كثير عزة

665 – 723 م

هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزامي، أبو صخر. أمه جمعة بنت الأشيم، لذلك كان يقال أيضاً كثير بن أبي جمعة.

عرف عن كثير عزة ولاؤه لآل البيت، ومع ذلك فقد نال حظوة عند بني أمية، فمدح عبد الملك بن مروان وأخاه عبد العزيز والي مصر. ومع أن عمر بن عبد العزيز لم يكن يجيز الشعراء، فقد أجاز كثيراً بثلاثمائة درهم.

عشق كثير عزة بنت جُميل بن وقاص من بني حاجب من بني صخر، وقد زعم قوم أنه لم يكن مخلصاً في حبها وأنه أحب بعدها فتاة اسمها أم الحويرث.

كثير عزة شاعر رقيق بدوي الأسلوب يجيبد الغزل والوصف والمديح.

ورد في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني قوله: هو فيما أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي، أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد بن سعيد بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو وهو خزاعة بن ربيعة وهو يحيى بن حارثة بن عمرو وهو مزيقيا بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن " بن الأزد وهو درء وقيل دراء ممدوداً بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن محمد بن إسحاق الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو صخر بن أبي الزعراء الخزاعي عن أمه ليلى بنت كثير قالت: هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن مخلد بن سبيع بن سعد بن مليح بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وأمه جمعة بنت الأشيم بن خالد بن عبيد بن مبشر بن رياح بن سيالة بن عامر بن جعثمة بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وكانت كنية الأشيم جده أبي أمه أبا جمعة، ولذلك قيل له ابن أبي جمعة.

وكان له ابن يقال له ثواب من أشعر أهل زمانه، مات سنة إحدى وأربعين ومائة ولا ولد له.

ومات كثير سنة خمس ومائة في ولاية يزيد بن عبد الملك. وليس له اليوم ولد إلا من بنته ليلى. ولليلى بنته ابن يكنى أبا سلمة الشاعر وهو الذي يقول: صوت

وكان عزيزاً أن تبيتـي وبـينـنـا

 

حجابٌ فقد أمسيت مني على شهر

ففي القرب تعذيبٌ وفي النأي حسرة

 

فيا ويح نفسي كيف أصنع بالدهـر

في هذين البيتين غناء لمقاسة. ولحنه من الثقيل الأول بالخنصر عن حبس.

كنيته وطبقته في الشعراء ونحلته: ويكنى كثير أبا صخر. وهو من فحول شعراء الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريراً والفرزدق والأخطل والراعي. وكان غالياً في التشيع يذهب مذهب الكيسانية ، ويقول بالرجعة والتناسخ، وكان محمقاً مشهوراً بذلك. وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيرهم ذلك لجلالته في أعينهم ولطف محله في أنفسهم وعندهم. وكان من أتيه الناس وأذهبهم بنفسه على كل أحد.

الحديث عنه وعلى شعره:  أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال حدثني سليمان بن فليح قال: سمعت محمد بن عبد العزيزيعني ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف يقول ما قصد القصيد ولا نعت الملوك مثل كثير.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي حدثني إبراهيم بن سعد قال: إني لأروي لكثير ثلاثين قصيدة لو رقي بها مجنون لأفاق.

أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني بعض أصحاب الحديث قال: كنا نأتي إبراهيم بن سعد وهو خبيث النفس، فنسأله عن شعر كثير فتطيب نفسه، ويحدثنا.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال: من لم يجمع من شعر كثير ثلاثين لامية فلم يجمع شعره. قال الزبير قال المؤملي: وكان ابن أبي عبيدة يملي شعر كثير بثلاثين ديناراً. قال وسئل عمي مصعب: من أشعر الناس؟ فقال: كثير بن أبي جمعة، وقال: هو أشعر من جرير والفرزدق والراعي وعامتهم يعني الشعراء، ولم يدرك أحد في مديح الملوك ما أدرك كثير.

أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب إجازةً قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال: كان كثير شاعر أهل الحجاز، وهو شاعر فحل، ولكنه منقوص حظه بالعراق.

أخبرني أبو خليفة قال أخبرنا ابن سلام قال سمعت يونس النحوي يقول: كثير أشعر أهل الإسلام. قال ابن سلام: وسمعت ابن أبي حفصة يعجبه مذهبه في المديح جداً، ويقول: كان يستقصي المديح، وكان فيه مع جودة شعره خطلٌ وعجب.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري قال أخبرني إبراهيم بن إبراهيم بن حسين بن زيد قال: سمعت المسور بن عبد الملك يقول: ما ضر من يروي شعر كثير وجميلٍ إلا تكون عنده مغنيتان مطربتان.

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائني عن الوقاصي قال: رأيت كثيراً يطوف في البيت، فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فكذبه؛ وكان إذا دخل على عبد العزيز بن مروان يقول: طأطئ رأسك لا يصيبه السقف.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائني، وعن ابن حبيب عن أبيه عن جده عن جد أبيه عبد العزيز وأمه جمعة بنت كثير قال: قال جرير لكثير: أي رجل أنت لولا دمامتك! فقال كثير:

إن أك قصداً في الرجال فإنني

 

إذا حل أمرٌ ساحتي لطـويل

أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائني عن الوقاصي قال، وأخبرنا الحرمي أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن بعض أصحابهم الديليين قال: التقى كثير والحزين الديلي في المدينة في دار ابن أزهر في سوق الغنم، فضمهما المجلس. فقال كثير للحزين: ما أنت شاعرٌ يا حزين، إنما توصل الشيء إلى الشيء. فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوك؟قال نعم. وكان كثير قال قبل ذلك وهو ينتسب إلى بني الصلت بن النضر بن كنانة:

أليس أبي بالنضر أو ليس إخـوتـي

 

بكل هجانٍ من بني الصلت أزهـرا

فإن لم يكونوا من بني الصلت فاتركوا

 

أراكاً بأذيال الخـمـائل أخـضـرا

قال: فلما أذن كثير للحزين أن يهجوه قال للحزين:

لقد علقت زب الذبـاب كـثـيراً

 

أسـاود لا يطـنـينـه وأراقـم

قصير القميص فاحشٌ عند بـيتـه

 

