بشار بن برد

بشّـار بـن بُـرد
91-167هـ

هو أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء، أي انّه كان رقيقًا فأعتقته امرأة عقيلية، فصارت مولاته فنُسِبَ إليها.

هو بصريّ-ضرير، كان من فحول الشّعراء وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، القائد العربي المشهور.

وُلِدَ أعمى، أكمَه، جحظ الحدقتين قد تغشاهما لحمٌ أحمر، وكان ضخمًا عظيم الخلق والوجه، مجدرًا طويلاً؛ وهو أوّل مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين.

يروى عنه، وهو مما عزى إليه من آثار الزّندقة، أنّه كان يُفضّل طبيعة النّار على طبيعة الطّين، ويصوّب رأي إبليس في عدم السّجود لآدم. ويُنسَب إليه قوله: "الأرض مظلمةٌ والنّار مشرِقَةٌ والنار معبودةٌ مذ كانت النار".

وفي المفاضلة بين إبليس وآدم يقول:

إبليس أفضل من أبيكم آدم                 فتبصّروا يا معشر الأشرارِ

النارُ عنصُرُه وآدم طينة                      والطينُ لا يسمو سـموَّ النارِ

ورُوِيَ أنّه قد فُتِّشَت كتبه، فلم يُعثَر فيها على شيءٍ مما عزي له. ووُجِدَ له كتاب فيه قوله "إنّي أردتُ هجاء آل سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس، رضي اللّه عنهم، فذكرتُ قرابتهم من رسول اللّه فأمسكت عنهم".

وقال المهدي في تاريخه: "كان سببُ قتل المهدي لبشّار &##1571;نّ المهدي ولّى صالح بن داود أخا يعقوب بن أود ولايةً"، فهجاه بشّار بقوله ليعقوب:

هُمو حَمَلوا فوق المنابر صالحًا             أخاك فضجّت من أخيك المنابر".

فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: "إنّ بشار هجاك". قال: "ويلك! ماذا قال؟". قال: "يعفيني أمير المؤمنين من ذلك". فقال: "لا بُدّ". فأنشده شعرًا فيه فحش. فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه. فوجّه إليه مَن ألقاه في البطيحة. ومن شعر بشار قوله:

إذا بلغ الرّأي المشـورة فاسْتَعِن             بحزم نصيح أو نصاحة حازم

ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة            فَرِيش الخوافي تابع للقوادم

وما خير كفّ أمسك الغل أختهـا            وما خير سيفٍ لم يؤيّد بقائم.

عالج بشّار في شعره مختلف الأغراض الشعرية المعروفة، من مديحٍ إلى غَزَلٍ؛ ولكنّه برع في الهجاء، ولم يتورّع عن استخدام بذيء الكلام فيه.
غير أنّ للشّاعر أبياتًا في الصّداقة وأصولها ما يثير الإعجاب والإستغراب، كون هذا الإنسان الفاسق يصدرُ عنه مثل هذا الموقف الإنساني النّبيل. ومن أبياته هذه قوله:

إذا كُنتَ في كلّ الأمورِ معاتباً            صديقَكَ لم تلقَ الذي لا تُعاتِبُهُ

فَعِش واحداً أو صِل أخاك  فإنهُ           مُقارِفُ ذنبٍ مرّةً ومُجـانبُه

إذا أنت لم تشرب مراراّ على القذى       ظمِئتَ، وأيّ الناس تصفو مشاربُه

ويُعتَبر بشار بن برد جسراً بين القديم والجديد، إذ كان شعره مزيجًا من قساوة البادية ونعومة الحاضرة.

وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أ بو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور؛ ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ستة وعشرين جدا أسماؤهم أعجمية، أضربت عن ذكرها لطولها واستجامها وربما يقع فيها التصحيف والتحريف، فإنه لم يضبط شيئاً منها، فلا حاجة إلى الاطالة فيها بلا فائدة، وذكر من أحواله وأموره فصولا كثيرة.

