المقنع الكندي

تو. حوالى 70 هـ/ 960 م

كندة من اشهر واعرق القبائل اليمينة ، موطنها حضرموت وفيها بيت الملك ولها السيادة حقبا من الدهر، لم تعبد في الجاهلية الأصنام ولم تقسم بالازلام ، وفدت وفودها على
الرسول (صلى الله عليه وسلم) طائعة مسلمة ،وقال فيهم (الا أخبركم بخير قبائل العرب ؟ قالوا بلى يارسول الله ،قال :السكون سكون كندة ، والملوك ملوك ردمان

شاعرنا محمد بن ظفر بن عمير بن ابي شمر بن فرعان بن قبس بن الأسود بن عبدالله بن الحارث بن عمرو بن معاوية بن كندة ينتهي نسبه الى يعرب بن قحطان ، لقب بالمقنع بسبب تلثمه خوفا من العين لفرط جماله وبهاء حسنه ، وهو شاعر من العصر الأموي عاصر الوليد بن يزيد وامتدحه ، ويمتاز شعر المقنع برصانة الأسلوب وانتقى الألفاظ والمفردات الشعرية بعناية فائقة تعرب عن تمكنه في صناعة الشعر وسمو مكانه بين شعراء العربية ، ولايكاد يخلو كتاب من كتب الأدب المشهورة من قصيدته الذائعة الصيت التي يرد بها على بني قومه حينما عاتبوه على كثرة أنفاقه والاستدانة في سبيل ذلك يعاتبني في الدين قومي وانما ديواني في أشياء تكسبهم حمدا.

قال أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((المقنع لقب غلب عليه؛ لأنه كان أجمل الناس وجهاً، وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين.

قال الهيثم: كان المقنع أحسن الناس وجهاً، وأمدهم قامة، وأكملهم خلقاً، فكان إذا أسفر لقع - أي أصابته أعين الناس - فيمرض، ويلحقه عنت ؛ فكان لا يمشي إلا مقنعاً.

واسمه محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن فرعان بن قيس بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولادة - سمي بذلك لكثرة ولده - بن عمرو بن معاوية بن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية، وكان له محل كبير، وشرف ومروءة وسؤدد في عشيرته.

قال الهيثم بن عدي: كان عمير جده سيد كندة، وكان عمه عمرو بن أبي شمر ينازع أباه الرياسة ويساجله فيها، فيقصر عنه.

ونشأ محمد بن عمير المقنع، فكان متخرقاً في عطاياه، سمح اليد بماله، لا يرد سائلاً عن شيء حتى أتلف كل ما خلفه أبوه من مال، فاستعلاه بنو عمه عمرو بن أبي شمر بأموالهم وجاههم.

بنو عمه لم يزوجوه أختهم لفقره ودينه وهوي بنت عمه عمرو فخطبها إلى إخوتها، فردوه وعيروه بتخرقه وفقره وما عليه من الدين؛ فقال هذه الأبيات المذكورة.

شاعر يفضل شعراً له تعريضاً ببخل خليفة وأخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن العتبي، قال: حدثني أبو خالد من ولد أمية بن خلف، قال: قال عبد الملك بن مروان - وكان أول خليفة ظهر منه بخل -: أي الشعراء أفضل؟ فقال له: كثير بن هراسة، يعرض ببخل عبد الملك: أفضلهم المقنع الكندي حيث يقول:

إني أحرض أهل البخل كلـهـم

 

لو كان ينفع أهل البخل تحريضي

ما قل مالي إلا زادنـي كـرمـاً

 

حتى يكون برزق الله تعويضـي

والمال يرفع من لولا دراهـمـه

 

أمسى يقلب فينا طرف مخفوض

لن تخرج البيض عفواً من أكفهم

 

إلا على وجع منهم وتـمـريض

كأنها من جلود الباخـلـين بـهـا

 

عند النوائب تحذى بالمقـاريض

فقال عبد الملك - وعرف ما أراد -: الله أصدق من المقنع حيث يقول: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) .

