عمرو بن كلثوم

توفي 584 م

عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب، أبو الأسود، بن سعد بن زهير التغلبي، ينتهي نسبه بمعد بن عدنان، كان شاعراً فارساً عاش في الجاهلية وتزعم قبيلة تغلب وهو في الخامسة عشرة من العمر.

ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة وتجوّل فيها وفي الشام و
العراق ونجد.

اشتهر عمرو بن كلثوم بقتله الملك عمرو بن هند، وقد نبغ عمرو بن كلثوم صغيراً ودانت له رقاب صناديد القبيلة اعترافاً بنبوغه المبكر، أما السبب في قتله عمرو بن هند فقد رُوي أن هذا الملك سأل جلاسه قائلا: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي قالوا: لا نعلم إلا ليلى بنت
المهلهل بن ربيعة أم عمرو بن كلثوم سيد قبيلة تغلب، فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يصحب معه أمه فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة في جماعة من قومه وأمه معه ودخل على الملك في رواقه بين الحيرة والفرات، أما أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة فقد دخلت على أم الملك هند في قبتها، وهي عمة امرئ القيس الشاعر المشهور، ولما حان وقت الطعام قالت هند لليلى ناوليني ذلك الطبق. فقالت لتقم صاحبة الحاجة إليه، فأعادت عليها وألحت فصاحت ليلى قائلة: وا ذلاه يا لتغلب، فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم فاختطف سيفا لعمرو بن هند وضرب به رأسه حتى مات ونادى قومه فنهبوا جميع ما في ذلك الرواق، وساقوا إبله وعادوا إلى الجزيرة وقد قاسى التغلبيون الكثير من العناء بعد هذه الحادثة وطاردهم المناذرة وضيقوا عليهم، فتوجهوا نحو الغساسنة في الشام، وما لبثوا أن اختلفوا معهم واندلعت الحرب بين الفريقين.

بقي عمرو بن كلثوم يصول ويجول بين القبائل العربية يثير الحماسة والجرأة في نفوس أبناء قبيلته حتى اصطدم بقبيلة بني حنيفة في اليمامة، وعلى رأسها فارسها الصلب المقدام يزيد بن عمرو بن شمر فتنازلا وكانت الغلبة ليزيد بن عمرو فقد سدد نحوه طعنة نجلاء وانقض عليه وأسره وسار به حتى بلغ قصراً من قصور القبيلة فأنزله فيه ونحر له وكساه، فقد كانت قبائل نجد كلها تعرف مكانة هذا الشاعر الفارس المقدام.

توفي في الجزيرة الفراتية.

من أشهر شعره
معلقته التي مطلعها : ألا هبي بصحنك فاصبحينا .....، يقال: إنها في نحو ألف بيت وإنما بقي منها ما حفظه الرواة، وفيها من الفخر والحماسة العجب.

قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان. وأم عمرو بن كلثوم ليلى بنت مهلهل أخي كليب، وأمها بنت بعج بن عتبة بن سعد بن زهير .

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني العكلي عن العباس بن هشام عن أبيه عن خراش بن إسماعيل عن رجل من بني تغلب ثم من بني عتاب قال: سمعت الأخذر وكان نسابة يقول: لما تزوج مهلهل بنت بعج بن عتبة أهديت إليه، فولدت له ليلى بنت مهلهل. فقال مهلهل لامرأته هند: اقتليها. فأمرت خادماً لها أن تغيبها عنها. فلما نام هتف هاتف يقول:

كم من فتـى يؤمـل

 

وسـيد شـمـردل

وعدةٍ لا تـجـهـل

 

في بطن بنت مهلهل

واستيقظ فقال: يا هند أين بنتي؟ قالت: قتلتها. قال: كلا وإله ربيعة! فكان أول من حلف بها فاصدقيني، فأخبرته. فقال: أحسني غداءها. فتزوجها كلثوم بن مالك بن عتاب. فلما حملت بعمرو بن كلثوم قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:

يا لك ليلى من ولد

 

يقدم إقدام الأسـد

من جشمٍ فيه العدد

 

أقول قيلاً لا قند

فولدت غلاماً فسمته عمراً. فلما أتت عليه سنة قالت أتاني ذلك الآتي في الليل أعرفه، فأشار إلى الصبي وقال:

إني زعيم لك أم عـمـرو

 

بماجد الجد كريم النـجـر

أشجع من ذي لبدٍ هـزبـر

 

وقاص أقرانٍ شديد الأسر

يسودهم في خمسةٍ وعشر

 

 

قال الأخذر: فكان كما قال ساد وهو ابن خمسة عشر، ومات وله مائة وخمسون سنة .

قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ؟. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:

ألا هبي بصحنك فاصبحينا

تعظيم تغلب بقصيدته المعلقة: وكان قام بها خطيباً بسوق عكاظ وقام بها في موسم مكة. وبنو تغلب تعظمها جداً ويرويها صغارهم وكبارهم، حتى هجوا بذلك؛ قال بعض شعراء بكر بن وائل:

ألهى بني تغلبٍ عن كل مكرمةٍ

 

قصيدة قالها عمرو بن كلثـوم

يروونها أبداً مذ كان أولـهـم

 

يا للرجال لشعرٍ غير مسـؤوم

فخر شعراء تغلب بقتله عمرو بن هند: وقال الفرزدق يرد على جرير في هجائه الأخطل:

ما ضر تغلب وائلٍ أهجوتها

 

أم بلت حيث تناطح البحران

 

قوم هم قتلوا ابن هنـدٍ عـنـوةً

 

عمراً وهم قسطوا على النعمان

 