وهو بصري قدم بغداد، وكان يلقب بالمرعث، وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، ويقال: إن بشاراً ولد على الرق أيضا، وأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها، وكان أكمة ولد أعمى، جاحظ الحديقتين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه مجدراً طويلاً، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين فيه، فمن شعرهفي المشورة، وهو من أحسن شيء قيل في ذلك:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستـعـن

 

بحزم نصيح أو نصـاحة حـازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

 

فريش الخوافي تابع لـلـقـوادم

وما خير كف أمسك الغل أختهـا

 

وما خير سيف لـم يؤيد بـقـائم

وله البيت السائر المشهور، وهو:  

هل تعلمين وراء الحب منزلة

 

تدني إليك فإن الحب أقصاني

ومن شعره، وهو أغزل بيت قاله المولدون:  

أنا والله أشتهي سحر عينـي

 

ك وأخشى مصارع العشاق

ومن شعره أيضاً:  

ياقوم أذني لبعض الحي عاشـقة

 

والأذن تعشق قبل العين أحيانـا

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم

 

الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

أخذ معنى البيت الأول لأب حفص عمر المعروف بابن الشحنة الموصلي من جملة قصيدة عدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتاً يمدح بها السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، فقال:  

وإني امرؤ أحببتكم لـمـكـارم

 

سمعت بها والأذن كالعين تعشق

وشعر بشار كثير سائر، فنقتصر منه على هذا القدر.

وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورمي عنده بالزندقة، فأمر بضربه فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك في البطيحة بالقرب من البصرة، فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك في سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، وقد نيف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.

ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وسلامه، وينسب إليه من الشعر في تفضيل النار على الأرض قوله:  

الأرض مظلمة، والنار مشرقة

 

والنار معبودة مذ كانت النـار

وقد روي أنه فتشت كتبه فلم يصب فيها شيء مما كان يرمى به، وأصيب له كتاب فيه إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم والله أعلم بحاله.

وقال الطبري في تاريخه: كان سبب قتل المهدي لبشار أن المهدي ولى صالح بن داود أخا يعقوب بن داود وزير المهدي ولايةً، فهجاه بشار بقوله ليعقوب:  

هم حملوا فوق المنابر صالحـاً

 

أخاك فضجت من أخيك المنابر

فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: إن بشارا هجاك، قال: ويلك، ماذا قال؟ قال: يعفيني أمير المؤمنين من إنشادذلك، فقال: لابد، فأنشده:  

خلـيفة يزنـي بـعـمـاتـه

 

يلعب بالدبوق والصولـجـان

أبـدلـنـا الـلـه بـه غـيره

 

ودس موسى في حر الخيزران

فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه، فوجه إليه من ألقاه في البطيحة.

ويرجوخ: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة.

والعقيلي - بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - هذه النسبة إلى عقيل بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.

والمرعث - بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة وعدها ثاء مثلثة - وهو الذي في أذنه رعاث، والرعاث القرطة، واحدتها رعثة، وهي القرط، قلب بذلك لأنه كان مرعثاً في صغره، ورعثات الديك المتدلي أسفل حنكه، والرعث: الاسترسال والتساقط، وكأن اسم القرطة اشتق منه، وقيل في تلقيبه بذلك غير هذا، وهذا أصح.

وطخارستان - بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء مضمومة وبعدها سين ساكنة مهملة ثم تاء مثناة من فوقها وبعد الألف نون - وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان وراء نهر بلخ على جيحون خرج منها جماعة من العلماء.

وفي "الأغاني" قال أبو الفرج الأصفهاني: هو، فيما ذكره الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهروية عن غيلان الشعوبي، بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهر داد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكر بن أدريوس بن يستاسب" بن لهراسف". قال: وكان يرجوخ من طخارستان من سبى المهلب بن أبي صفرة. ويكنى بشار أبا معاذ. ومحله في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله. وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والأموية، قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ سني الجوائز مع الشعراء.

أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال: قال حميد بن سعيد: كان بشار من شعب أدريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك. قال: وهو بشار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز. قال: وكان يكنى أبا معاذ.

ولاؤه لبني عقيل: وأخبرني يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزي عن خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال: كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قن خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة، وكان مقيماً لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة " بخيرتان" مع عبيد لها وإماء، فوهبت براداً بعد أن زوجته لامرأة من بني عقيل كانت متصلة بها، فولدت له امرأته وهو في ملكها بشاراً فأعتقته العقيلية وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان برد أبو بشار مولى أم الظباء العقيلية السدوسية، فادعى بشار أنه مولى بني عقيل لنزوله فيهم.

