ذو الرمة

696- 735 م

هو غيلان بن عقبة، أبو الحارث. سمي ذو الرمة (الحبل الصغير) لأنه وصف وتداً قديم العهد لا تزال عليه قطعة من الحبل التي كانوا شدوا بها إليه أحد جوانب الخيمة، فقال: من الرجز "أشعث باقي رمة التقليد".

شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عمرو بن العلاء: فتح الشعر مبادئ بامرئ القيس وختم بذي الرمة.

كان شديد القصر دميماً، يضرب لونه إلى السواد. عشق "مية" المنقرية واشتهر بها.

أكثر شعره تشبيب وبكاء وأطلال.

وورد في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد طابخة بن إلياس بن مضر.

وقال ابن سلام: هو غيلان بن عقبة بن بهيش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان.

ويكنى أبا الحارث وذو الرمة لقب. يقال: لقبته به مية وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء قالت لها أمها: قومي فاسقيه. وقيل: بل خرق أدواته لما رآها وقال لها: اخرزي لي هذه فقالت: والله ما أحسن ذلك فإني لخرقاء. قال: والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئاً لكرامتها على قومها فقال لأمها: مريها أن تسقيني ماء فقالت لها: قومي يا خرقاء فاسقيه ماءً فقامت فأتته بماءٍ وكانت على كتفه رمة وهي قطعة من حبل فقالت: اشرب يا ذا الرمة فلقب بذلك.

وحكى ابن قتيبة أن هذه القصة جرت بينه وبين خرقاء العامرية.

وقال ابن حبيب: لقب ذا الرمة لقوله: أشعث باقي رمة التقليد وقيل: بل كان يصيبه في صغره فزعٌ فكتبت له تميمة فعلقها بحبل فلقب بذلك ذا الرمة.

ونسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح: حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن محمد بن صالح العدوي عن أبيه وعن أشياخه وعدة من أهل البادية من بني عدي منهم زرعة بن أذبول وابنه سليمان وأبو قيس وتميم وغيرهم من علمائهم: أن أم ذي الرمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي وهو يقرىء الأعراب بالبادية احتساباً بما يقيم لهم صلاتهم فقالت له: يا أبا الخليل إن ابني هذا يروع بالليل فاكتب لي معاذةً أعلقها على عنقه فقال لها: ائتيني برق أكتب فيه قالت: فإن لم يكن فهل يستقيم في غير رق أن يكتب له قال: فجيئيني بجلد فأتته بقطعة جلد غليظ فكتب له معاذة فيه فعلقته في عنقه فمكث دهراً. ثم إنها مرت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه فدنت منه فسلمت عليه وقالت: يا أبا الخليل ألا تسمع قول غيلان وشعره قال: بلى. فتقدم فأنشده وكانت المعاذة مشدودةً على يساره في حبل أسود فقال الحصين: أحسن ذو الرمة فغلبت عليه.

كان له إخوة كلهم شعراء:

وقال الأصمعي: أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء منهم مسعود وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمة ويذكر ليلى بنته:

إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني وليلى كلانا موجعٌ مات وافده

ولمسعود يقول ذو الرمة: صوت

أقول لمسعود بجرعاء مالكٍ وقد هـم دمـعـي أن تـسـح أوائلـه

ألا هل ترى الأظعان جاوزن مشرفاً من الرمل أو سالت بهن سلاسله

غنى فيه يحيى بن المكي ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو.

ومسعود الذي يقول يرثي أخاه أيضاً ذا الرمة ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث. وقال هارون بن الزيات: أخبرني ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان لذي الرمة إخوة ثلاثة : مسعود وجرفاس وهشام كلهم شعراء وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتاً أخر فينشدها الناس فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه:

نعى الركب أوفى حين آبت ركابهم لعمري لقد جاءوا بشر فأوجـعـوا

نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه تكاد الجبال الـصـم مـنـه تـصـدع

خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم فأضحى بأوفى قومه قد تضعضعوا

تعزيت عن أوفى بغيلان بعده عزاءً وجفن الـعـين مـلآن مـتـرع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ولكن نكاء القرح بـالـقـرح أوجـع

