ابن الرومي

836- 896 م

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وقيل جورجيس المعروف بابن الرومي مولى عبيداللّه بن عيسى بن جعفر بن المنصور بن محمد بن علي بن عبداللّه بن العباس بن عبد المطلب.

ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه.

قال ابن خلكان هو صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية.

روى شعره
المتنبي ثم رتبه أبو بكر الصولي وجمعه أبو الطيب وراق بن عبدوس من جميع النسخ.

لابن الرومي القصائد المطولة والمقاطيع البديعة وله شهرة في الهجاء والمديح.

وجاء في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو ابن الرومي أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، وقيل جورجيس، المعروف بابن الرومي، مولى عبيد الله بن عيسى بن جعفر بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه؛ الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية، وكان شعره غير مرتب، ورواه عنه المسيبي، ثم عمله أبو بكر الصولي ورتبه على الحروف، وجمعه أبو الطيب وراق ابن عبدوس من جميع النسخ، فزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت. وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة، ولو في الهجاء كل شيء ظريف، وكذلك في المديح، فمن ذلك قوله:

المنعمون وما منوا على أحـدٍ

 

يوم العطاء ولو منوا لما مانوا

كم ضن بالمال أقوامٌ وعندهـم

 

وفر، وأعطى العطـايا يدان

وله أيضاً، وقال: ما سبقني إلى هذا المعنى أحد:

آراؤكم ووجوهكم وسيوفـكـم

 

في الحادثات إذا دجون نجوم

منها معالم للهدى ومصـابـح

 

تجلو الدجى والأخريات رجوم

ومن معانيه البديعة قوله:

وإذا امرؤ مدح امرءاً لنواله

 

وأطال فيه فقد أراد هجاءه

لو لم يقدر فيه بعد المستقـى

 

عند الورود لما أطال رشاءه

 

وكذلك قوله في ذم الخضاب، قال أبو الحسين جعفر بن علي الحمداني: ما سبقه أحد إلى هذا المعنى:

إذا دام للمرء السواد وأخلقت

 

شبيبته ظن السواد خضابـا

فكيف يظن الشيخ أن خضابه

 

يظن سواداً أو يخال شبابـا

وقوله:

كم يعد القرن باللقـاء وكـم

 

يكذب في وعده ويخلـفـه

لا يعرف القرن وجهه ويرى

 

قفاه من فرسخٍ فيعـرفـه

أخذ هذا المعنى الأخير من قول الخارجي وقد قال المنصور: أي أصحابنا أشد إقداماً في مبارزتكم؟ فقال: ما أعرف وجوههم ولكن أعرف أقفاءهم، فقل لهم يقبلوا فأعرفهم.

وقال رجل لابن الرومي وهو يمازحه: ما أنت والشعر وقد نلت منه حظاً جسيماً وأنت من العجم؟ أراك عربياً أو مدعياً في الشعر، قال: بل أنت دعي إذ كنت تنسب عربياً ولا تحسن من ذلك شيئاً، وأنشده:  

إياك يا ابـن بـويب

 

أن يستثـار بـويب

قد تحسن الروم شعراً

 

ما أحسنته العـريب

وكان كثير الطيرة، وربما أقام المدة الطويلة لا يتصرف تطيراً لسوء ما يراه أو يسمعه حتى إن بعض إخوانه من الأمراء افتقده وعرف بحاله في الطيرة فبعث إليه خادماً اسمه إقبال ليتفاءل به، فلما أخذ أهبة ركوبه قال للخادم: انصرف إلى مولاك.

وله في بعض الرؤساء وقد سأله حاجة فقضاها له وكان لا يتوقع منه خيراً:

سألتك في أمر فجـدت بـبـذلـه

 

على أني ما خلت أنك تـفـعـل

وألزمتني بالبـذل شـكـراً وإنـه

 

علي من الحرمان أدهى وأعضل

وما خلت أن الدهر يثني بصرفـه

 

إلى أن أرى في الناس مثلك يسأل

لئن سرني ما نلت منـك فـإنـه

 

لقد ساءني إذ أنت ممـن يؤمـل

وهذه الأبيات تنسب إلى ابن وكيع التنيسي أيضاً - وقد سبق ذكره واسمه الحسن - والله أعلم.

