صاحب قصة المعيدي من أعلام بني دارم
من الشخصيات البارزة أيام الجاهلية قيل فيه :لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، سيد من سادات بني نهشل بن دارم، أنه ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل.
كان ضمرة بن ضمرة يغير على مسالح، جمع مسلحة - وهي الحامية العسكرية للمناذرة ملوك العرب في ذلك الوقت - وكان أحيانا ينقض على أطراف مملكة المناذرة وينهب منها ماينهب، لذا ارسل المنذر بن المنذر بن أبي النعمان سرايا عسكرية لقتل ضمرة بن ضمرة أو القبض عليه، ولكنها عجزت عن ذلك فقد كان يتحصن بمجاهل الصحراء بحكم خبرته بمسالك الصحراء وبموارد المياه، فهو فارس شجاع لا يقعقع له بالشنان. وأخيراً أضطر المنذر ملك العرب أن يهب ضمرة بن ضمرة ألف من هجائن النعمان المشهورة، وقد جاءت القصة في كتاب أنساب الأشراف كما يلي:
وضمرة هو شقة بن ضمرة بن جابر، كان شاعراً. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن المفضل وغيره قالوا: كان ضمرة بن ضمرة يسمى شقة بن ضمرة، وكان ذا رأي، فبلغ المنذر بن المنذر أبي النعمان بن المنذر قال له: من أنت؟ قال: شقة بن ضمرة. قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. يقول: يعجبك أن تسمع بالمعيدي لا أن تراه، ويقال إنه قال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال شقة: أبيت اللعن، إن القوم ليسوا بجزر أي بغنم تجزر، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق ببيان، وإذا قاتل قاتل بجنان، والرجال لا تكال بالقفزان، فأعجب المنذر بما سمع من منطقه، فسماه ضمرة باسم أبيه، وكان أبوه أثيراً عنده، وكان من رجالات بني تميم، ثم قال له: هل عندك يا ضمرة بن ضمرة علم بالأمور؟ قال: نعم أيها الملك، إني لا نقض منها المفتول، وأبرم المسحول، ثم أجيلها حتى تجول، ثم أنظر إلى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم يكن له نظر في العواقب، قال: صدقت فأخبرني عن الفقر الحاضر، والعجز الظاهر؟ قال: أما الفقر الحاضر فأن يكون الرجل لا يشبع نفسه، ولو كان من ذهب حلسه، وأما العجز الظاهر أن يكون الرجل قليل الحيلة لازماً للحليلة، يطيع قولها ويحوم حولها، إن غضبت ترضاها وإن رضيت فداها، فلا كان ذاك في الأحياء، ولا ولدت مثله النساء. قال المنذر: لله أبوك، فأخبرني عن السوءة السواء، والداء العياء؟ فقال أما السوءة السواء، فالحليلة الصخابة، السليطة السبابة، الخفيفة الوثابة، المخوف غيبها، الكثير عيبها، التي تعجب من غير عجب، وتغضب من غير مغضب، فحليلها لا ينعم باله، ولا تحسن حاله، إن كان مقلاً عيرته بإقلاله، وإن كان ذا مال لم ينتفع بماله، فأراح الله منها أهلها، وأما الداء العياء فجار السوء الذي إن كلمته بهتك، وإن قاولته شتمك، وإن غبت عنه سبعك، فإذا كان جارك فخل له دارك، وعجل منه فرارك، وإن رضيت بالدار فكن كالكلب الهرار، وأقر له بالذل والصغار. قال: صدقت أنت ضمرة بن ضمرة حقاً، وجعله من حداثه وسماره، ودفع إليه إبلاً كانت له، فكانت في يده، وهي هجائنه، وهجائن النعمان ابنه بعده ورثها من أبيه، وكانت من أكرم الإبل، كانت حمراً سود المقل، فأغار يزيد بن الصعق الكلابي على تلك الهجائن، وهي يومئذ للنعمان وكانت في يد ضمرة فأغار ببني دارم على يزيد فاستنفذ الإبل إلا لقائح يسيرة، واسر قيس بن يزيد حتى افتداه يزيد بباقي الإبل وبمائة من الإبل من عنده سواها، فقال ضمرة:
وطوفوا حولها وتمصروها ... فسوف يصيب غرتها الكفيل
إذا عض الأسار يمين قيسٍ ... لدى أبياتنا شفي الغليل
قال أبو عُبيدة: تحالفت أسدٌ وطيء وغَطفان ولَحقت بهم ضَبّة وعديّ فغَزَوْا بني عامر فقتلوهم قَتْلاً شديداً فغَضبتْ بنو تميم لقَتل بني عامر فتجمعوا حتى لحقوا طيِّئاً وغَطَفان وحلَفاءهم من بني ضَبّة وعَدِيّ يوم الجفَار فقُتلت تميمُ أشدَّ ممّا قُتلت عامر يومَ النِّسار. فقال في ذلك بِشرْ بن أبي خاَزم:
غضبتْ تميم أن تقتَّلَ عامرٌ ... يوم النِّسار فأعْتِبوا بالصَّيْلَم
فحلف ضمرة بنِ ضَمْرة النَّهشليّ فقال: الخَمر علي حرام حتى يكونَ له يوم يُكافئه. فأغار على بني أسد، وظفر بهم، فقتلهم في مكان من ديارهم يسمى ذات الشقوق، وقال في ذلك:
الآنَ ساغَ الشَّرابُ ولم أَكُن ... آتي التِّجار ولا أَشُدّ تَكلُّمي
حتى صَبحْت على الشقوق بغارة ... كالتَّمر ينْثر في حَرِير الحُرَّم
وأبأتُ يوماً بالجفَار بمثله .. وأجرت نِصفاً مِن حَديث المَوْسم
ومشتْ نساء كَالظباءَ عواطلاً ... من بين عارفة السباء وأيِّم
ذَهب الرِّماح بزَوْجها فتَرَكْنَه ... في صَدْر معتدل القَناة مُقَوّم
وهو من أيام العرب في الجاهلية، وضمرة بن ضمرة هو القائل:
بكرت تلومك، بعد وهن، في الندى ... بسل عليك ملامتي وعتابي!