صوت

يابن هشام يا علـي الـنـدى

 

فدتك نفسي ووقتـك الـردى

نسيت عهدي أو تناسـيتـنـي

 

لما عداني عنك صرف النوى

الشعر والغناء لإسحاق الموصلي رمل بالبنصر.

وهذا الشعر يقوله في علي بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة، وله إليه رسالة حسنة، هذا موضع ذكرها، أخبرنا بها علي بن يحيى المنجم، عن أبيه، ووقعت إلينا من عدة وجوه:

أن إسحاق كتب إلى علي بن هشام: "جعلت فداك! بعث إلي أبو نصر مولاك بكتاب منك إلي يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، فلولا ما أعرف من معانيه لظننت أن الرسول غلط بي فيه، فما لنا ولك يا عبد الله، تدعنا حتى إذا أنسينا الدينا وأبغضناها، ورجونا السلامة من شرها، أفسدت قلوبنا وعلقت أنفسنا، فلا أنت تريدنا، ولا أنت تتركنا؛ فبأي شيء تستحل هذا! فأما ما ذكرته من شوقك إلي فلولا أنك حلفت عليه لقلت:

يا من شكا عبثاً إلينا شـوقـه

 

شكوى المحب وليس بالمشتاق

لو كنت مشتاقاً إلي تـريدنـي

 

ما طبت نفساً ساعة بفراقـي

وحفظتني حفظ الخليل خليلـه

 

ووفيت لي بالعهد والميثـاق

هيهات قد حدثت أمور بعدنـا

 

وشغلت باللذات عن إسحـاق

وقد تركت - جعلت فداك - ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره، وقلت أبياتاً لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، واستقبل الشمال، وأتنسم أرواحكم فيها، ثم يكون ما الله أعلم به، وإن كنت تكرهها تركتها إن شاء الله:

ألا قد أرى أن الثـواء قـلـيل

 

وأن ليس يبقى للخليل خـلـيل

وإني وإن مكنت في العيش حقبة

 

كذي سفر قد حان منه رحـيل

فهل لي إلي أن تنظر العين مرة

 

إلى ابن هشام في الحياة سبيل؟!

فقد خفت أن ألقى المنايا بحسرة

 

وفي النفس منه حاجة وغلـيل

وأما بعد، فإني أعلم أنك - وإن لم تسل عن حالي - تحب أن تعلمها وأن تأتيك عني سلامة؛ فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن، مريض القلب.

وبعد: فأنا - جعلت فداك - في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم، وأسبابهم وأزمنتهم، وما اختلفوا فيه من غنائهم، وبعض أحاديثهم، وأحاديث قيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات والمذكورات، وما قيل فيهن من الأشعار، ولمن كن، وإلى من صرن، ومن كان يغشاهن، ومن كان يرخص في السماع من الفقهاء والأشراف، فأعلمني رايك فيما تشتهي لأعمل على قدر ذلك، إن شاء الله.

وقد بعثت إليك بأنموذج، فإن كان كما قال القائل: "قبح الله كل دن أوله دردي" ، لم نتجشم إتمامه، وربحنا العناء فيه، وإن كان كما قال العربي: "إن الجواد عينه فراره" أعلمتنا؛ فأتممناه مسرورين بحسن رأيك فيه، "إن شاء الله".

وهذا مما يدل على أن "كتاب الأغاني" المنسوب إلى إسحاق ليس له؛ وإنما ألف ما رواه حماد ابنه عنه من دواوين القدماء، غير مختلط بعضها ببعض.

وحشة بعد ألفة وكان إسحاق يألف علياً وأحمد ابني هشام وسائر أهلهما إلفاً شديداً، ثم وقعت بينهم نبوة ووحشة في أمر لم يقع إلينا لمعاً غير مشروحة، فهجاهم هجاء كثيراًن وانفرجت الحال بينه وبينهم.