يعض القراد باستـه وهـو قـائم

وما أنتم منا ولـكـنـكـم لـنـا

 

عبيد العصا ما ابتل في البحر عائم

وقد علم الأقوام أن بني اسـتـهـا

 

خزاعة أذنـابٌ وأنـا الـقـوادم

ووالله لولا اللـه ثـم ضـرابـنـا

 

بأسيافنا دارت عليها المـقـاسـم

ولولا بنو بكر لذلت وأهـلـكـت

 

بطعنٍ وأفنتها السيوف الصـوارم

تهدده أبو الطفيل واستوهبه خندف الأسدي قال: فقام كثير فحمل عليه فلكزه. وكان الحزين طويلاً أيداً. فقال له الحزين. أنت عن هذا أعجز، واحتمله فكان في يده مثل الكرة، فضرب به الأرض، فخلصه منه الأزهريون. فبلغ ذلك " أبا الطفيل عامر بن واثلة وهو بالكوفة، فأقسم لئن ملأ عينيه من الكثير ليضربنه بالسيف أو ليطعننه بالرمح. وكان خندفٌ الأسدي صديقاً لأبي الطفيل، فطلب إلى أبي الطفيل في كثير واستوهبه إياه فوهبه له. والتقيا بمكة وجلسا جميعاً مع عمر بن علي بن أبي طالب، فقال: أما الله لولا ما أعطيت خندفاً من العهد لوفيت لك. فذلك قول كثير في قصيدته التي يرثي فيها خندفاً:

ينال رجالاً نفعه وهو منهم

 

بعيدٌ كعيوق الثريا المحلق

أنكر على الأحوص ضراعته في الاستجداء أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وجبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال: قال كثير: في أي شعر أعطى هؤلاء الأحوص عشرة آلاف دينار؟ قالوا: في قوله فيهم:

وما كان لي طارفاً مـن تـجـارةٍ

 

وما كان ميراثاً من المال متـلـدا

ولكن عطايا مـن إمـامٍ مـبـاركٍ

 

ملا الأرض معروفاً وجوداً وسوددا

فقال كثير: إنه لضرع قبحه الله ! ألا قال كما قلت: صوت

دع عنك سلمى إذ فات مطلبها

 

واذكر خليليك من بني الحكم

ما أعطياني ولا سألتـهـمـا

 

إلا وإني لحاجزي كـرمـي

إني متى لا يكن نوالـهـمـا

 

عندي مما قد فعلت أحتشـم

مبدي الرضا عنهما ومنصرفٌ

 

عن بعض ما لو فعلتُ لم ألم

لا أنزر النائل الـخـلـيل إذا

 

ما اعتل نزر الظؤور لم ترم

عروضه من المنسرح. غنى في هذا الشعر يونس ثاني ثقيلٍ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وغنى فيه الغريض ثاني ثقيلٍ بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة. و فيه لحن من الثقيل الأول ينسب إلى معبد، وليس بصحيح له. قال الزبير بن بكار في تفسير قوله: لا أنزر النائل الخليل يقول: لا ألح عليه بالمسألة، يقال: نزرته أنزره إذا ألححت عليه. والظؤور: المتعطفة على غير أولادها.

حديثه مع عبد الملك في استقطاعه أرضاً له: أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثنا المؤملي عن أبي عبيدة، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال: دخل كثير على عبد الملك بن مروان فقال: ياأمير المؤمنين، إن أرضاً لك يقال لها غرب ربما أتيتها وخرجت إليها بولدي وعيالي فأصبنا من رطبها وتمرها بشراءٍ، مرة وطعمة مرة. فإن رأى أمير المؤمنين أن يعمرنيها فعل. فقال له عبد الملك: ذلك لك. فندمه الناس وقالوا له: أنت شاعر الخليفة ولك عنده منزلة، فهلا سألت الأرض قطيعةً !. فأتى الوليد فقال: إن لي إلى أمير المؤمنين حاجةً فأجلسني قريباً من البرذون. فلما استوى عليه عبد الملك قال له: إيهٍ ! وعلم أن له إليه حاجةً. فقال كثير:

جزتك الجوازي عن صديقك نضرةً

 

وأدناك ربي في الرفيق المقـرب

فإنك لا يعطى عـلـيك ظـلامةً

 

عدوٌ ولا تنأى عن المـتـقـرب

وإنك ما تمنـع فـإنـك مـانـعٌ

 

بحقٍ، وما أعطيت لم تتـعـقـب

فقال له: أترغب غرباً؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين. قال: اكتبوها له، ففعلوا.

هجاء الحزين له في مجلس ابن أبي عتيق: أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال: كان الحزين الكناني قد ضرب على كل رجل من قريش درهمين في كل شهر، منهم ابن أبي عتيق. فجاءه لأخذ درهميه على حمارٍ له أعجف قال: وكثير مع ابن أبي عتيق فدعا ابن أبي عتيق للحزين بدرهمين. فقال الحزين لابن أبي عتيق: من هذا معك؟ قال: هذا أبو صخر كثير بن أبي جمعة قال: وكان قصيراً دميماً فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوه ببيت من شعر؟ قال: لا ! لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي، ولكني أشتري عرضه منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما. فأخذهما ثم قال: لا بد من هجائه ببيت. قال: أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين، ودعا له بهما. فأخذهما ثم قال: ما أنا بتاركه حتى أهجوه. قال: أو أشتري ذلك منك بدرهمين. فقال له كثير: إيذن له، ما عسى أن يكون في بيت ! فأذن له ابن أبي عتيق. فقال:

قصير القميص فاحشٌ عند بيته

 

يعض القراد باسته وهو قائم

قال: فوثب كثير إليه فلكزه، فسقط هو والحمار، وخلص ابن أبي عتيق بينهما، وقال لكثير قبحك الله ! أتأذن له وتسفه عليه ! فقال كثير: أو أنا ظننته أن يبلغ بي هذا كله في بيت واحد ! ادعى أنه قرشي فرده الشعراء وسبه الكوفيون: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه، وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الرحمن بن الخضر الخزاعي عن ولد جمعة بنت كثير أنه وجد في كتب أبيه التي فيها شعر كثير: أن عبد الملك بن مروان قال له: ويحك ! إلحق بقومك من خزاعة، فأخبر أنه من كنانة قريش، وأنشد كثير قوله:

أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتـي

 

بكل هجانٍ من بني النضر أزهرا

فإن لم تكونوا من بني النضرفاتركوا

 

أراكاً بأذناب القوابـل أخـضـرا

أبيت التي قد سمتني ونكـرتـهـا

 

ولو سمتها قبلي قبـيصة أنـكـرا

لبسنا ثياب العصب فاختلط السـدى

 

بنا وبهم والحضرمي المخـصـرا

فقال له عبد الملك: لا بد أن تنشد هذا الشعر على منبري الكوفة والبصرة، وحمله وكتب به إلى العراق في أمره. قال عمر بن شبة في خبره خاصة: فأجابته خزاعة الحجاز إلى ذلك. وقال فيه الأحوص ويقال: بل قاله سراقة البارقي:

لعمري لقد جاء العراق كـثـيرٌ

 

بأحدوثةٍ من وحيه المـتـكـذب

أيزعم أني مـن كـنـانة أولـى

 

وما لي من أمٍ هـنـاك ولا أب

فإن كنت حراً أو تخاف مـعـرةً

 

فخذ ما أخذت من أميرك واذهب

فقال كثير يجيبه وفي خبر الزبير: قال هذا لأبي علقمة الخزاعي:

أيا خبثٌ أكرم كنـانة إنـهـم

 

مواليك إن أمرٌ سما بك معلق

وفي رواية الزبير: أبا علقمٍ.

بنو النضر ترمي من ورائك بالحصى

 

أولو حسبٍ فيهم وفـاءٌ ومـصـدقٌ

يفيدونك المال الكثـير ولـم تـجـد

 

لملكهم شبهـاً لـو انـك تـصـدق

إذا ركبوا ثارت عـلـيك عـجـاجةٌ

 

وفي الأرض من وقع الأسنةً أولق

فأجابه الأحوص بقوله:

دع القوم ما حلوا ببطن قـراضـمٍ

 

وحيث تفشى بيضه المـتـفـلـق

فإنك لو قاربت أو قلـت شـبـهةً

 

لذي الحق فيها والمخاصم معلـق

عذرناك أو قلنا صدقـت وإنـمـا

 

يصدق بالأقوال من كان يصـدق

ستأبى بنو عمروٍ عليك وينتـمـي

 

لهم حسبٌ في جذم غسان معـرق

فإنك لا عمراً أباك حـفـظـتـه

 

ولا النضر إن ضيعت شيخك تلحق

ولم تدرك القوم الذين طلبـتـهـم

 

فكنت كما كان السقاء المعـلـق

بجذمة ساقٍ ليس منه لـحـاؤهـا

 

ولم يك عنها قلـبـه يتـعـلـق

فأصبحت كالمهريق فضـلة مـائه

 

لبادي سرابٍ بالمـلا يتـرقـرق

قال: فخرج كثير فأتى الكوفة، فرمي به إلى مسجد بارق. فقالوا له: أنت من أهل الحجاز؟ قال نعم. قالوا: فأخبرنا عن رجل شاعر ولد زناً يدعى كثيراً. قال سبحان الله ! أما تسمعون أيها المشايخ ما يقول الفتيان ! قالوا: هو ما قاله لنفسه. فانسل منهم وجاء إلى والي الكوفة حسان بن كيسان، فطيره على البريد. فقال عمر بن شبة في خبره: إن سراقة البارقي هو المخاطب له بهذه الشتيمة وإنه عرفه وقال له: إن قلت هذا على المنبر قتلتك قحطان وأنا أولهم، فانصرف إلى منزله ولم يعد إلى عبد الملك.

نبذة عن سراقة البارقي وقصته مع المختار حين أسر: وكان سراقة هذا شاعراً ظريفاً. فأخبرني عمي قال حدثني الكراني عن النضر بن عمر عن الهيثم بن عدي عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان سراقة البارقي من ظرفاء أهل العراق، فأسره المختار يوم جبانة السبيع، وكان للمختار فيها وقعةٌ منكرة، فجاء به الذي أسره إلى المختار فقال له: إني أسرت هذا. فقال له سراقة: كذب ! ما هو الذي أسرني، إنما أسرني غلامٌ أسود على برذون أبلق عليه ثيابٌ خضرٌ، ما أراه في عسكرك الآن، وسلمني إليه. فقال المختار: أما إن الرجل قد عاين الملائكة ! خلوا سبيله فخلوه، فهرب فأنشأ يقول:

ألا أبلغ أبا إسحـاق أنـي

 

رأيت البلق دهماً مصمتات

أري عيني ما لم تبصـراه

 

كلانا عالمٌ بالـتـرهـات

كفرت بدينكم وجعلت نذراً

 

علي قتالكم حتى الممـات

كان يرى أن ابن الحنفية لم يمت وكان ذلك رأي السيد: أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبيرقال أخبرنا عمرو ومحمد بن الضحاك قالا: كان كثير يتشيع تشيعاً قبيحاً، يزعم أن محمد بن الحنفية لم يمت. قال: وكان ذلك رأي السيد، وقد قال فيه يعني السيد شعراً كثيراً، منه:

ألا قل للوصي فدتك نفـسـي

 

أطلت بذلك الجبل المـقـامـا

أضر بمعشـرٍ والـوك مـنـا

 

وسموك الخلـيفة والإمـامـا

وعادوا فيك أهل الأرض طرا

 

مقامك عنهم ستـين عـامـاً

وما ذاق ابن خولة طعم مـوتٍ

 

ولا وارت له أرضٌ عظامـا

لقد اوفى بمورق شعب رضوى

 

تراجعه الملائكة الـكـلامـا

وإن له به لـمـقـيل صـدقٍ

 

وأنـديةً تـحـدثـه كـرامـا

هدانا اللـه إذ جـرتـم لأمـرٍ

 

به ولديه نلتمس الـتـمـامـا

تمام مودة المـهـدي حـتـى

 

تروا راياتنا تترى نـظـامـا

وقال كثير في ذلك:

ألا إن الأئمة من قـريشٍ

 

ولاة الحق أربعة سـواء

عليٌ والثلاثة من بـنـيه

 

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبطٌ سبط إيمـان وبـرٍ

 