 

 

 

 

 

وقال أفنون صريم التغلبي يفخر بفعل عمرو بن كلثوم في قصيدةٍ له:

لعمرك ما عمرو بن هندٍ وقد دعا

 

لتخدم ليلـى أمـه بـمـوفـق

فقام ابن كلثومٍ إلى السيف مصلتاً

 

فأمسك من ندمائه بالمـخـنـق

وجلله عمرو على الرأس ضربةً

 

بذي شطبٍ صافي الحديدة رونق

قال: وكان لعمرو أخ له مرة بن كلثوم، فقتل المنذر بن النعمان وأخاه. وإياه عنى الأخطل بقوله لجرير:

أبني كليبٍ إن عمي اللـذا

 

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وكان لعمرو بن كلثوم ابن يقال له عباد، وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس. ولعمرو بن كلثوم عقب باق، ومنهم كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر صاحب الرسائل .

أغار على بني تميم ثم انتهى إلى بني حنيفة فأسره يزيد بن عمرو ثم أطلقه فمدحه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابي قال: أغار عمرو بن كلثوم التغلبي على بني تميم ثم مر من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا؛ وكان فيمن أصاب أحمد بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع به أهل حجر ؛ فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر. فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز فقال:

من عاذ مني بعدها فلا اجتـبـر

 

ولا سقى الماء ولا أرعى الشجر

بنو لجيمٍ وجعـاسـيس مـضـر

 

بجانب الدو يدهدون الـعـكـر

فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره. وكان يزيد شديداً جسيماً، فشده في القد وقال له: أنت الذي تقول:

متى تعقد قرينتنا بحـبـلٍ

 

تجد الحبل أو تقص القرينا

أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يل لربيعة! أمثلة !. قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه ولم يكن يريد ذلك به. فسار به حتى أتى قصراً بحجرٍ من قصورهم، وضرب عليه قبة ونحر له وكساه وحمله على نجيبه وسقاه الخمر. فلما أخذت برأسه تغنى:

أأجمع صحبتي السحر ارتحالاً

 

ولم أشعر ببينٍ منـك هـالا

ولم أر مثل هالة في مـعـدٍ

 

أشبه حسنهـا إلا الـهـلالا

ألا أبلغ بني جشم بن بـكـرٍ

 

وتغلب كلمـا أتـيا حـلالا

بأن الماجد القرم ابن عمـرٍو

 

غداة نطاع قد صدق القتـالا

كتيبتـه مـلـمـلـمة رداح

 

إذا يرمونها تفني الـنـبـالا

جزى الله الأغر يزيد خـيراً

 

ولقاه المسرة والـجـمـالا

بمأخذه ابن كلثوم بن عمـرٍو

 

يزيد الخير نـازلـه نـزالا

بجمعٍ من بني قـران صـيدٍ

 

يجيلون الطعـان إذا أجـالا

يزيد يقدم السفـراء حـتـى

 

يروي صدرها الأسل النهالا

حواره مع عمرو بن أبي حجر الغساني حين مر ببني تغلب فلم يكرموه: أخبرني علي بن سليمان قال أخبرنا الأحول عن ابن الأعرابي قال: زعموا أن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء فلحقوا بالشام خوفاً منه. فمر بهم عمرو بن أبي حجر الغساني، فتلقاه عمرو بن كلثوم. فقال له: يا عمرو، ما منع قومك أن يتلقوني ؟! فقال له: يا عمرو يا خير الفتيان، فإن قومي لم يستيقظوا لحربٍ قط إلا علا فيها أمرهم واشتد شأنهم ومنعوا ما وراء ظهورهم. فقال له: أيقاظ نومةٍ ليس فيها حلم، أجتث فيها أصولهم، وأنفى فلهم إلى اليابس الجرد، والنازح الثمد. فانصرف عمرو بن كلثوم وهو يقول:

ألا فاعلم أبيت اللعن أنـا

 

على عمدٍ سناتي ما نريد

تعلم لأن محملنا ثـقـيل

 

وأن زناد كبتنـا شـديد

وأنا ليس حي من معـدٍ

 

يوازينا إذا لبس الحـديد

هجاؤه للنعمان بن المنذر: قال: وقال ابن الأعرابي: بلغ عمرو بن كلثومٍ أن النعمان بن المنذر يتوعده، فدعا كاتباً من العرب فكتب إليه:

ألا أبلغ النعمان عني رسـالةً

 

فمدحك حولي وذمك قـارح

متى تلقني في تغلب ابنة وائلٍ

 

وأشياعها ترقى إليك المسالح

وهجا النعمان بن المنذر هجاءً كثيراً، منه قوله يعيره بأمه سليمى:

حلت سليمى بخبتٍ بعد فرتـاج

 

وقد تكون قديماً في بني نـاج

إذ لا ترجي سليمى أن يكون لها

 

من بالخورنق من قينٍ ونسـاج

ولا يكون على أبوابهـا حـرس

 

كما تلفف قبـطـي بـديبـاج

تمشي بعدلين من لؤمٍ ومنقـصةٍ

 

مشي المقيد في الينبوت والحاج

قال وقال في النعمان:

لحا الله أدنانا إلى اللـؤم زلـفة

 

وألامنا خالاً وأعجـزنـا أبـا

وأجدرنا أن ينفخ الكير خـالـه

 

يصوغ القروط والشنوف بيثربا

وفاته ونصيحته لبنيه: أخبرني الحسين بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن المغيرة عن ابن الكلبي عن رجل من النمر بن قاسط قال: لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض. 

المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

من قصائده:..