وأخوه الآخر هشام وهو رباه وكان شاعراً. ولذي الرمة يقول:

أغيلان إن ترجع قوى الود بيننا فكل الذي ولى من العـيش راجـع

فكن مثل أقصى الناس عندي فإنني بطول التنائي من أخي السوء قانع

وقال ذو الرمة لهشام أخيه:

أغر هشاماً من أخيه ابن أمـه قـوادم ضـأنٍ أقـبـلـت وربـيع

وهل تخلف الضأن الغزار أخا الندى إذا حل أمرٌ في الصدور فظيع

فأجابه هشام فقال:

إذا بان مالي من سوامك لم يكن إليك ورب العالـمـين رجـوع

فأنت الفتى ما اهتز في الزهر الندى وأنت إذا اشتد الزمان منوع

ذو الرمة وأخوه مسعود وشعرهماً في ظبية سنحت لهما

وذكر المهلبي عن أبي كريمة النحوي قال: خرج ذو الرمة يسير مع أخيه مسعود بأرض الدهناء فسنحت لهما ظبيةٌ فقال ذو الرمة:

أقول لدهناويةٍ عوهجٍ جرت لنا بين أعلى برقةٍ بالصرائم

أيا ظبية الوعساء بني جلاجلٍ وبين النقا آأنت أم أم سالم!

وقال مسعود:

جعلت لها قرنين فوق قصاصها وظلفين مسودين تحت القوائم

وقال ذو الرمة:

هي الشبه لولا مذرواها وأذنها سواء ولولا مشقةٌ في القوائم

وكان ذو الرمة كثيراً ما يأتي الحضر فيقيم بالكوفة والبصرة وكان طفيلياً.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثني الحسن بن علي قال: حدثني ابن سعيد الكندي قال: سمعت ابن عياش يقول: حدثني من رأى ذا الرمة طفيلياً يأتي العرسات.

نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح: حدثني هارون بن الزيات قال: أخبرني محمد بن صالح العدوي قال: قال أبو زرعة بن أذبول: كان ذو الرمة مدور الوجه حسن الشعرة جعدها أقنى أنزع خفيف العارضين أكحل حسن الضحك مفوهاً إذا كلمك أبلغ الناس يضع لسانه حيث يشاء.

قال حماد بن إسحاق: حدثني إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حصفة عن عمته عافية وغيرها من أهله: أنهم رأوا ذا الرمة باليمامة عند المهاجر بن عبد الله شيخاً أجناً سناطاً متساقطاً.

وقال هارون بن الزيات: حدثني علي بن أحمد الباهلي قال: حدثني ربيح النميري قال: اجتمع الناس مرةً وتحلقوا على ذي الرمة وهو ينشدهم فجاءت أمه فاطلعت من بينهم فإذا رجل قاعد وهو ذو الرمة. وكان دميماً شختاً أجنأ فقالت أمه: استمعوا إلى شعره ولا تنظروا إلى وجهه. قال هارون: وأخبرني يعقوب بن السكيت عن أبي عدنان قال: أخبرني أسيد الغنوي قال: سمعت بباديتنا من قوم هضبوا في الحديث أن ذا الرمة كان ترعية وكان كناز اللحم مربوعا قصيراً وكان أنفه ليس بالحسن.

الفرزدق وجرير يحسدانه

أخبرني ابن عمار عن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن صالح بن سليمان قال: كان الفرزدق وجرير يحسدان ذا الرمة وأهل البادية يعجبهم شعره.

قال: وكان صالح بن سليمان روايةً لشعر ذي الرمة فأنشد يوماً قصيدةً له وأعرابي من بني عدي يسمع فقال: أشهد عنك - أي أنك - لفقيهٌ تحسن ما تتلوه وكان يحسبه قرآناً.

إعجاب الكميت بشعره

نسخت من كتاب محمد بن داود: وحدثني هارون بن الزيات عن محمد بن صالح العدوي قال: قال حماد الراوية: قال الكميت حين سمع قول ذي الرمة:

أعاذل قد أكثرت من قول قائلٍ وعيبٌ على ذي الود لوم العواذل

هذا والله ملهم وما علم بدوي بدقائق الفطنة وذخائر كنز العقل المعد لذوي الألباب! أحسن ثم أحسن.

