المنتخل الهذلي

هو أبو أثيلة ، مالك بن عويمر بن عثمان بن خُنيس الهُذلي ، من مضر . شاعر من نوابغ هذيل أثبت له صاحب الاغاني جزءًا من قصيدة قالها في رثاء ابنه أثيلة . وقال عنه الآمدي إنه شاعر محسن . أما الاصمعي فقال عنه إنه صاحب أجود قصيدة طائية قالتها العرب .

يستهل قصيدته " ليس لميت بوصيل " بذكر الاطلال فيشبهها بالوشم في المعصم ، وذكر الريح التي تعصف بها، وانتقل الى الدمع الذي يسيل من مآقيه فيشبهها بالماء المنهال من القربة . ثم يتعرض الى ظعائن الحبيبة ويقرنها بالنخيل ويستطرد واصفاً الحبيبة في ثغرها واسنانها . ويشير بعدئذ الى وقع البرق في نفسه وما يثيره من حنين ويتمثل المطر وشدته واقطلاعه للاشجار وهرب البهائم واختبائها من دونه . ويميل فجأة الى الحديث عن القوس الشبيهة بالخلخال من كل عطب ، المصوتة كأصوات الزنابير، ويتخذ من قوسه وسيلة لاظهار بطولته. وينهي القصيدة بأفكار وعظية .

في قصيدة اخرى له هي " عرفت بأجوثٍ فنعاف عرقٍ " يتحدث عن الاطلال والشباب الذابل وانصراف الغواني عنه ويحن الى ايام اللهو والخمرة " المشعشعة في الاناء " . ثم ينتقل الى الفخر بنفسه وبكرمه واستبساله في القتال وصونه الاعراض .

أما قصيدته في رثاء ابنه أثيلة فكلها تفجع وتغنٍ بفضائل ولده ، لكنها لم تبلغ في تفجعها مبلغ المهلهل والخنساء وابن الصمة على اخوانهم .

ورد في كتاب "الأغاني" للأصفهاني:

"المتنخل لقب، واسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن سويد بن حبيش ، بن خناعة بن الديل بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.

هذه رواية ابن الكلبي وأبي عمرو.


وروى السكري عن الرياشي عن الأصمعي، وعن ابن حبيب، عن أبي عبيدة وابن الأعرابي: أن اسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن حبيش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هذيل، ويكنى أبا أثيلة.


من شعراء هذيل فحولهم وفصحائهم.


وهذه القصيدة يرثي بها ابنه أثيلة، قتلته بنو سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.


وكان من خبر مقتله فيما ذكر أبو عمرو الشيباني: أنه خرج في نفر من قومه يريد الغارة على فهم، فسلكوا النجدية ، حتى إذا بلغوا السراة أتاه رجل فقال: أين تريدون؟ قالوا : نريد فهماً فقال: ألا أدلكم على خير من ذلكم ، وعلى قوم دارهم خير من دار فهم ؟ هذه دار بني حوف عندكم، فانصبوا عليهم على الكداء حتى تبيتوا بني حوف. فقبلوا منه وانحرفوا عن طريقهم، وسلكوا في شعب في ظهر الطريق حتى نفذوه، ثم سلكوا على السمرة، فمروا بدار " بني قريم " بالسرو وقد لصقت سيوفهم بأغمادهم من الدم، فوجدوا إياس بن المقعد في الدار، وكان سيداً، فقال: من أين أقبلتم؟ فقالوا: أتينا بني حوف، فدعا لهم بطعام وشراب، حتى إذا أكلوا وشربوا دلهم على الطريق وركب معهم، حتى أخذوا سنن قصدهم، فأتوا بني حوف، وإذا هم قد اجتمعوا مع بطن من فهم للرحيل عن دارهم فلقيهم أول من الرجال على الخيل فعرفوهم، فحملوا عليهم وأطردوهم ورموهم، فأثبتوا أثيلة جريحاً ومضوا لطيتهم. وعاد إليه أصحابه فأدركوه ولا تحامل به، فأقاموا عليه حتى مات، ودفنوه في موضعه.


فلما رجعوا سألهم عنه المتنخل ، فدامجوه وستروه.