وسبطٌ غيبتـه كـربـلاء

وسبطٌ لا تراه العين حتـى

 

يقود الخيل يقدمها اللـواء

تغيب لا يرى عنه زمانـاً

 

برضوى عنده عسلٌ وماء

شعره في ابن الحنفية حين سجنه ابن الزبير في سجن عارم: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال: كان عبد الله بن الزبير قد أغري ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم. فربما عارضه ابن عباس وغيره منهم. ثم بدا له فيهم فحبس ابن الحنفية في سجن عارمٍ ، ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم، فجعلهم في محبس وملأه حطباً وأضرم فيه النار. وقد كان بلغه أن أبا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ابن الزبير، فكان ذلك سبب إيقاعه به. وبلغ أبا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم، وأخرج ابن الحنفية عن جوار ابن الزبير منذ يومئذٍ. فأنشدها محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدنا محمد بن حبيب لكثير يذكر ابن الحنفية وقد حبسه ابن الزبير في سجن يقال له سجن عارم:

من ير هذا الشيخ بالخيف من منىً

 

من الناس يعلم أنه غير ظـالـم

سمي النبي المصطفى وابن عمه

 

وفكاك أغلالٍ ونـفـاع غـارم

أبي فهو لا يشري هدىً بضـلالةٍ

 

ولا يتقي في الـلـه لـومة لائم

ونحن بحمد الله نتلـو كـتـابـه

 

حلولاً بهذا الخيف خيف المحارم

بحيث الحمام آمن الروع ساكـنٌ

 

وحيث العدو كالصديق المسالـم

فما فرح الدنيا بـبـاقٍ لأهـلـه

 

ولا شدة البلوى بـضـربة لازم

تخبر مـن لاقـيت أنـك عـائذٌ

 

بل العائذ المظلوم في سجن عارم

أنشد علي بن عبد الله شعراً له في ابن الحنفية وحديثه معه: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا الزبير بن بكار، وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن سعيد عن عقبة الجهني عن أبيه قال: سمعت كثيراً ينشد علي بن عبد الله بن جعفر قوله في محمد بن الحنفية:

أقر اللـه عـينـي إذ دعـانـي

 

أمين الله يلطف في الـسـؤال

وأثنى في هواي علـي خـيراً

 

وساءل عن بني وكيف حالـي

وكيف ذكرت حال أبي خبـيبٍ

 

وزلة فعله عـنـد الـسـؤال

هو المهدي خبـرنـاه كـعـبٌ

 

أخو الأحبار في الحقب الخوالي

فقال له علي بن عبد الله: ياأبا صخر، ما يثني عليك في هواك خيراً إلا من كان على مثل مذهبك. قال: أجل بأبي أنت وأمي !. قال: وكان كثير كيسانياً يرى الرجعة. قال الزبير: أبو خبيب عبد الله بن الزبير، كناه بابنه خبيب وهو أكبر ولده، وكان كثير سيئ الرأي فيه. قال الزبير: فأخبرني عمي قال: لما قال كثير:

هو المهدي خبـرنـاه كـعـبٌ

 

أخو الأحبار في الحقب الخوالي

فقيل له: ألقيت كعباً؟ قال: لا. قيل: فلم قلت خبرناه كعب؟ قال: بالتوهم.

غلوه في التشيع والقول بالرجعة وأخبار له في ذلك: قال: وكان كثير شيعياً غالياً يزعم أن الأرواح تتناسخ، ويحتج بقول الله تعالى: " في أي صورةٍ ما شاء ركبك " ويقول: ألا ترى أنه حوله من صورة في صورة !.

قال: فحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال: خندفٌ الأسدي الذي أدخل كثيراً في الخشبية.

أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد ابن معن الغفاري قال: كنا بالسيالة في مشيخةٍ نتحدث، إذا بكثير قد طلع علينا متكئاً على عصاه.

فقال: كنا ببيداء فأشرف السيالة وبهذه الناحية، فما بقي موضع ببيداء إلا وقد جئته، فإذا هو على حاله ما تغير وما تغيرت الجبال ولا الموضع الذي كنا نطوف فيه، وهذا يكون حتى نرجع إليه. وكان يؤمن بالرجعة.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد قال: دخل عبد الله بن حسن على كثير يعوده في مرضه الذي بات فيه. فقال له كثير: أبشر ! فكأنك بي بعد أربعين ليلة قد طلعت عليك على فرس عتيق. فقال له عبد الله بن حسن: مالك عليك لعنة الله ! فوالله لئن مت لا أشهدك ولا أعودك ولا أكلمك أبداً.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز أحسبه عن أبن الماجشون قال: وكان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي قد وضع الأرصاد على كثير فلا يزال يؤتى بالخبر من حبره، فيقول له إذا لقيه: كنت في كذا وكنت في كذا، إلى أن جرى بين كثير وبين رجل كلامٌ فأتي به أبو هاشم. فأقبل به على أدراجه ، فقال له أبو هاشم: كنت الساعة مع فلان فقلت له كذا وكذا وقال لك كذا وكذا. فقال له كثير: أشهد أنك رسول الله.

كان يقول عن الأطفال من آل البيت إنهم الأنبياء الصغار: أخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا محمد، وأخبرنا ! الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن موسى بن عبد الله فيما أحسب قال: نظر كثير إلى بني حسن بن حسن وهم صغار فقال: بأبي أنتم ! هؤلاء الأنبياء الصغار. وكان يرى الرجعة. وروى علي بن بشر بن سعيد الرازي عن محمد بن حميد عن أبي زهير عبد الرحمن بن مغراء الدوسي عن محمد بن عمارة قال: مر كثير بمعاوية بن عبد الله بن جعفر وهو في المكتب، فأكب عليه يقبله وقال: أنت من الأنبياء الصغار ورب الكعبة !.

أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا قعنب بن المحرز قال حدثني إبراهيم بن داجة قال: كان كثير شيعياً، وكان يأتي ولد حسن بن حسن إذا أخذ عطاءه، فيهب لهم الدراهم ويقول: وا بأبي الأنبياء الصغار ! وكان يؤمن بالرجعة. فيقول له محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أخوهم لأمهم ،: يا عم هب لي، فيقول: لا ! لست من الشجرة.