قال محمد بن صالح: وحدثني محمد بن كناسة بذلك عن الكميت وقال: لما أنشده قوله في هذه القصيدة:

دعاني وما داعي الهوى من بلادها إذا ما نأت خرقاء عني بغافل

فقال الكميت: لله بلاد هذا الغلام! وما أحسن قوله! وما أجود وصفه! ولقد شفع البيت قال ابن كناسة: وقال لي حماد الراوية:

ما أخر القوم ذكره إلا لحداثة سنه وأنهم حسدوه. آراء قيلت في شعره

قال محمد بن صالح: وقال لي خالد بن كلثوم وأبو عمرو: قال أبو حزام وأبو المطرف: لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ من ذي الرمة ولا أحسن جواباً كان كلامه أكثر من شعره.

وقال الأصمعي: ما أعلم أحداً من العشاق الحضريين وغيرهم شكا حبا أحسن من شكوى ذي الرمة مع عفةٍ وعقلٍ رصين.

قال: وقال أبو عبيدة: ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر ثم يرد على نفسه الحجة من صاحبه فيحسن الرد ثم يعتذر فيحسن التخلص مع حسن إنصافٍ وعفاف في الحكم.

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أبو أيوب المديني قال: حدثنا الفضل بن إسحاق الهاشمي عن مولى لجده قال: رأيت ذا الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجلٌ يهزأ به فقال له: يا أعرابي أتشهد بما لم تر قال: نعم قال: بماذا قال: أشهد أن أباك ناك أمك.

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل قال: كان جرير عند بعض الخلفاء فسأله عن ذي الرمة فقال: أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه أحد غيره.

أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق قال: قال حماد الراوية: قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم أر أفصح ولا أعلم بغريب منه.

نسخت من كتاب ابن النطاح: حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو قال: ختم الشعر بذي الرمة وختم الرجز برؤبة.

قال: فما تقول في هؤلاء الذين يقولون قال: كلٌ على غيرهم إن قالوا حسناً فقد سبقوا إليه وإن قالوا قبيحاً فمن عندهم.

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن بعض أصحابه عن حماد الراوية قال: أحسن الجاهلية تشبيهاً امرؤ القيس وذو الرمة أحسن أهل الإسلام تشبيهاً.

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل: أن جريراً والفرزدق اتفقا عند خليفة من خلفاء بني أمية فسأل كل واحد منهما على انفراد عن ذي الرمة فكلاهما قال: أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه غيره فقال الخليفة: أشهد لاتفاقكما فيه أنه أشعر منكما جميعاً.

أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق قال: حدثني أبي قال: أنشد الصقيل شعر ذي الرمة فاستحسنه وقال: ماله قاتله الله! ما كان إلا ربيقة هلا عاش قليلاً!.

وقال هارون بن محمد: أخبرني علي بن أحمد الباهلي قال: حدثني محمد بن إسحاق البلخي عن سفيان ابن عيينة عن ابن شبرمة قال: سمعت ذا الرمة يقول: إذا قلت: كأنه ثم لم أجد مخرجاً فقطع الله لساني.

قال هارون: وحدثني العباس بن ميمون طائع قال: قال الأصمعي: كان ذو الرمة أشعر الناس إذا شبه ولم يكن بالمفلق.

وحدثني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: كان لذي الرمة حظ في حسن التشبيه لم يكن لأحد من الإسلاميين كان علماؤنا يقولون: أحسن الجاهلية تشبيهاً امرؤ القيس وأحسن أهل الإسلام تشبيهاً ذو الرمة.

أخبرني محمد بن يزيد قال: حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عقيل عمارة بن عقيل عن عمته أم القاسم ابنة بلال بن جرير عن جارية كانت لأم مي قالت: كنا نازلين بأسفل الدهناء وكان رهط ذي الرمة مجاورين لنا فجلست مية - وهي حينئذ فتاة حين نهد ثدياها أحسن من رأيته - تغسل ثياباً لها ولأمها في بيت منفرد وكان بيتاً رثاً قد أخلق ففيه خروق فلما فرغت ولبست ثيابها جاءت فجلست عند أمها فأقبل ذو الرمة حتى دخل إلينا ثم سلم ونشد ضالة وجلس ساعةً ثم خرج.