وأخبرني امد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصارا بالبصرة، قال: ولاؤنا لبني عقيل؛ فقلت لأيهم؟ فقال: لبني ربيعة بن عقيل وأخبرني وكيع قال حدثني سليمان المدني قال قال أحمد بن معاوية الباهلي: كان بشار وأمه لرجل من الأزد، فتزوج امراة من بني عقيل، فساق إليها بشاراً وأمه في صداقها، وكان بشار ولد مكفوفاً فأعتقته العقيلية.

أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني محمد بن الحجاج قال: باعت أم بشار بشاراً على أم الظباء السدوسية بدينارين فأعتقته. وأم الظباء امراة أوس بن ثعلبة أحد بن تيم اللات بن ثعلبة، وهو صاحب قصر أوس بالبصرة؛ وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بن بخراسان

كان أبوه طساناً

وقد هجاه بذلك حماد عجرد: أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن زيد العجلي قال أخبرني بدر بن مزاحم: أن برداً أبا بشار كان طياناً يضرب اللبن، وأراني أبي بيتين" لناً فقال لي: لبن هذين البيتين من ضرب برد أبي بشارٍ. فسمع هذه الحكاية حماد عجردٍ فهجاه فقال:

يابن برد إخسأ إليك فمثـل ال

 

كلب في الناس أنت لا الإنسان

بل لعمري لأنت شر من الكل

 

ب وأولى منه بكـل هـوان

ولريح الخنزير أهون من ري

 

حك يابن الطيان ذي التـبـان

 

أنشد للمهدي شعراً في أنه عجمي بحضور أبي دلامة:

أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن أبي الصلت البصري عن أبي عدنان قال حدثني يحيى بن الجون العبدي رواية بشار قال: قال: لما دخلت على المهدي قال لي: فيمن تعتذ يابشار؟ فقلت: اما اللسان والزي فعربيان، وأما الأصل فعجمي، كما قلت في شعري ياأمير المؤمنين:

ونبئت قـومـاً بـهـم جـنة

 

يقولون من ذا وكنت العـلـم

ألا أيها السـائلـي جـاهـداً

 

ليعرفني أنا أنـف الـكـرم

نمت في الكرام بني عـامـر

 

فروعي وأصلي قريش العجم

فإني لأغني مقـام الـفـتـى

 

وأصبي الفتاة فما تعتـصـم

قال: وكان أبو دلامة حاضراً فقال: كلا! لوجهك أقبح من ذلك ووجهي مع وجهك؛ فقلت: كلا! والله مارأيت رجلاً أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك، والله إني لطويل القامة عظيم الهامة تام الألواح أسحج الخدين، ولرب مسترخي المذورين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها حيث أريد، فأنت مثلي يامرضعان! "قال": فسكت عني، ثم قال لي المهدي: فمن أي العجم أصلك؟ فقلت: من أكثرها في الفرسان، وأشدها على الأقران، أهل طخازستان؛ فقال بعض القوم: أولئك الصغد؛ فقلت: لا، الصغد تجار؛ فقال بعض القوم: اولئك الصغد؛ فقلت: لا الصغد تجار؛ فلم يردد ذلك المهدي

كان كثير التلون في ولائه للعرب مرة وللعجم أخرى:

وكان بشار كثير التلون في ولائه، شديد الشغب والتعصب للعجم، مرة يقول يفتخر بولائه في قيس:

أمنت مضرة الفحشـاء أنـى

 

أرى قيساً تضر ولاتـضـار

كأن الناس حين تغيب عنـهـم

 

نبات الأرض أخطأه القطـار

وقد كانت بتذمر خـيل قـيس

 

فكان لتدمـر فـيهـا دمـار

بحي من بني عـيلان شـوس

 

يسير الموت حيث يقال ساروا

ومانلـقـاهـم إلا صـدرنـا

 

بري منـهـم وهـم حـرار

ورمة يتبرأ من ولاء العرب فيقول

أصبحت مولى ذي الجلال وبعضهم

 

مولى العريب فخذ بفضلك فافخر

مولاك أكرم من تمـيم كـلـهـا

 

أهل الفعال ومن قريش المشعـر

فارجع إلى مولاك غير مـدافـع

 

سبحان مولاك الأجـل الأكـبـر

وقال يفتخر بولاء بني عقيل:

إنني من بني عقيل بن كـعـب

 

موضع السيف من طلى الأعناق

 

كان يلقب بالمرعث وسبب ذلك

ويكنى أبا بشار أبا معاذ، ويلقب بالمرعث.