كان عمرو بن عبد العزيز يعرف بحبه صلاح بن هاشم و فسادهم: أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عثمان بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبيد الله قال: قال عمر بن عبد العزيز: إني لأعرف صلاح بني هاشم من فسادهم بحب كثير: من أحبه منهم فهو فاسد، ومن أبغضه فهو صالح، لأنه كان خشبياً يقول بالرجعة.

أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبي لهيعة عن رجاء بن حيوة قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: إن مما أعتبر به صلاح بني هاشم وفسادهم حب كثير، ثم ذكر مثله.

قال لعمته إنه يونس بن متى: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا علي بن صالح عن ابن دأب قال: كان كثير يدخل على عمه له برزة فتكرمه وتطرح له وسادةً يجلس عليها. قال لها يوماُ: لا والله ما تعرفينني ولا تكرمينني حق كرامتي ! قالت: بلى والله إني لأعرفك. فقال: فمن أنا؟ قالت: ابن فلان وابن فلانة، وجعلت تمدح أباه وأمه. فقال: قد عرفت أنك لا تعرفينني. قالت: فمن أنت؟ قال: أنا يونس بن متى.

كان عاقاً لأبيه: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبي قال: كان كثير عاقاً لأبيه ، وكان أبوه قد أصابته قرحةٌ في إصبع من أصابع يده. فقال له كثير: أتدري لم أصابتك هذه القرحة في إصبعك؟ قال: لا أدري قال: مما ترفعها إلى الله في يمين كاذبة.

ضافه مزني وذمه بأنه لم يقم لصلاة الصبح: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد بن معن الغفاري عن أبيه وغيره قال حدثني رجل من مزينة قال: ضفت كثيراً ليلة وبت عنده ثم تحدثنا ونمنا. فلما طلع الفجر تضور ، ثم قمت فتوضأت وصليت وكثير راقد في لحافه. فلما طلع قرن الشمس تضور ثم قال: يا جارية اسجري لي ماء. قال قلت: تباً لك سائر اليوم ! أو هذه الساعة هذا! وركبت راحلتي وتركته. قال الزبير: أسخني لي ماء.

كان يهزأ به ويصدق ما يسمع عن نفسه: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران المحمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبيد الله قال: ما رأيت قط أحمق من كثير. دخلت عليه يوماً في نفر من قريش وكنا كثيراً ما نتهزأ به، وكان يتشيع تشيعاً قبيحاً. فقلت له: كيف تجدك يا أبا صخر؟ وهو مريض، فقال: أجدني ذاهباً. فقلت: كلا ! فقال: هل سمعتم الناس يقولون شيئاً؟ فقلت: نعم ! يتحدثون أنك الدجال. قال: أما لئن قلت ذاك إني لأجد في عيني ضعفاً منذ أيام.

كان تياهاً ويستحمقه فتيان المدينة لذلك: أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران: أن ناساً من أهل المدينة كانوا يلعبون بكثير فيقولون وهو يسمع: إن كثيراً لا يلتفت من تيهه. فكان الرجل يأتيه من ورأه فيأخذ رداءه فلا يلتفت من الكبر ويمضي في قميصه.

سأله عبد الملك عن شيء وحلفه بأبي تراب: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: بلغني أن كثيراً دخل على عبد الملك بن مروان، فسأله عن شيء فأخبره به. فقال وحق علي بن أبي طالب إنه كما ذكرت؟ قال كثير: يا أمير المؤمنين، لو سألتني بحقك لصدقتك. قال: لا أسألك إلا بحق أبي تراب . فحلف له به فرضي.

تمثل عبد الملك بشعر له حين منعته عاتكة من الخروج لحرب مصعب وحديثه معه عن هذه الحرب: أخبرنا الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني عثمان بن عبد الرحمن، وأخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة، وأخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا المؤملي عن ابن أبي عبيدة، قالوا جميعاً. لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب لاذت به عاتكة بنت يزيد بن معاويه وهي أم ابنه يزيد، وقالت: يا أمير المؤمنين، لا تخرج السنة لحرب مصعب، فإن آل الزبير ذكروا خروجك، وابعث إليها الجيوش، وبكت وبكى جواريها معها. وجلس وقال: قاتل الله ابن أبي جمعة ! فأين قوله: صوت

إذا ما أراد الغزو لم تثن همه

 

حصانٌ عليها عقد درٍ يزينها

نهته فلما لم تر النهي عاقـه

 

بكت فبكى مما شجاها قطينها

غناه ابن سريج ثاني ثقيلٍ بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق والله لكنه يراني ويراك يا عاتكة، ثم خرج. قال محمد بن جعفر النحوي في خبره ووافقه عليه عمر بن شبة: فلما خرج عبد الملك نظر إلى كثير في ناحية عسكره يسير مطرقاً، فدعا به وقال: لأعلم ما أسكتك وألقى عليك بثك، فإن أخبرتك عنه أتصدقني؟ قال نعم ! قال: وحق أبي تراب لتصدقني، قال: والله لأصدقنك. قال: لا أو تحلف به، فحلف به. فقال تقول: رجلان من قريش يلقي أحدهما صاحبه فيحاربه، القاتل والمقتول في النار، فما معنى سيرى مع أحدهما إلى الآخر ولا آمن سهماً عائراً لعله أن يصيبني فيقتلني فأكون معهما ! قال: والله يا أمير المؤمنين ما أخطأت. قال: فارجع من قريب، وأمر له بجائزة.

بكى لقتل آل المهلب فزجره يزيد وضحك منه: أخبرنا وكيع قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو تمام الطائي حبيب بن أوس قال حدثني العطاف بن هارون عن يحيى عن حمزة قاضي دمشق قال حدثني حفص الأموي قال: كنت أختلف إلى كثير أتروى شعره. قال: فوالله إني لعنده يوماً إذا وقف عليه واقف فقال: قتل آل المهلب بالعقر. فقال: ما أجل الخطب ! ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف، وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر ! ثم انتضحت عيناه باكياً. فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به. فلما دخل عليه قال: عليك لعنة الله ! أترابيةً وعصبية ! وجعل يضحك منه.