فقالت مية: إني لأرى هذا العدوي قد رآني منكشفة واطلع علي من حيث لا أدري فإن بني عدي أخبث قوم في الأرض فاذهبي فقصي أثره فخرجت فوجدته ما يثبت مقامه فقصصت أثره ثانية حتى رأيته وقد تردد أكثر من ثلاثين طرقة كل ذلك يدنو فيطلع إليها ثم يرجع على عقبيته ثم يعود فيطلع إليها فأخبرتها بذلك ثم لم تنشب أن جاءنا شعره فيها من كل وجه ومكان.

رواية أخرى في ذلك وذكر علي بن سعيد بن بشر الرازي: أن هارون بن مسلم بن سعد حدثه عن حسين بن براق الأسدي عن عمارة بن ثقيف قال: حدثني ذو الرمة أن أول ما قاد المودة بينه وبين مية أنه خرج هو وأخوه وابن عمه في بغاء إبل لهم قال: بينا نحن نسير إذ وردنا على ماءٍ وقد أجهدنا العطش فعدلنا إلى حواء عظيم فقال لي أخي وابن عمي: ائت الحواء فاستسق لنا فأتيته وبين يديه في رواقه عجوزٌ جالسة. قال: فاستسقيت فالتفتت وراءها فقالت: يا مي اسقي هذا الغلام فدخلت عليها فإذا هي تنسج علقةً لها وهي تقول:

يا من يرى برقاً يمر حيناً زمزم رعداً وانتحى يمينا

كأن في حافاته حنيناً أو صوت خيل ضمرٍ يردينـا

قال: ثم قامت تصب في شكوتي ماءً وعليها شوذب لها فلما انحطت على القربة رأيت مولى لم أر أحسن منه فلهوت بالنظر إليها وأقبلت تصب الماء في شكوتي والماء يذهب يميناً وشمالاً. قال: فأقبلت علي العجوز " وقالت: يا بني ألهتك مي عما بعثك أهلك له أما ترى الماء يذهب يميناً وشمالاً! " فقلت: أما والله ليطولن هيامي بها.

قال: وملأت شكوتي وأتيت أخي وابن عمي ولففت راسي فانتبذت ناحيةً وقد كانت مي قالت: لقد كلفك أهلك السفر على ما أرى من صغرك وحداثة سنك فأنشأت أقول:

قد سخرت أخت بني لبيد مني ومن سلمٍ ومن وليد

مثل ادراع اليلمق الجديد قال: وهي أول قصيدة قلتها ثم أتممتها: هل تعرف المنزل بالوحيد ثم مكثت أهيم بها في ديارها عشرين سنة.

ذو الرمة وزوج مي

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي قال: سمعت أبي يقول: ضاف ذو الرمة زوج مي في ليلةٍ ظلماء وهو طامع في ألا يعرفه زوجها فيدخله بيته فيراها ويكلمها ففطن له الزوج وعرفه فلم يدخله وأخرج إليه قراه وتركه بالعراء وقد عرفته مية فلما كان في جوف الليل تغني غناء الركبان قال:

أراجعةٌ يا مي أيامنا الألى بذي الأثل أم لا ما لهن رجوع!

فغضب زوجها وقال: قومي فصيحي به: يابن الزانية وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل! فقالت: يا سبحان الله ضيفٌ والشاعر يقول! فانتضى السيف وقال: والله لأضربنك به حتى آتي عليك أو تقولي فصاحت به كما أمرها زوجها فنهض على راحلته فركبها وانصرف قال شعراً في خرقاء يغيظ به ميا فمر بلفج في ركب وبعض أصحابه يريد أن يرقع خفه فإذا هو بجوار خارجات من بيت يردن آخر وإذا خرقاء فيهن - وهي امرأةٌ من بني عامر - فإذا جاريةٌ حلوةٌ شهلاء فوقعت عين ذي الرمة عليها فقال لها: يا جارية أترقعين لهذا الرجل خفه فقالت تهزأ به: أنا خرقاء لا أحسن أن أعمل فسماها خرقاء وترك ذكر مي يريد أن يغيظ بذلك مياً. فقال فيها قصيدتين أو ثلاثاً ثم لم يلبث أن مات.