أخبرني عمي ويحيى بن علي قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محم بن سلام قال: بشار المرعث هو بشار بن برد، وإما سمي المرعث بقوله:

قال ريم مـرعــث

 

ساحر الطرف والنظر

لست والـلـه نـائلـي

 

قلت أو يغلب القـدر

أنت إن رمت وصلنـا

 

فانج، هل تدرك القمر

قال أبو أيوب: وقال لنا ابن سلام مرة أخرى: إنما سمي بشار المرعث، لأنهه كان لقميصه جيبان: جيب عن يمينه وجيب عن شماله، فإذا أراد لبسه ضمه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه، وإذا أراد نزعه حل أزاره وخرج منه، فشبهت تلك الجيوب بالرعاث لاسترسالها وتدليلها، وسمي من أجلها المرعث.

أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثني أبو حانم قال قال لي أبو عبيدة: لقب بشار بالمرعث لأنه كان في أذنه وهو صغير رعاث. والرعاث: القرطة، واحدتها رعثة وجمعها رعاث، "ورعثات". ورعثات الديك: اللحم المتدلي تحت حنكه؛ قال الشاعر:

سقيت أب المصرع إذ أتأني

 

وذو الرعثات منتصب يصيح

شراباً يهرب الئبـان مـنـه

 

ويلثغ حين يشربه الفصـيح

قال: والرعث: الاسترسال والتساقط. فكان اسم القرطة اشتق منه. 

كان أشد الناس تبرماً بالناس

أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن بدر العجلي قال: سمعت الأصمعي يذكر أن بشاراً كان من أشد الناس تبرماً بالناس، وكان يقول: الحمد لله الذي دهب ببصري؛ فقيل له: ولم يا أبا معاذ؟ قال: لئلا ارى من أبغض. وكان يلبس قميصاً له لبنتان، فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله، فبذلك سمي المرعث

صفاته

أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا قعنب بن محز عن الأصمعي قال: كان بشار ضخماً، عظيم الخلق والوجه، مجدوراً، طويلاً، جاحظ المقلتين قد تغشاهما لحم أحمر، فكان أقبح الناس عمى وأفظعه منظراً وكان إذا أراد أن ينشد صفق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب ولد أعمى وهجى بذلك وشعره في العمى أخبرنا يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن محمد بن سلام قال: ولد بشار أعمى، وهو الأكمه. وقال في تصداق ذلك أبو هشام الباهلي يهجوه:

وعبدي فقا عينيك في الرحم أيره

 

فجشت ولم تعلم لعينيك فـاقـيا

أأمك يابشار كانـت عـفـيفة؟

 

علي إذا مشي إلى البيت حافـيا

قال: ولم يزل بشار منذ قال فيه هذين البيتين منكرساً: أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قل: ولد بشار أعمى فما نظر إلى الدنيا قط، وكان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره فيأتي بما لايقدر البصراء أن يأتوا بمثله؛ فقيل له يوماً وقد أنشد قوله:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا

 

وأسافنا ليل تهاوى كواكبـه

ماقال أحد أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولاشيئاً فيها؟ فقال: إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفر حسه وتذكو قريحته؛ ثم أنشدهم قوله:

عميت جنيناً والذكاء من العمـى

 

فجئت عجيب الظن للعلم موثلا

وغاض ضياء العين للعلم رافـداً

 

لقلب إذا ماضيع الناس حصـلا

وشعر كنور الروض لاءمت بينه

 

بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا

أخبرنا هاشم قال حدثنا العنزي عن قعنب بن وحرز عن أبي عبد الله الشرادني قال: كان أبو بشار أعمى طويلاً "ضخماً" آدم مجدورا.

وأخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال الحمراني قالت لي عمتي: زرت قرابة" لي في بني عقيل فإذا أنا بشيخ أعمى ضخم ينشد:

من المفتون بشـار بـن بـرد

 

إلى شيبان كهلـهـم ومـرد

بأن فتاتكم سـلـبـت فـؤادي

 

فنصف عندها والنصف عندي

فسألت عنه فقيل لي: هذا بشار

من قصائده:..