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، قال: قال الكلبي: أنْ تُبْسَلَ: أن تجزى. وأصل الإبسال: التحريم, يقال منه: أبسلت المكان: إذا حرمته فلم تقر به.
وجاءت طائفة من بني عطارد إلى ضمرة فمنعهم وأحسن جوارهم حتى آمنو، ثم جاور فيهم يحسنوا جواره، فقال:
إذا كنت في سعد وأمك فيهم ... مقيماً فلا يغررك خالك من سعد
فإن ابن أخت القوم مصغ أناده ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد
إذا ما دعوا كيسان كان كهولهم ... إلى الغدر أمضى من شبابهم المرد
قال: والغدر يسمى عند بني شيبان كيسان.
ويعرف هو وأبوه بالضمرين، وبهذا اللقب ذكرهما الفرزدق في شعره فقال:
وبالعمرين والضمرين نبني... دعـائـم عزهن مشيدات
وضمرة هو أخ الحمراء بنت ضمرة بن جابر النهشلي صاحبة القصة الشهيرة يوم أوارة الثاني حيث قالت:
أني لبنت ضمرة بن جابر ... ساد معدا كابرا عن كابر
أني لأخت ضمرة بن ضمرة ... إذا البلاد لقحت بحمره
أما عن سبب تسميته بالمعيدي، فالمعيدي تصغير معدي، وهو رجل منسوب إلى معد بن عدنان، جد من أجداد العرب عرفت ذريته بأنهم اهل قشف وغلظ في المعاش. قالت العرب: عليكم باللبسة المعدية اي خشونة اللباس, والتمعدد أي الصبر على العيش. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تمعددوا ولا تستنبطوا. وقال أبو بكر: المعيدي تصغير المعدي وهو منسوب إلى معدّ والدال مخففة مكسورة وقوم يثقلون الدال فيقولون بالمُعَيدِّيّ فمن خفّف الدال حذف الدال الأولى من معدّ تخفيفاً واختصاراً ومَنْ شدّدها أخرج الحرف على أصله، وهذا يضرب مثلاً عند الرجل يبلغك عنه أمر جميل فإذا رأيته اقتحمته عينك.
وضَمرَةُ بن ضَمرَة بن جابر النَهشَلي من وجوه شعراء تميم قبل الإسلام، وأمه هند بنت كرب بن صفوان، وكان من ندماء النعمان بن المنذر، في العصر الجاهلي وكان ضئيل الجسم بدويا في الصحراء يرعى الأبل ويعزب بها في الفلاة، وقد ذكره الشاعر النابغة الذبياني بقوله :
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب
ولضمرة بن ضمرة قصيدة تعد من أشهر شعر العرب قبل الإسلام، وقد كتبها ضمرة النهشلي بسؤال من النعمان بن المنذر، قَالَ أَبُو الحسن الأخفش : من أحسن ما قيل فِي ترتيب أسنان النساء , وإن كان شعرا ضعيفا , قول ضمرة للنعمان بْن المنذر وقد سأله عَن وصف النساء:
متى تلق بنت العشر قد نص ثديها كلؤلؤة الغواص يهتز جيدها
تجد لذة منها لخفة روحها وغرتها , والحسن بعد يزيدها
وصاحبة العشرين لا شيء مثلها فتلك التي تلهو بها وتريدها
وبنت الثلاثين الشفاء حديثها هي العيش ما رقت ولا دق عودها
وإن تلق بنت الأربعين فغبطة وخير النساء ودها وولودها
وصاحبة الخمسين فيها بقية من الباه واللذات صلب عمودها
وصاحبة الستين لا خير عندها وفيها ضياع , والحريص يريدها
وصاحبة السبعين إن تلف معرسا عليها فتلكم خزية يستفيدها
وذات الثمانين التي قد تجللت من الكبر الفاني وقد وريدها
وصاحبة التسعين يرعش رأسها وبالليل مقلاق قليل هجودها
ومن طالع الأخرى فقد ضل عقلها وتحسب أن الناس طرا عبيدها
وترجم له الجاحظ في كتابه البرصان والعرجان ترجمة مطولة، افتتحها بقوله: ومن البرصاء الرؤساء والأشراف الشعراء، ومن الرحالين إلى الملوك والحكام من العرب. وكان أبوه ضمرة بن جابر شاعرا أيضا، وكذا ابنه حري بن ضمرة، وحفيده نهشل بن حري بن ضمرة. قال ابن سلام في الطبقات:فنهشل بن حري: شاعر شريف مشهور. وأبوه حري: شاعر مذكور. وجده ضمرة بن ضمرة: شريف فارس شاعر بعيد الذكر كبير الأمر. وأبوه: ضمرة بن جابر: سيد ضخم الشرف بعيد الذكر. وأبوه جابر: له ذكر وشهرة وشرف. وأبو قطن: له شرف وفعال وذكر في العرب. فهم ستة كما ذكرنا، لا أعلم في تميم رهطا يتوالون توالي هؤلاء.
المصادر
أنساب الأشراف للبلاذري
مجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني
سمط اللآلى لابي عبيد البكري
كتاب العقد الفريد لابن عبدربه
البيان والتبيين للجاحظ
الكتاب لسيبويه
الاعلام للزركلي
الزاهر فى معانى كلمات الناس لأبي بكر الأنباري
شعراء النصرانية للويس شيخو
الامالي للزجاج