سأله عبد الملك عن أشعر الناس فأجابه: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد عن أبيه قال: قال عبد الملك بن مروان لكثير: من أشعر الناس اليوم يا أبا صخر؟ قال: من يروي أمير المؤمنين شعره. فقال عبد الملك: أما إنك لمنهم.

جواب عبد الملك له وقد سأله عن شعره: أخبرنا وكيع قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا حماد بن إسحاق عن ابن أبي عوف عن عوانة قال: قال كثير لعبد الملك: كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين؟ قال أراه يسبق السحر، ويغلب الشعر.

كان عبد الملك يروي أولاده شعره: أخبرنا عمي عن الكراني عن النضر بن عمر قال: كان عبد الملك بن مروان يخرج شعر كثير إلى مؤدب ولده مختوماً يرويهم إياه ويرده.

نزل مرعي لإبله فضيق عليه أهله فذم جوارهم: أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن خالد الجهني: أن كثيراً شب في حجر عمٍ له صالح، فلما بلغ الحلم أشفق عليه أن يسفه، وكان غير جيد الرأي ولا حسن النظر في عواقب الأمور. فاشترى له عمه قطيعاً من الإبل وأنزله فرش ملل فكان به، ثم ارتفع فنزل فرع المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن جبل جهينة الأصغر، وكان قبل المسور لبني مالك بن أفصى، فضيقوا على كثير وأساءوا جواره، فانتقل عنهم وقال:

أبت إبلي ماء الـرداة وشـفـهـا

 

بنو العم يحمون النضيح المبـردا

وما يمنعون المـاء إلا ضـنـانةً

 

بأصلاب عسرى شوكها قد تخددا

فعادت فلم تجهد على فضل مـائه

 

رياحاً ولا سقيا ابن طلق بن أسعدا

قال: ويروى أنه أول شعر قاله.

روايته عن بدء قوله الشعر: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال: قال كثير: ما قلت الشعر حتى قولته. قيل له: وكيف ذاك؟ قال: بينا أنا يوماً نصف النهار أسير على بعيرٍ لي بالغميم أو بقاع حمدان ، إذا راكبٌ قد دنا مني حتى صار على جنبي، فتأملته فإذا هو صفر وهو يجر نفسه في الأرض جراً. فقال لي: قل الشعر وألقاه عليه. قلت: من أنت؟ قال: أنا قرينك من الجن. فقلت الشعر.

عزة عشيقته وأول عشقه لها: ونسب كثير لكثرة تشبيبه بعزة الضمرية إليها، وعرف بها فقيل كثير عزة. وهي عزة بنت حميل بن وقاص. أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الحسن قال: أبو بصرة الغفاري المحدث واسمه حميل بن وقاص هو أبو عزة التي كان ينسب بها كثير. وكان ابتداء عشقه إياها على أنه قد قيل: إنه كان في ذلك كاذباً ولم يكن بعاشق، وذلك يذكر بعد خبره معها فيما أخبرني به الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم السعدي قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن جميع الخزاعي: أنه كان أول عشق كثير عزة أن كثيراً مر بنسوة من بني ضمرة ومعه جلب غنم، فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة، فقالت: يقلن لك النسوة: بعنا كبشاً من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشاً وأعجبته. فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه، فقال: وأين الصبية التي أخذت مني الكبش؟ قالت: وما تصنع بها ! هذه دراهمك. قال: لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت الكبش إليها. وخرج وهو يقول:

قضى كل ذي دينٍ فوفى غريمه

 

وعزة ممطولٌ معنىً غريمهـا

قال: فكان أول لقائه إياها.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن الخضر بن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبي جندل عن أبيه عبد العزيز الخزاعي وأمه جمعة بنت كثير عن أمه جمعة عن أبيها كثير: أن أول علاقته بعزة أنه خرج من منزله يسوق خلف غنمٍ إلى الجار ، فلما كان بالخبت وقف على نسوةٍ من بني ضمرة فسألهن عن الماء، فقلن لعزة وهي جارية حين كعب ثدياها: أرشديه إلى الماء، فأرشدته وأعجبته. فبينا هو يسقى غنمه إذ جاءته عزة بدراهم، فقالت: يقلن لك النسوة: بعنا بهذه الدراهم كبشاً من ضأنك: فأمر الغلام فدفع إليها كبشاً، وقال: ردي الدراهم وقولي لهن: إذا رحت بكن اقتضيت حقي.. فلما راح مر بهن، فقلن له: هذا حقك فخذه. فقال: عزة غريمي ، ولست أقتضي حقي إلا منها. فمزحن معه وقلن: ويحك ! عزة جارية صغيرة وليس فيها وفاء لحقك فأحله إلى إحدانا فإنها أملأ به منها وأسرع له أداء. فقال: ما أنا بمحيلٍ حقي عنها. ومضى لوجهه، ثم رجع إليهن حين فرغ من بيع جلبه فأنشدهن فيها:

نظرت إليها نظرةً وهي عاتـقٌ

 

على حين أن شبت وبان نهودها

وقد درعوها وهي ذات مؤصدٍ

 

مجوبٍ ولما يلبس الدرع ريدها

من الخفرات البيض ود جليسها

 

إذا ما انقضت أحدوثةٌ لو تعيدها

في هذا البيت وأبيات أخر معه غناءٌ يذكر بعد تمام هذا الخبر وما يضاف إليه من جنسه. وأنشدهن أيضاً:

قضى كل ذي دينٍ فوفى غريمه

 

وعزة ممطولٌ معنىً غريمهـا

فقلن له: أبيت إلا عزة ! وأبرزنها إليه وهي كارهة. ثم أحبته عزة بعد ذلك أشد من حبه إياها. قال الزبير: فسألت محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الخزاعي المعروف بأبي جندل عن هذا الحديث، فعرفه وحدثنيه عن أبيه عن جده عبد العزيز بن أبي جندل عن أمه جمعة بنت كثير عن أبيها.