شعره في مصعب وصباح فأخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن علي بن يحيى وغيرهما، عن أبي أيوب سليمان المديني، عن مصعب، قال: قال لي أحمد بن هشام: أما تستحي أنت وصباح بن خاقان، وأنتما شيخان من مشايخ المروءة والعلم والأدب أن شبب بذكركما إسحاق في الشعر، وهو مغن مذكور، فيقول:

قد نهانا مصعب وصباح

 

فعصينا مصعباً وصباحا

عذلاً ما عذلاً أم مـلامـاً

 

فاسترحنا منهما فاستراحا

ويروى:

علما في العذل أم قد ألاما

ويروى:

عذلا عذلهما ثم أناما

فقلت: إن كان فعل فما قال إلا خيراً، إنما ذكر أنا نهيناه عن خمر شربها، وامرأة عشقها، وقد أشاد باسمك في الشعر بأشد من هذا، قال: وما هو؟ قلت: قوله: شعره في عيّ أحمد بن هشام

وصافية تغشى العيون رقـيقة

 

رهينة عام في الدنـان وعـام

أدرنا بها الكأس الروية موهنـاً

 

من الليل حتى انجاب كل ظلام

فما ذر قرن الشمس حتى كأننا

 

من العي نحكي أحمد بن هشام

قال: أو قد فعل العاض بظر أمه! قلت : إي والله لقد فعل.

إلى ها هنا رواية مصعب.

أحمد بن هشام يتوعده ووجدت هذا الخبر في غير روايته، وفيه زيادة قد ذكرتها، قال: فآلى أحمد بن هشام أن يبلغ فيه كل مبلغ يقدر عليه، وأن يجتهد في اغتياله.

علي بن هشام يصلح بينه وبين أخيه محمد قال إسحاق: حضرت بدار الخليفة، وحضر علي بن هشام، فقال لي: أتهجو أخي وتذكره بما بلغني من القبيح؟ فقلت: أو يتعرض أخوك لي ويتوعدني! فوالله ما أبالي بما يكون منه؛ لأني أعلم أنه لا يقدر لي على ضر، والنفع فلا أريده منه، وأنا شاغر مغن، والله لأهجونه بما أفرى به جلده، وأهتك مروءته، ثم لأغنين في أقبح ما أقوله فيه غناء تسري به الركبان. فقال لي: أو تهب لي عرضه، وأصلح بينكما؟ فقلت: ذاك إليك. وإن فعلته فلك لا له. ففعل ذلك، وما فعلته به.

ابن عائشة يهجو مصعباً وصباحاً أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثني محمد بن يزيد النحوي، قال: كان صباح بن خاقان المنقري نديماً لمصعب الزبيري، فقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة - وكان خليعاً من أهل البصرة -:

من يكن إبطه كآباط ذا الخل

 

ق فإبطاي في عداد الفقاح

لي أبطان يرميان جليسـي

 

بشبيه السلاح بل بالسلاح

فكأني من نتن هـذا وهـذا

 

جالس بين مصعب وصباح

ينشد الفضل بن الربيع أخبرني علي بن يحيى المنجم، قال: حدثني أبي، قال: حدثني إسحاق، قال: دخلت على الفضل بن الربيع يوماً، فقال: ما عندك؟ قلت: بيتان أرجو أن يكونا فيما يستطرف، وأنشدته:

سنغضي عن المكروه من كل ظالم

 

ونصبر حتى يصنع الله بالفضـل

فتنتصر الأحرار ممن يصيمـهـا

 

وتدرك أقصى ما تطالب من ذحل

قال: فدمعت عينه، وقال: من آذاك لعنه الله؟ فقلت: بنو هاشم، وأخبرته الخبر.

قال يحيى بن علي: ولم يذكر بأي شيء أخبره.

صوت

قد حصت البيضة رأسي فما

 

أطعم نوماً غير تهـجـاع

أسعى على جل بني مالـك

 

كل امرىء في شأنه سـاع

من يذق الحرب يجد طعمها

 

مراً، وتتركه بجـعـجـاع

لا نألم القتل ونجزي به الأع

 

داء كيل الصاع بالـصـاع

الشعر لأبي قيس بن الأسلت، والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل أول. وقيل: بل هو لمعبد. 

المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني


من قصائده:..