أبو الأسود الدؤلي

605 م – 688 م

هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني، من شعراء العصر الأموي. 

تابعي، واضع علم النحو، كان معدوداً من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب. 

قيل أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) رسم له شيئاً من أصول النحو، فكتب فيه أبو الأسود، وفي صبح الأعشى أن أبا الأسود وضع الحركات والتنوين لا غير، سكن البصرة في خلافة عمر (رضي الله عنه) وولي إمارتها في أيام علي (رضي الله عنه)، ولم يزل في الإمارة إلا أن قتل علي (رضي الله عنه)، وكان قد شهد معه (صفين) ولما تم الأمر لمعاوية قصده فبالغ معاوية في إكرامه، وهو في أكثر الأقوال أول من نقط المصحف، ومات بالبصرة.. 

وورد في "وفيات الأعيان " لابن خلكان: أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة ابن عدي بن الديل بن بكر الديلي، ويقال: الدؤلي، وفي اسمه ونسبه ونسبته اختلاف كثير؛ كان من سادات التابعين وأعيانهم، صحب علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وشهد معه وقعة صفين، وهو بصري، وكان من أكمل الرجال رأياً وأسدهم عقلاً. 

وهو أول من وضع النحو، قيل إن علياً، رضي الله عنه، وضع له: الكلام كله ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف، ثم رفعه إليه وقال له: تمم على هذا.وكان ينزل البصرة في بني قشير، وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته علياً كرم الله وجهه، فإذا ذكر رجمهم قالوا: إن الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو رجمني الله لأصابني ولكنكم ترجمون ولا تصيبون... وهذا بالعكس مما جرى لأبي الجهم العدوي فإنه باع داره بمائة ألف درهم ثم قال: فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: وهل يشتري جوار قط؟ قال: ردوا علي داري ثم خذوا مالكم، لا أدع جوار رجل أن قعدت سأل عني وإن رآني رحب بي وإن غبت حفظني وإن شهدت قرني وإن سألته قضى حاجتي وإن لم أسأله بدأني وإن نابتني فرج عني، فبلغ ذلك سعيداً فبعت إليه بمائة ألف درهم. 

وحكى أبو غفر الدؤلي-وكان شاعراً-قال: كنت عند عبد الملك بن مروان إذ دخل عليه أبو الأسود الدؤلي-وكان أحول دميماً قبيح المنظر-فقال له عبد الملك: يا أبا الأسود، لو علقت عليك عودة من العين، فقال: إن لك جواباً يا أمير المؤمنين، وأنشد:  

 افنى الشباب الذي افنيت جدتـه           كر الجديدين من آت ومنطلق 

لم يتركا لي في طول اختلافهما           شيئاً أخاف عليه لذعة الحـدق 

أما والله لئن كانت أبلتني السنون وأسرعت إلي المنون لما اثبت ذاك إلا في موضعه، ولرب يوم كنت فيه إلى الآنسات البيض اشهى منك إليهن، وإني اليوم لكما قال امرؤ القيس:  

أراهن لا يحببن من قل مالـه       ولا من رأين الشيب فيه وقوما  

ولقد كنت كما قال أيضاً:  

ورعن إلى صوتي إذا ما سمعـنـه      كما يرعوي عيط إلى صوت اعيسا  

فقال عبد الملك: قاتلك الله من شيخ ما أعظم همتكّ وكان لأبي الأسود من معاوية ناحية حسنة فوعده وعداً أبطأ عليه فقال:  

لا يكن برقك برقاً خـلـبـاً           إن خير البرق ما الغيث معه  

لا تهني بعد إذ أكرمـتـنـي          فقبيح عـادة مـنـتـزعـه

وقيل إنه كان يعلم أولاد زياد بن أبيه وهو والي العراقين يومئذ، فجاءه يوماً وقال له: أصلح الله الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، قال: فجاء رجل إلى زياد وقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال زياد: توفي أبانا وترك بنون!! ادعوا لي أبا الأسود، فلما حضر قال: ضع للناس الذي نهيتك أن تضع لهم. 

وقيل: إنه دخل بيته يوماً فقال له بعض بناته: يا أبت، ما أحسن السماء، فقال: يا بنية نجومها، فقالت له: إني لم أرد أي شيء منها أحسن، إنما تعجبت من حسنها، فقال: إذن فقولي ما أحسن السماء، وحينئذ وضع النحو. 

وحكى ولده أبو حرب قال: أول باب رسم أبي باب التعجب. 

وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ يعنون النحو، فقال: لقنت حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 

وقيل إن أبا الأسود المذكور كان لا يخرج شيئاً أخذه عن علي بن أبي طالب إلى أحد، حتى بعث إليه زياد المذكور: أن اعمل شيئاً يكون للناس إماماً ويعرف به كتاب الله عز وجل، فاستعفاه من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئاً يقرأ: (إن الله بريء من المشركين ورسوله)، بالكسر، فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول له، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، ففعل ذلك. 

وإنما سمي النحو نحواً لأن أبا الأسود المذكور قال: استأذنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أضع نحو ما وضع، فسمي لذلك نحواً، والله أعلم. 

وكان لأبي الأسود بالبصرة دار، وله جار يتأذى منه في كل وقت، فباع الدار فقيل له: بعت دارك، فقال: بل بعت جاري، فأسلها مثلاً. 

ودخل أبو الأسود يوماً على عبيد الله بن أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي رضي الله عنه، فرأى عليه جبة رثة كان يكثر لبسها، فقال: يا أبا الأسود أما تمل هذه الجبة؟ فقال: رب مملوك لا يستطاع فراقه، فلما خرج من عنده بعث إليه مائة ثوب، فكان ينشد بعد ذلك-وقيل إن هذه القضية جرت له مع المنذر بن الجارود -. 

 كساني ولم أستكسه فحمـدتـه             أخ لك يعطيك الجزيل وناصر

وإن أحق الناس إن كنت شـاكـراً          بشكرك من أعطاك والعرض وافر

يروى "مملوك" بالكفا و"مملول" باللام، ويروى "ناصر" بالنون و"ياصر" بالياء، ولكل واحد منهما معنى، فمعناه بالنون ظاهر لأنه من النصرة وبالياء من التعطف والحنو، يقال: فلان يأصر على فلان، إذا كان يعطف عليه ويحنو. 

وله أشعار كثيرة، فمن ذلك قوله:  

وما طلب المعيشة بالتمني     ولكن ألق دلوك في الدلاء

 تجيء بملئها طوراً وطوراً              تجيء بحمأة وقليل مـاء

ومن شعره أيضاً-وله ديوان شعر-:  

صبغت أمية بالدماء أكفنا         وطوت أمية دوننا دنياها

ويحكى أنه أصابه الفالج فكان يخرج إلى السوق يجر رجله، وكان موسراً ذا عبيد وإماء، فقيل له: قد أغناك الله عز وجل عن السعي في حاجتك، فلو جلست في بيتك، فقال: لا، ولكني أخرج وأدخل فيقول الخادم: قد جاء، ويقول الصبي: قد جاء، ولو جلست في البيت فبالت علي الشاة ما منعها أحد عني. 

وحكى خليفة بن خياط أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان عاملاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على البصرة، فلما شخص الىالحجاز استخلف أبا الأسود عليها، فلم يزل حتى قتل علي رضي الله عنه. 

وكان أبو الأسود معروفاً بالبخل، وكان يقول: لو أطعنا المساكين في أموالنا لكنا أسوأ حالاً منهم. وقال لبنيه: لا تجاودوا الله عز وجل فإنه أجود وأمجد، ولو شاء أو يوسع على الناس كلهم لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزالاً. وسمع رجلاً يقول: من يعشي الجائع؟ فقال: علي به، فعشاه، ثم ذهب ليخرج، فقال: أين تريد؟ قال: أهلي، قال: هيهات، ما عشيتك إلا على أن لا تؤذي المسلمين الليلة، ثم وضع في رجله القيد حتى أصبح. 

وتوفي أبو الأسود بالبصرة سنة تسع وستين في طاعون الجارف، وعمره خمس وثمانون سنة رضي الله عنه، وقيل إنه مات قبل الطاعون بعلة الفالج، وقيل إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وتولى عمر الخلافة في صفر سنة تسع وتسعين للهجرة وتوفي في رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان، رضي الله عنه. 

وقيل لأبي الأسود عند الموت: أبشر بالمغفرة، فقال: وأين الحياء مما كانت له المغفرة؟ والديلي: بكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام، والدؤلي: بضم الدال المهمة وفتح الهمزة وبعدها لام، هذه النسبة إلى الدئل بكسر الهمزة، وهي قبيلة من كنانة، وإنما فتحت الهمزة في النسبة لئلا تتوالى الكسرات، كما قالوا في النسبة إلى نمرة نمري-بالفتح-وهي قاعدة مطردة، والدئل: اسم دابة بين ابن عرس والثعلب. 

وحلس: بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبعدها سين مهملة، هكذا ذكره الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب "الإيناس" وهو مما يحرف كثيراً فقد وجدت فيه اختلافاً، وهذا الأصح.

 

المرجع: وفيات الأعيان لابن خلكان

من قصائده:..