قال الربيع سمعت الشافعي يقول ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي.

وعن ابن معين قال كان الأصمعي من أعلم الناس في فنه.وقال أبو داود صدوق.

قال أبو داود السنجي سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله عليه السلام "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار".

وقال نصر الجهضمي كان الأصمعي يتقي أن يفسر الحديث كما يتقي أن يفسر القرآن.

قال المبرد كان الأصمعي بحرا في اللغة لا نعرف مثله فيها وكان أبو زيد أنحى منه.

قيل لأبي نواس قد أشخص الأصمعي وأبو عبيدة على الرشيد فقال أما أبو عبيدة فإن مكنوه من سفره قرأ عليهم علم أخبار الأولين والآخرين وأما الأصمعي فبلبل يطربهم بنغماته. قال أبو العيناء قال الأصمعي دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل ابن الربيع فقال يا أصمعي كم كتابك في الخيل قلت جلد. فسأل أبا عبيدة عن ذلك فقال خمسون جلداً فأمر باحضإر الكتابين وأحضر فرساً فقال لأبي عبيدة اقرأ كتابك حرفاً حرفاً وضع يدك على موضع موضع قال لست ببيطار إنما هذا شيء أخذته من العرب فقال لي قم فضع يدك فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي ثم وثبت فأخذت بأذن الفرس ثم وضعت يدي على ناصيته فجعلت أقبض منه بشيء شيء وأقول هذا اسمه كذا وأنشد فيه حتى بلغت حافره فأمر لي بالفرس فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته.

وعن ابن دريد أن الأصمعي كان بخيلاً ويجمع أحاديث البخلاء .

وقال محمد بن سلام كنا مع أبي عبيدة بقرب دار الأصمعي فسمعنا منها ضجة فبادر الناس ليعرفوا ذلك فقال أبو عبيدة إنما يفعلون هذا عند الخبز كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفاً.

وعن الأصمعي قال نلت ما نلت بالملح.

قلت كتبت شيئاً لا يحصى عن العرب وكان ذا حفظ وذكاء ولطف عبارة فساد.

وروى ثعلب عن أحمد بن عمر النحوي قال قدم الحسن بن سهل فجمع أهل الأدب وحضرت ووقع الحسن على خمسين رقعة وجرى ذكر الحفاظ فذكرنا الزهري وقتادة فقال الأصمعي فأنا اعيد ما وقع به الأمير على التوالي فأحضرت الرقاع فقال صاحب الرقعة الأولى كذا وكذا واسمه كذا وكذا ووقع له بكذا وكذا والرقعة الثانية كذا والثالثة حتى مر على نيف وأربعين رقعة فقال نصر بن علي الجهضمي أيها المرء أبق على نفسك من العين.

وقد روي نحوها من وجه آخر وقال حسبك لا تقتل بالعين وقال يا غلام احمل معه خمسين ألفاً.

قال عمرو بن مرزوق رأيت الأصمعي وسيبويه يتناظران فقال يونس الحق مع سيبويه وهذا يغلبه بلسانه.

وروي عن الأصمعي أن الرشيد أجازه مرة بمئة ألف.

وتصانيف الأصمعي ونوادره كثيرة وأكثر تواليفه مختصرات وقد فقد أكثرها.

قال خليفة وأبو العيناء مات الأصمعي سنة خمس عشرة ومئتين.

وقال محمد بن المثنى والبخاري سنة ست عشرة .

ويقال عاش ثمانياً وثمانين سنة رحمه الله"..