وبالجملة فإن محاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة. وكانت ولادته يوم الأربعاء بعد طلوع الفجر لليلتين خلتا من رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين ببغداد، في الموضع المعروف بالعقيقية ودرب الختلية في دار بإزاء قصر عيسى بن جعفر بن المنصور، وفي بغداد يقول وقد غاب عنها في بعض أسفاره:

بلد صحبت به الشبيبة والصبـا

 

ولبست ثوب العيش وهو جديد

فإذا تمثل في الضمير رأيتـه

 

وعليه أغصان الشباب تمـيد

وتوفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، وقيل أربع وثمانين، وقيل ست وسبعين ومائتين ببغداد ودفن في مقبرة باب البستان، وكان سبب موته، رحمه الله تعالى، أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراس، فأطعمه خشكنانجة مسمومة وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم فقام، فقال له الوزير: إلى أين تذهب، فقال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال: ما طريقي على النار؛ وخرج من مجلسه وأتى منزله وأقام أياماً ومات. وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم، فزعم أنه غلط في بعض العقاقير؛ قال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه: رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت: ما حالك؟فأنشد:

غلط الطبيب علي غلطة موردٍ

 

عجزت موارده عن الإصدار

والناس يلحون الطبيب وإنمـا

 

غلط الطبيب إصابة المقـدار

وقال أبو عثمان الناجم الشاعر: دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه، فلما قمت من عنده قال لي:

أبا عثمان أنت حميد قومـك

 

وجودك للعشيرة دون لومك

تزود من أخيك فـمـا أراه

 

يراك ولا تراه بعد يومـك

وكان الوزير المذكور عظيم الهيبة شديد الإقدام سفاكاً للدماء، وكان الكبير والصغير منه على وجلٍ لا يعرف أحدٌ من أرباب الأموال معه نعمة. وتوفي الوزير المذكور عشية الأربعاء لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين ومائتين في خلافة المكتفي، وعمره نيف وثلاثون سنة، وفي ذلك يقول عبد الله بن الحسن بن سعد:

شربنا عشية مات الـوزير

 

سروراً، ونشرب في ثالثه

فلا رحم الله تلك العظـام

 

ولا بارك الله في وارثـه

وكان لهذا الوزير أخ يقال له أبو محمد الحسن، فمات في حياة أبيه والوزير، فعمل أبو الحارث النوفلي، وقيل البسامي وهو الأصح - وسيأتي ذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى - ثم رأيت في " الذيل " للسمعاني في ترجمة علي بن مقلد بن عبد الله بن كرامة البواب أن أبا الحارث النوفلي قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه، فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام، وأنشد هذه الأبيات، وقال السمعاني قبل هذا الكلام: قال أبو بكر الصولي النديم: وقد رأيت أبا الحارث هذا، وكان رجلاً صدوقاً، وهي هذه:

قل لأبي القاسم الـمـرزا

 

قابلك الدهر بالعـجـائب

مات لك ابنٌ وكـان زينـاً

 

وعاش ذو الشين والمعايب

حياة هذا كـمـوت هـذا

 

فلست تخلو من المصايب

وعمل آخر في المعنى أيضاً ولا أعرفه، ثم وجدت هذه الأبيات له أيضاً:  

قل لأبي القاسم المـرزا

 

ونادِ يا ذا المصيبـتـين

مات لك ابنٌ وكان زينـاً

 

وعاش شين وأي شـين

حياة هذا كـمـوت هـذا

 

فالطم على الرأس باليدين

من قصائده: ..