دعبل الخزاعي

148 هـ -246 هـ /  765 م - 860 م

هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، أبو علي.

من شعراء العصر العباسي

شاعر هجّاء، أصله من
الكوفة، أقام ببغداد.

في شعره جودة، كان صديق البحتري وصنّف كتاباً في طبقات الشعراء.

قال ابن خلّكان: كان بذيء اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس هجا الخلفاء، الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق ومن دونهم.

وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك، وكان طويلاً ضخماً أطروشاً.

توفي ببلدة تدعي الطيب بين واسط وخوزستان، وجمع بعض الأدباء ما تبقى من شعره في ديوان.

وفي تاريخ بغداد أن اسمه عبد الرحمن وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلا فقلبت الذال دالاً.

وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو علي دعب بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي الشاعر المشهور، وذكر صاحب الأغاني: أنه دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل-وقيل بهنس-بن خراش بن خالد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن اسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقيا ويكنى: أبا علي. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله ابن بديل بن ورقاء الخزاعي.

أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسيا وأقام ببغداد، وقيل إن دعبلاً لقب واسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وقيل محمد، وكنيته أبو جعفر والله أعلم. ويقال: إنه كان أطروشاً وفي قفاه سلعة.

كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذي اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك، ولما عمل في إبراهيم بن المهدي-المقدم ذكره-الأبيات التي أثبتها في ترجمته وأولها:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله

 

فهفا إليه كل أطلس مـائق

دخل إبراهيم على المأمون فشكا إليه حاله، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال؟ لعل قوله:  

نعر ابن شكلة بالعراق...

وأنشد الأبيات، فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في:  

أيسومني المأمون خطة جـاهـل

 

أو ما رأى بالأمس رأس محمـد

إني من القوم الذين سـيوفـهـم

 

قتلت أخاك وشرفتك بمـقـعـد

شادوا بذكرك بعد طول خمولـه

 

واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك.

وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول: قبح الله دعبلاً فما أوقحه، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها وربيت في مهدها؟ ومثل هذا الحلم بل أعظم ما حكي عن الواثق أنه كان يحب الباذنجان ويكثر من أكله ومعظم الرمد بالعراق من أكل الباذنجان لحر الإقليم والسوداء المتولدة من أكله، فبعث إليه أبوه المعتصم وقال له: دع أكل الباذنجان واحفظ بصرك فمتى رأيت خليفة أعمى؟ فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين إني تصدقت بعيني على الباذنجان، ثم رمد رمدة صعبة ما تخلص منها إلا وعلى إحدى عينيه بياض كاد يسدها، وكان المسدود الشاعر قد هجا الواثق وهو ولي عهد أبيه، وسمي المسدود لجسم سد منخريه فعمل:  

من المسدود في الأنف

 

إلى المسدود في العين

فيا طـبـلاً لـه رأس

 

ويا طبلاً بـرأسـين

فلما كان يوم تفرقة العطاء كتب المسدود مستحقه في ورقة وجعلها في عمامته مع ورقة الهجو ثم دخل على الخليفة فناوله ورقة الهجو فقرأها وضحك وقال: خذ هذه وهات ورقة المستحق ولا تعد في مثل هذا، وقضى حاجته.

وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير، وعليه تخرج دعبل في الشعر، فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان أو فارس ثم إني ظفرت بالجهة التي تولاها مسلم وهي جرجان من ناحية خراسان ولاه إياها الفضل بن سهل-الآتي ذكره إن شاء الله تعالى-فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما، فلم يلتفت مسلم إليه، ففارقه وعمل:  

غششت الهوى حتى تداعت أصوله

 

بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعـا

وأنزلت من بين الجوانح والحشـا

 

ذخيرة ود طالما قد تـمـنـعـا

فلا تعذلني ليس لي فيك مطمـع

 

تخرقت حتى لم أجد لك مرقعـاً

وهبك يميني استأكلت فقطعتـهـا

 

وصبرت قلبي بعدها فتشجـعـا

ومن شعره في الغزل:  

لا تعجبي يا سلم مـن رجـل

 

ضحك المشيب برأسه فبكـى

يا ليست شعري كيف نومكمـا

 

يا صاحبي إذا دمي سـفـكـا

لا تأخذا بظـلامـتـي أحـداً

 

قلبي وطرفي في دمي اشتركا

ومن شعره في مدح المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي أمير مصر:  

زمني بمطلب سقيت زمانـا

 

ما كنت إلا روضة وجنانـا

كل الندى إلا نداك تـكـلـف

 

لم أرض غيرك كائناً من كانا

أصلحتني بالبر بل أفسدتنـي

 

وتركتني أتسخط الإحسـانـا

ومن كلامه: من فضل الشعر أنه لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس، إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له، ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له: أحسنت والله، فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى.

وقال دعبل: كنا يوماً عند سهل بن هارون الكاتب البليغ، وكان شديد البخل، فأطلنا الحديث، واضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بقصعة فيها ديك عاس هرم لا تخرقه سكين ولا يؤثر فيه ضرس، فأخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته، وقلب جميع ما في القصعة، ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعة، ثم رفع رأسه وقال للطباخ: أين الرأس؟ فقال: رميت به، قال: ولم؟ قال: ظننت أنك لا تأكله، فقال: لبئس ما ظننت، ويحك والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف من يرمي رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الأربع، ومنه يصيح، ولولا صوته لما فضل، وفيه فرقه الذي يتبرك به، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب كعين الديك، وماغه عجب لوجع الكليتين، ولم ير عظم قط أهش من عظم رأسه، أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق؟ فإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فانظر أين هو، قال: والله لا أدري أين هو، رميت به، قال: لكني أدري أين هو، رميت به في بطنك فالله حسبك.

ودعبل ابن عم أبي جعفر بن عبد الله بن رزين الملقب أبا الشيص الخزاعي الشاعر المشهور، وكان أبو الشيص من مداح الرشيد، ولما مات رثاه ومدح ولده الأمين. وكانت ولادة دعبل في سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين بالطيب، وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز، رحمه الله تعالى.

وجده رزين مولى عبد الله بن خلف الخزاعي، والد طلحة الطلحات، وكان عبد الله المذكور كاتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على ديوان الكوفة، وولي طلحة سجستان فمات بها، رحمه الله تعالى.

ولما مات دعبل-وكان صديق البحتري، وكان أبو تمام الطائي قد مات قبله كما تقدم-رثاهما البحتري بأبيات منها:  

قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي

 

مثوى حبيب يوم مات ودعبل

أخوي لا تزل السماء مخـيلة

 

تغشاكما بسماء مزن مسبـل

جدث على الأهواز يبعد دونه

 

مسرى النعي ورمة بالموصل

ودعبل-بكسر الدال وسكون العين المهملتين وكسر الباء الموحدة وبعدها لام-وهو اسم الناقة الشارف، وكان يقول: مررت يوماً برجل قد أصابه الصرع، فدنوت منه وصحت في أذنه بأعلى صوتي: دعبل، فقام يمشي كأنه لم يصبه شيء.

من قصائده: