الشريف الرضي

359 - 406 هـ / 969 - 1015 م

في سنة (359هـ= 970م) ببغداد ولد محمد بن الحسين بن موسى، الملقب بالشريف الأجل، والشريف الرضي حيث كان نقيبا للأشراف. وينتهي نسبه من طرفيه إلى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي بغداد عاش وتتلمذ ونبغ وأشعر، وبها أيضا توفي.

كان فاضلا عالما شاعرا مبرّزا، وكانت له هيبة وجلالة، وفيه ورع وعصمة، عالي الهمة، شريف النفس، لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، وكان عفيفا شريفا ملتزما بالدين وأحكامه.

وبجانب الشعر للشريف الرضي تآليف عديدة منها: المتشابه في القرآن، وحقائق التنزيل، وتفسير القرآن، والمجازات للآثار النبوية، وتعليق خلاف الفقهاء، ونهج البلاغة وكتاب مجازات القرآن، والزيادات في شعر أبي تمام، وانتخاب شعر ابن الحجاج، وهذا الإنتاج معلم على غزارة علمه وتبحره في العربية وعلومها.

نظم الشريف الرضي الشعر في عهد الطفولة، وهو لم يبلغ عشر سنين؛ فأجاد ونظم في جميع فنون الشعر، وجاء محلقاً في سماء الشعر محرزاً قصب السبق. وأجاد في جميع أغراض الشعر العربي؛ وهذا ما يدلّ على غزارة مادته. كان ينظم قصائده بمنحةٍ نفسانية قلما تؤثر بها العوامل الخارجية.

وامتاز الرضي بأن شعره على كثرته يلبس ثوب الجودة والملاحة وهذا قلما يتفق لشاعر مكثر، بل لم يتفق لغيره.

وشعر الرضي صاف وجميل في كل الفنون. فهو عندما يهجو لا يستخدم الألفاظ النابية والكلمات المقذعة، وعندما يتغزل فليس كغيره، ولكن بأدب جم وبسمو أبعد عن كثير مما يتعاطاه الشعراء من الألفاظ الغرامية .

وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: الشريف الرضي أبو الحسن محمدبن طاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد ابن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر؛ ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة فقال في ترجمته: ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، وهو اليوم أبدع أنشأ الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلى مع محتدة الشريف ومفخره المنيف، بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبين من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم الملفقين، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أخبر به شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح، الذي يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها. وكان أبوه يتولى قديما نقابة نقباء الطالبين، ويحكم فيهم أجمعين، والنظر في المظالم والحج بالناس، ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده الرضي المذكور في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة وأبوه حي.

ومن غرر شعره ماكتبه إلى الإمام القادر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدر من جملة قصيدته:

عطفا أمير المؤمنين فإنـنـا

 

في دوحة العلياء لانتفـرق

مابيننا يوم الفخار تـفـاوت

 

أبدا، كلنا في المعالي معرق

إلا الخلافة ميزتك، فإنـنـي

 

أنا عاطل منها وأنت مطوق

ومن جيد شعره قوله أيضا:

رمت المعالي فامتنعن ولم يزل

 

أبدا يمانع عاشقا معـشـوق

وصبرت ختى نلتهن ولم أقـل

 

ضجرا: دواء الفارك التطليق

وله من جملة أبيات:

يا صـاحـبـي قـفـــا لـــي واقـــضـــيا وطـــرا

 

وحـدثـانـــي عـــن نـــجـــد بـــأخـــبـــار

هل روضت قاعة الوعساء أم

 

مطرت خميلة الطلح ذات البان والغار

أم هل أبيت ودار دون كاظمة

 

وداري، وســمـــار ذاك الـــحـــي ســـمـــاري

تضـــوع أرواح نـــجـــد مـــن ثـــيابـــهـــم

 

عنـد الـقـدوم لـقـرب الـــعـــهـــد بـــالـــدار

 وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو كثير الوجود فلاحاجة إلى الإكثار من ذكره.

وذكر أبو الفتح ابن جني النحوي - المقدم ذكره -في بعض مجاميعه أن الشريف الرضي المذكور أحضر إلى ابن السيرافي النحوي وهو طفل جدا لم يبلغ عمره عشر سنين فلقنه النحو، وقعد معه يوما في حلقته، فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم، فقال له: إذا قلنارأيت عمر فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي: بغض علي؛ فعجب السيرافي والحاضرون من حدة خاطره. وذكر أنه تلقن القرآن بعد أن دخل في السن فحفظه في مدة يسيرة. وصنف كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله دل على توسعه في علم النحو واللغة، وصنف كتابا في مجازات القرآن فجاء نادرا في بابه.

وقد عني بجمع ديوان الشريف الرضي المذكور جماعة، وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخبري.

ولقد أخبرني بعض الفضلاء أنه رأى في مجموع أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي المذكور بسر من رأى، وهو لايعرفها، وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها، وبقايا رسومها تشهد له بالنضارة وحسن الشارة، فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان، وتمثل بقول الشريف الرضي المذكور:

ولقد وقفت على ربوعهـم

 

وطلولها بيد البلى نهـب

فبكيت حتى ضج من لغب

 

نضوي ولج بعذلي الركب

وتلفتت عيني فمذ خفـيت

 

عني الطلول تلفت القلب

فمر به شخص وسمعه وهو ينشد الأبيات، فقال له: هل تعرف هذه الدار لمن هي؟فقال لا، فقال: هذه الدار لصاحب هذه الأبيات الشريف الرضي فتعجبا من حسن الاتفاق.

قال الخطيب في تاريخ بغداد: سمعت أبا عبدالله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين ابن محفوظ، وكان أوحد الرؤساء، يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: الرضي أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان في قريش من يجيد القول، إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي.

وكانت ولادته سنة تسع وخمسين وثلثمائة ببغداد؛ وتوفي بكرة يوم الأحد سادس المحرم-وقيل صفر - سنة ست وأربعمائة ببغداد، ودفن في داره بخط مسجد الأنبارين بالكرخ، وقد خربت الدار ودرس القبر. ومضى أخوه المرتضى أبو القاسم إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة كثيرة، رحمه الله تعالى.

من قصائده: ..