مهيار الديلمي

توفي 428 هـ /  1037 م

مهيار بن مرزويه، أبو الحسن الديلمي.

شاعر كبير في أسلوبه قوة وفي معانيه ابتكار، قال الحر العاملي: جمع مهيار بين فصاحة العرب ومعاني العجم، وقال الزبيدي: (الديلمي) شاعر زمانه فارسي الأصل من أهل بغداد، كان منزله فيها بدرب رباح، من الكرخ، وبها وفاته.

ويرى (هوار) أنه ولد في الديلم (جنوب جيلان على بحر قزوين) وأنه استخدم في بغداد للترجمة عن الفارسية.

وكان مجوسياً وأسلم سنة 494هـ على يد الشريف الرضي.

وتشيع وغلا في تشيعه وسب بعض الصحابة في شعره، حتى قال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار انتقلت من زاوية في النار إلى أخرى فيها.

وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو الحسن مهيار بن مروزيه الكاتب الفارسي الديلمي الشاعر المشهور؛ كان مجوسياً فأسلم، ويقال إن سلامه كان على يد الشريف الرضي أبي الحسن محمد الموسوي - المقدم ذكره - وهو شيخه، وعليه تخرج في نظم الشعر، وقد وازن كثيراً من قصائده. وذكر شيخنا ابن الأثير الدزري في تاريخه أنه أسلم في سنة أربع وتسعين وثلثمائة، فقال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار قد انتقلت بأسوبك في النار من زاوية إلى زاوية، فقال: وكيف ذاك؟ قال: كنت مجوسياً فصرت تسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعرك.

وكان شاعراً جزل القول، مقدماً على أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.

ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأثنى عليه وقال: كنت أراه يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات، يعني ببغداد، ويقرأ عليه ديوان شعره ولم يقدر لي أسمع منه شيئاً.

وذكره أبو الحسن الباخرزي - المقدم ذكره - في كتاب دمية القصر فقال في حقه: هو شاعر، له مناسك الفضل مشاعر، وكاتب، تجلى تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت، يتحكم عليه لو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب؛ ثم عقب هذا الكلام بذكر مقاطيع من شعره وأبيات من جملة قصائده.

وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئاً من شعره. ومن نظمه المشهور قصيدته التي أولها:

سقى دارها بالرقمتـين وحـياهـا

 

ملث يحيل الترب في الدار أموالها

ومنها:

وكيف بوصل الحبل من أم مالـك

 

وبين بلادينا زرود وحـبـلاهـا

يراها بعين الشوق قلبي على النوى

 

فيحظى، ولكن من لعيني برؤياها

فلله ما أصفى وأكـدر حـبـهـا

 

وأبعدها مني الغـداة وأدنـاهـا

إذا اسوحشت عيني أنست بأن أرى

 

نظائر تصبيني إليها وأشـبـاهـا

وأعتنق الغصن الرطيب لقـدهـا

 

وأرشف ثغر الكأس أحسبه فاهـا

ويوم الكئيب استرشقت لي ظبـية

 

مولهة قد ضل بالقاع خشفـاهـا

يدله خوف الثكل حبة قـلـبـهـا

 

فتزداد حسناً مقلتاها ولـيتـاهـا

فما ارتاب طرفي فيك يا أم مالـك

 

على صحة التشبـيه أنـك إياهـا

فإن لم تكوني خدها وجـبـينـهـا

 

فإنك أنت الجيد أو أنت عينـاهـا

ألومـه فـي حـب دار عـزيزة

 

يشق على رجم المطامع مرماها

دعوه ونجداً إنها شـأن قـلـبـه

 

فلو أن نجداً تلعة ما تـعـداهـا

وهبكم منعتم أن يراها بـعـينـه

 

فهل تمنعون القلب أن يتمنـاهـا

وليل بذات الأثل قصـر طـولـه

 

سرى طفيها، آها لذكرتـه آهـا

تخطت إلي مشياً علـى الـهـوى

 

وأخطاره، لا يصغر الله ممشاهـا

وقد كاد أسداف الدجى أن تضلها

 

فما دلها إلا وميض ثنـاياهـا

وله من أبيات:

إن التي علقت قلبـك حـبـهـا

 

احت بقلب منك غير عـلـوق

عقدت ضمان وفائها من خصرها

 

فوهى، كلا العقدين غير وثـيق

ومن سائر شعره أيضاً قوله رحمه الله تعالى:

بكر العارض تحدوده النعامي

 

فساقك الري يا دار أمامـا

وتمشت فيك أنفاس الصـبـا

 

يتناجين بأنفاس الخـزامـى

ومنها:

وبجرعاء الحمـى قـلـبـي فـعـج

 

بالحمى واقرأ على قلبي الـسـلامـا

وتـرجـل فـتـحـدث عـجـبــا

 

أن قلباً سار عـن جـسـم أقـامـا

قل لجيران الغـضـى آهـا عـلـى

 

طيب عيش بالغضى لو كـان دامـا

نصـل الـعـام ولا نـنـسـاكــم

 

وقصارى الوجد أن تحمل شيحاً وثماما

وابعثوا أشبـاحـكـم فـي الـكـرى

 

إن أذنتم لـجـفـونـي أن تـنـامـا

وهي قصيدة طويلة نقتصر من أطايبها على هذا القدر طلباً للاختصار. ومن رقيق شعره قصيدته التي منها:

أرقت فهل لها جعة بسلـع

 

على الأرقين أفـئدة تـرق

نشتك بالمـودة ياابـن ودي

 

فإنك بي من ابن أبي حـق

أسل بالجزع دمعك إن عيني

 

إذا استبررتها دمعا تـعـق

وإن شق البكاء على المعافى

 

فلم أسألـك إلا مـا يشـق

وله في القناعة، وقد أحسن فيها كل الاحسان:

يلحى علىالبخل الشحيح بمـالـه

 

أفلا تكون بماء وجهـك أنـجـلا

أكرم يديك عن السؤال فـإنـمـا

 

قدر الحياة أقل مـن أن تـسـألا

ولقد أضم إلي فضل قنـاعـتـي

 

وأبيت مشتملاُ بهـا مـتـزمـلا

وأري العدو على الخاصاصة شارة

 

تصف الغنى فيخالني مـتـمـولا

وإذا امرؤ أفنى االليالي حـسـرة

 

وأمانـيا أفـنـيتـهـن تـوكـلا

ومن بدبع مدائحه قوله من جملة قصيدة:

وإذا رأوك تفرقت أرواحهم

 

فكأنما عرفتك قبل الأعين

وإذا أردت بأن تفل كتـيبة

 

لاقيتها فتسم فيها واكتـن

وله من جملة قصيدة أبيات تتضمن العتب:

إذا صور الأشفاق لي كيف أنتم

 

وكيف إذا ما عن ذكري صرتم

تنفست عن عتب، فؤادي مفصحٌ

 

به، ولساني للحافظ يجمـجـم

وفي فيّ ماءٌ من بقايا ودادكـم

 

كثيراً به من ماء وجهي أرقتم

أضم فمي ضنا علـيه وبـينـه

 

وبين انسكاب ريثما أتـكـلـم

وديوانه مشهور فلا حاجة إلى الإطالة في إيراد محاسنه.

ويعجبني كثيراً قوله من جملة قصيدة طويلة بيت واحد وهو:

بنا أنتم من ظاعنين وخـلـفـوا

 

قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهم

وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.

من قصائده:..