ثم أخبره بعضهم بخبره، فقال يرثيه:

 

ما بال عينك تبكي دمعها خضـل

 

كما وهي سرب الأخراب منبزل

لا تفتأ الدهر من سـح بـأربـعة

 

كأن إنسانها بالصاب مكـتـحـل

تبكي على رجل لم تبـل جـدتـه

 

خلى عليها فجاجاً بينهـا خـلـل

وقد عجبت وهل بالدهر من عجب

 

أني قتلت وأنت الحازم البطـل؟

 

ويل أمه رجلاً تأبى به غبناً

 

إذا تجرد لا خال ولا بخل

 

- خال: من الخيلاء. ويروى: خذل -.

 

السالك الثغرة اليقظان كـالـئهـا

 

مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل

والتارك القرن مصفراً أنـامـلـه

 

كأنه من عقار قـهـوة ثـمـل

مجدلاً يتـسـقـى جـلـده دمـه

 

كما يقطر جذع الدومة القـطـل

ليس بعل كبـير لا شـبـاب بـه

 

لكن أثيلة صافي الوجه مقتـبـل

يجيب بعد الكرى لـبـيك داعـيه

 

مجذامة لهواه قلـقـل عـجـل

حلو ومر كعطف القدح مـرتـه

 

في كل آن أتاه اللـيل ينـتـعـل

فاذهب فأي فتىً في الناس أحرزه

 

من حتفه ظلم دعـج ولا جـبـل

فلو قتلت ورجلي غير كـارهة ال

 

إدلاج فيها قبيض الشد والنـسـل

إذن لأعملت نفسي في غزاتـهـم

 

أو لابتعثت به نوحـاً لـه زجـل

أقول لما أتاني الـنـاعـيان بـه:

 

لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل

رمح لنا كان لم يفلل نـنـوء بـه

 

توفى به الحرب والعزاء والجلل

رياء شماء لا يدنو لـقـلـتـهـا

 

إلا السحاب وإلا النوب والسـبـل

 

وقال أبو عمرو الشيباني: كان عمرو بن عثمان، أبو المتنخل يكنى أبا مالك، فهلك، فرثاه المتنخل فقال:

 

ألا من ينادى أبا مالـك

 

أفي أمرنا أمره أم سواه

فوالله ما إن أبو مـالـك

 

بوان ولا بضعيف قواه

ولا بـألـد لـه نـازع

 

يعادي أخاه إذا ما نهـاه

ولـكـنـه هـين لـين

 

كعالية الرمح عرد نساه

إذا سدته سدت مطواعة

 

ومهما وكلت إليه كفاه

أبو مالك قاصر فقـره

 

على نفسه ومشيع غناه

 

حدثني أبو عبيد الصيرفي قال: حدثنا الفضل بن الحسن البصري قال: حدثنا أحمد بن راشد قال: حدثني عمي سعيد بن هيثم قال: كان أبو جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - إذا نظر إلى أخيه زيد تمثل:

 

لعمرك ما إن أبو مالك

 

بواه ولا بضعيف قواه

ولا بـألـد لـه نـازع

 

يعادي أخاه إذا ما نهاه

ولـكـنـه هـين لـين

 

كعالية الرمح عرد نساه

إذا سدته سدت مطواعة

 

ومهما وكلت إليه كفاه

أبو مالك قاصر فقـره

 

على نفسه ومشيع غناه

 

ثم يقول: " لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد، اللهم اشدد أزري بزيد ".


أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي قال: أجود طائية قالتها العرب قصيدة المتنخل:

 

عرفت بأجدث فنطف عرق

 

علامات كتحبير النـمـاط

كأن مزاحف الحيات فيهـا

 

قبيل الصبح أثار السـياط

 

في هذين البيتين غناء .

 

عجبت بسعي الدهر بيني وبينهـا

 

فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

فيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى

 

وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر

ويا حبها زدني جوى كـل لـيلة

 

ويا سلوة الأيام موعدك الحشـر

أما والذي أبكى وأضحك والـذي

 

أمات وأحيا والذي أمره الأمـر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى

 

أليفين منها لا يروعهما الزجـر

الشعر: لأبي صخر الهذلي. والغناء: لمعبد في الأول والثاني من الأبيات، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، ولابن سريج في الرابع والخامس ثقيل أول ولعريب فيهما أيضاً ثقيل أول أخر، وهو الذي فيه استهلال، وللواثق فيهما رمل، ولابن سريج أيضاً ثاني ثقيل في الثالث وما بعده، عن أحمد بن المكي، وذكر ابن المكي أن الثقيل الثاني بالوسطى لجده يحيى المكي.