سؤال عبد الملك لعزة عن كثير وسبب إعجابه بها: وأخبرني عمي الحسن بن محمد الأصفهاني رحمه الله قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثنا النضر بن عمرو قال حدثني عمر بن عبد الله بن خالد المعيطي، وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إبراهيم بن إسحاق الطلحي، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني يعقوب بن عبد الله الأسدي وغيره، قال الزبير وحدثني محمد بن صالح الأسلمي قال: دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت، فقال لها أنت عزة كثير ! فقالت: أبا عزة بنت حميل. قال: أنت التي يقول لك كثير:

لعزة نارٌ ما تبـوخ كـأنـهـا

 

إذا ما رمقناها من البعد كوكب

فما الذي أعجبه منك؟ قالت: كلا يا أمير المؤمنين ! فوالله لقد كنت في عهده أحسن من النار في الليلة القرة. وفي حديث محمد بن صالح الأسلمي: فقالت له: أعجبه مني ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة. قال: وكانت له سن سوداء يخفيها، فضحك حتى بدت. فقالت له: هذا الذي أردت أن أبديه. فقال لها: هل تروين قول كثير فيك:

وقد زعمت أني تغيرت بعدها

 

ومن ذا الذي يا عز لا يتغير

تغير جسمي والخليفة كالتـي

 

عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

قالت لا ! ولكني أروي قوله:

كأني أنادي صخرةً حين أعرضـت

 

من الصم لو تمشي بها العصم زلت

صفوحاً فما تلقاك إلا بـخـيلةً

 

فمن مل منها ذلك الوصل ملت

فأمر بها فأدخلت على عاتكة بنت يزيد وفي غير هذه الرواية: أنها أدخلت على أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لها: أرأيت قول كثير:

قضى كل ذي دينٍ فوفى غريمه

 

وعزة ممطول معنىً غريمهـا

ما هذا الذي ذكره؟ قالت: قبلةٌ وعدته إياها. قالت: أنجزيها وعلي إثمها.

قصة غلام له مع عزة وإعتاقه بسبب ذلك: أخبرنا الحسن بن الطيب البجلي الشجاعي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال روى ابن جعدبة عن أشياخه، وأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو بكر بن يزيد بن عياض بن جعدبة عن أبيه.

أن كثيراً كان له غلام تاجر، فباع من عزة بعض سلعه ومطلته مدة وهو لا يعرفها. فقال لها يوماً: أنت والله كما قال مولاي:

قضى كل ذي دينٍ فوفى غريمه

 

وعزة ممطولٌ معنىً غريمهـا

فانصرف عنه خجلة. فقالت له امرأة: أتعرف عزة؟ قال: لا والله !. قالت: فهذه والله عزة. فقال: لا جرم والله لا آخذ منها شيئاً ولا أقتضيها. ورجع إلى كثير فأخبره بذلك، فأعتقه ووهب له المال الذي كان في يده.

لقيت قسيمة بنت عياض عزة ووصفتها: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن حكيم السلمي عن قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلمية، وكنيتها أم البنين، قالت: سارت علينا عزة في جماعة من قومها بين يدي يربوع وجهينة، فسمعنا بها، فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حلوةً حميراء نظيفة، فتضاءلنا لها، ومعها نسوةٌ كلهن لها عليهن فضلٌ من الجمال والخلق، إلى أن تحدثت ساعةً فإذا هي أبرع الناس وأحلاهم حديثاً، فما فارقناها إلا ولها علينا الفضل في أعيننا، وما نرى في الدنيا امرأة تروقها جمالاً وحسناً وحلاوة.

سأل عبد الملك كثيراً عن أعجب خبر له مع عزة فذكر له ملاقاتها له مع زوجها إذ أمرها بشتمه: أخبرني عمي قال حدثني الفضل اليزيدي عن إسحاق الموصلي عن أبي نصر شيخ له عن الهيثم بن عدي: أن عبد الملك سأل كثيراً عن أعجب خبر له مع عزة، فقال: حججت سنًة من السنين وحج زوج عزة بها، ولم يعلم أحد منا بصاحبه. فلما كنا ببعض الطريق أمرها زوجها ببتياع سمن تصلح به طعاماً لأهل رفقته، فجعلت تدور الخيام خيمةً خيمةً حتى دخلت إلي وهي لا تعلم إنها خيمتي، وكنت أبري أسهماً لي. فلما رأيتها جعلت أبري وأنا انظر إليها ولا أعلم حتى بريت عظامي مرات ولا أشعر به والدم يجري. فلما تبينت ذلك دخلت إلي فأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها، وكان عندي نحيٌ من سمن، فحلفت لتأخذنه، فأخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن. فلما رأى الدم سألها عن خبره فكاتمته، حتى حلف لتصدقنه فصدقته، فضربها وحلف لتشتمني في وجهي. فوقفت علي وهو معها فقالت لي: يا بن الزانية وهي تبكي، ثم انصرفا. فذلك حين أقول:

يكلفها الخنزير شتمي وما بها

 

هواني ولكن للمليك استذلت

نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء: صوت

خليلي هذا رسـم عـزة فـاعـقـلا

 

قلوصيكما ثم ابكـيا حـيث حـلـت

وما كنت أدري قبل عزة ما البـكـى

 

وما موجعات القلب حتـى تـولـت

فليت قلوصي عـنـد عـزة قـيدت

 

بحبل ضعيفٍ بان منها فـضـلـت

وأصبح في القوم المقيمين رحلـهـا

 

وكان لهـا بـاغٍ سـواي فـبـلـت

فقلت لـهـا ياعـز كـل مـصـيبة

 

إذا وطنت يوماً لها النـفـس ذلـت

أسيئي بنا أو أحسـنـي، لا مـلـومٌة

 

لدينـا ولا مـقـلـيةٌ إن تـقـلـت

هنيئاً مـريئاً غـير داءٍ مـخـامـرٍ

 

لعزة من أعراضنا ما استـحـلـت

تمنيتـهـا حـتـى إذا مـا رأيتـهـا

 

رأيت المنايا شرعـاً قـد أظـلـت

كأني أنادي صخرةً حين أعـرضـت

 

من الصم لو تمشي بها العصم ذلـت

صفوحاً فما تـلـقـاك إلا بـخـيلةً

 

فمن مل مها ذلك الوصـل مـلـت

أصاب الردى أن كان يهوى لك الردى

 

وجن اللواتي قلـن عـزة جـنـت

عروضه من الطويل. غنى معبد في الخمسة الأول ثقيلاً أول بالوسطى. وغنى إبراهيم في الثالث والرابع ثقيلاً أول بالبنصر عن عمرو، وغنى في هنيئاً مريئاً والذي بعده خفيف رملٍ بالوسطى. وغنى إبراهيم في الخامس وما بعده ثاني ثقيل. وذكر الهشامي أن لابن سريج في هنيئاً مريئاً وما بعده ثاني ثقيل بالبنصر. وذكر أحمد بن المكي أن لإبراهيم في " كأني أنادي " والذي بعده وفي أسيئي بنا أو أحسني هزجاً بالسبابة في مجرى البنصر، ولإسحاق فيه هزج آخر به " . ولعريب في " كأني أنادي أيضاً رمل. ولإسحاق في وما كنت أدري ثقيل أول. وله في أصاب الردى ثقيل أول أخر، وقيل: إن لإبراهيم في فقلت لها يا عز خفيف ثقيل ينسب إلى دحمان وإلى سياط.

اجتمعا ذات ليلة ووصف ذلك صديق له: أخبرني الحرمي وحبيب بن نصر قالا حدثنا الزبير قال حدثنا يعقوب بن حكيم عن إبراهيم بن أبي عمرو الجهني عن أبيه قال: سارت علينا عزة في جماعة من قومها، فنزلت حيالنا، فجاءني كثير ذات يوم فقال لي: أريد أن أكون عندك اليوم فاذهب إلى عزة، فصرت به إلى منزلي. فأقام عندي حتى كان العشاء، ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال: إذا سلمت فاستخرج إليك جارية، فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني. فجئت بيتها فسلمت فخرجت إلي الجارية فأعطيتها الخاتم. فقالت: أين الموعد؟ قلت: صخرات أبي عبيد الليلة، فواعدتها هناك، فرجعت إليه فأعلمته. فلما أمسى قال لي: انهض بنا، فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جاءت من الليل فجلست فتحدثا فاطألا، فذهبت لأقوم. فقال لي: إلى أين تذهب؟ فقلت: أخليكما ساعة لعلكما تتحدثان ببعض ماتكتمان. قال لي: إجلس ! فوالله ما كان بيننا شيء قط. فجلست وهما يتحدثان وإن بينهما لثمامةً عظيمه هي من ورائها جالسة حتى أسحرنا، ثم قامت فانصرفت، وقمت أنا وهو فظل عندي حتى أمسى ثم انطلق.

سامته سكينة بجمله فلما رأى عزة معها تركه لهم: أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحق بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي قال: خرج كثير في الحاج بجمل له يبيعه، فمر بسكينة بنت الحسين ومعها عزة وهو لا يعرفها. فقالت سكينة: هذا كثير فسوموه بالجمل، فساموه فاستام مائتي درهم فقالت: ضع عنا فأبى. فدعت له بتمر وزبد فأكل، ثم قالت له: ضع عنا كذا وكذا لشيء يسير فأبى. فقالوا: قد أكلت يا كثير بأكثر مما نسألك ! فقال: ما أنا بواضعٍ شيئاً. فقالت سكينة: اكشفوا، فكشفوا عنها وعن عزة. فلما رأهما استحيا وانصرف وهو يقول: هو لكم هو لكم !.


قال بعض الرواة أنه لم يكن صادقاً في عشقه: من ذكر أن كثيراً كان يكذب في عشقه: أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال: كان كثير مدعياً ولم يكن عاشقاً، وكان جميلٌ صادق الصبابة والعشق.

أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال زعم إسحاق بن إبراهيم أنه سمع أبا عبيدة يقول كان جميل يصدق في حبه، وكلن كثير يكذب.

ومما وجدناه في أخباره ولم نسمعه من أحد أنه نظر إلى عزة ذات يوم وهي منتقبة تميس في مشيتها، فلم يعرفها كثير فاتبعها وقال: يا سيدتي ! قفي حتى أكلمك فاني لم أر مثلك قط، فمن أنت ويحك؟ قالت: ويحك ! وهل تركت عزة فيك بقية لأحد؟ قال: بأبي أنت ! والله لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك.

قالت: فهل لك في المخاللة؟ قال: وكيف لي بذلك؟ قالت: إني وكيف بما قلت في عزة؟! قال: أقلبه فأحوله إليك. فسفرت عن وجهها ثم قالت: أغدراً يا فاسق وإنك لهكذا ! فأبلس ! ولم ينطق وبهت. فلما مضت أنشأ يقول:

ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي

 

من السم جدحاتٌ بماء الذرارح

فمت ولم تعلم عـلـي خـيانة

 

وكم طالبٍ للريح ليس برابـح

أبوء بذنبي إنني قد ظلمـتـهـا

 

وإنني بباقي سرها غير بـائح

لقي عزة في طريقه إلى مصر وتعاتبا: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال زعم ابن الكلبي عن أبي المقوم قال أخبرني سائب راوية كثير قال: خرجت معه نريد مصر، فمررنا بالماء الذي فيه عزة فإذا هي في خباء، فسلمنا جميعاً، فقالت عزة: وعليك السلام يا سائب. ثم أقبلت على كثير فقالت: ويحك ! ألا تتقي الله ! أرأيت قولك:

بآية ما أتيتـك أم عـمـرو

 

فقمت لحاجتي والبيت خالي

أخلوت معك في بيت أو غير بيت قط ؟! قال. لم أقله، ولكنني قلت:

فأقسم لو أتيت البحر يومـاً

 

لأشرب ما سقتني من بلال

وأقسم إن حبك إم عمـرو

 

لداءٌ عند منقطع السعـال

قالت: أما هذا فنعم. فأتينا عبد العزيز ثم عدنا فقال كثير: عليك السلام يا عزة قالت: عليك السلام يا جمل فقال كثير.
صوت

حيتك عزة بعد الهجر فانصرفت

 

فحي ويحك من حياك يا جمـل

لو كنت حييتها ما زلت ذامـقة

 

عندي وما مسك الإدلاج والعمل

ليت التحية كانت لي فأشكرهـا

 

ما كان يا جملٌ حييت يا رجـل

ذكر يونس أن في هذه الأبيات غناء لمعبد. وذكر الهشامي أن فيها لبثينة خفيف رمل بالبنصر. وذكر حبش أن فيها للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى، ولإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى.

المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

من قصائده: ..