لقاءه بجرير والمهاجر بن عبد الله

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن الأصمعي عن عمارة بن عقيل قال: قال جرير: خرجت مع المهاجر بن عبد الله إلى حجةٍ فلقينا ذا الرمة فاستنشده المهاجر فأنشده:

ومن حاجتي لولا التنائي وربما منحت الهوى من ليس بالمتقارب

عطابيل بيضٌ من ربيعة عامر عذاب الثنايا مثقلات الحـقـائب

يقظن الحمى والرمل منهن محضر ويشربن ألبان الهجان النجائب

ذو الرمة يكتب

أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال: قال عيسى بن عمر: قال لي ذو الرمة: ارفع هذا الحرف فقلت له: أتكتب فقال بيده على فيه: اكتم علي فإنه عندنا عيب.

رؤبة يتهمه بسرقة شعره

أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن محمد بن أبي بكر المخزومي قال: قال رؤبة: كما قلت شعراً سرقه ذو الرمة فقيل له: وما ذاك قال: قلت: حي الشهيق ميت الأنفاس فقال هو: حي الشهيق ميت الأوصال فقلت له: فقوله والله أجود من قولك وإن كان سرقه منك فقال: ذلك أغم لي.

يحدثنا عن منزلته من الراعي

أخبرني ابن عبد العزيز عن ابن شبة قال: قيل لذي الرمة: إنما أنت راوية الراعي. فقال: أما والله لئن قيل ذاك ما مثلي ومثله إلا شابٌ صحب شيخاً فسلك به طرقاً ثم فارقه فسلك الشاب بعده شعاباً وأودية لم يسلكها الشيخ قط.

لا يحسن الهجاء والمدح:

أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم عن ابن أخي الأصمعي عن عمه دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال: إنما وضع من ذي الرمة أنه كان لا يحسن أن يهجو ولا يمدح وقد مدح بلال بن أبي بردة فقال:

رأيت الناس ينتجعون غيثاً فقلت لصيدح: انتجعي بلالا

أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال: حدثني أبو الغراف قال: عاب الحكم بن عوانة الكلبي ذا الرمة في بعض قوله فقال فيه:

فلو كنت من كلبٍ صميماً هجوتكم جميعاً ولكن لا إخالك من كلب

ولكنما أخبرت أنك ملصقٌ كما ألصقت من غيرها ثلمة القعـب

تدهدى فخرت ثلمةٌ من صميمه فكيف بأخرى بالغراء وبالشعـب

ذو الرمة وبلال بن أبي بردة يحتكمان إلى أبي عمرو بن العلاء في رواية شيء من شعر حاتم:

أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال: وحدثني أبو الغراف قال: دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة وكان بلال راويةً فصيحاً أديباً فأنشده بلال أبيات حاتم طيىء قال:

لحا الله صعلوكاً مناه وهمه من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

يرى الخمس تعذيباً وإن نال شبعةً يبت قلبه من شدة الهم مبهما

هكذا أنشد بلال فقال ذو الرمة: يرى الخمص تعذيباً وإنما الخمس للإبل وإنما خمص البطن فمحك بلال - وكان محكاً - وقال: هكذا أنشدنيه رواه طيىء فرد عليه ذو الرمة فضحك ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال: كيف تنشدهما وعرف أبو عمرو الذي به فقال: كلا الوجهين جائز فقال: أتأخذون عن ذي الرمة فقال: إنه لفصيح وإنا لنأخذ عنه بتمريضٍ. 

وخرجا من عنده فقال ذو الرمة لأبي عمرو: والله لولا أني أعلم أنك حطبت في حبله وملت مع هواه لهجوتك هجاءً لا يقعد إليك اثنان بعده.

المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

من قصائده:..