779 – 839 م
هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله المنصور العباسي الهاشمي وأخو هارون الرشيد. يقال له ابن شكلة، وكانت ام إبراهيم جارية سوداء اسمها شَكلة أو شِكلة، فنشأ هو أسود عظيم الجثة فكان يسمى التنين.
انصرف إبراهيم بن المهدي إلى الغناء والطنبور وقول الشعر، وقد أخذ بعض غنائه عن أخته علية.
ولاه الرشيد امرة دمشق ثم عزله عنها، ولما انتهت الخلافة إلى المأمون وجعل المأمون ولاية العهد للإمام الرضا، دعا إبراهيم بن المهدي لنفسه فبايعه كثيرون في بغداد. فبعث المأمون الذي كان في مرو جيشاً بقيادة الحسن بن سهل لقتل إبراهيم بن المهدي الذي انهزم وانسحب من الحياة العامة مستتراً ثم ظفر به المأمون وعفا عنه.
كان إبراهيم بن المهدي شاعراً مجيداً فصيحاً، حسن الضرب على الطنبور، حسن الغناء، وفنون شعره الغزل والنسب والمدح والهجاء، وله رثاء وخمر وشيء من النثر في رسائل اخوانية.
ورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان:
" أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بن المنصور أبي جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أخو هارون الرشيد؛ كانت له اليد الطولى في الغناء والضرب بالملاهي وحسن المنادمة، وكان أسود اللون لأن أمه كانت جارية سوداء، واسمها شكلة - بفتح الشين المعجمة وكسرها، وسكون الكاف، وبعد اللام هاء - وكان مع سواده عظيم الجثة، ولهذا قيل له التنين، وكان وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس، سخي الكف، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أحسن منه شعراً، بويع له بالخلافة ببغداد بعد المائتين والمأمون يومئذ بخراسان، وقصته مشهورة، وأقام خليفة بها مقدار سنتين، وذكر الطبري في تاريخه أن أيام إبراهيم بن المهدي كانت سنة واحد عشر شهراً واثني عشر يوماً.
وكان سبب خلع المأمون وبيعة إبراهيم بن المهدي أن المأمون لما كان بخراسان جعل ولي عهده علي بن موسى الرضا الآتي ذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى، فشق ذلك على العباسيين ببغداد خوفاً من انتقال الأمر عنهم إلى العلويين فبايعوا إبراهيم بن المهدي المذكور، وهوعم المأمون، ولقبوه المبارك. وقيل سموه المرضي، وكانت مبايعته يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة إحدى ومائتين ببغداد، بايعه العباسيون في الباطن ثم بايعه أهل بغداد في أول يوم من المحرم سنة اثنتين ومائتين، وخلعوا المأمون، فلما كان يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم أظهروا ذلك، وصعد إبراهيم المنبر، وكان المأمون لما بايع علي بن موسى الرضا بولاية العهد أمر الناس بترك لباس السواد الذي هو شعار بني العباس، وأمرهم بلباس الخضرة، فعز ذلك على بني العباس أيضاً، وكان من جملة الأسباب التي نقموها على المأمون، ثم أعاد لبس السواد يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعدة سنة سبع ومائتين لسبب اقتضى ذلك، ذكره الطبري في تاريخه فلما توجه المأمون من خراسان إلى بغداد خاف إبراهيم على نفسه، فاستخفى، وكان استخفاؤه ليلة الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، وذلك بعد أمور يطول شرحها، ولايحتمل هذا المختصر ذكرها، ثم دخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر سنة أربع ومائتين، ولما استخفى إبراهيم عمل فيه دعبل الخزاعي:
نعر ابن شكلة بالعراق وأهلـه |
|
فهفا إليه كل أطلـس مـائق |
إن كان، إبراهيم مضطلعاً بها |
|
فلتصلحن من بعده لمخـارق |
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل |
|
ولتصلحن من بعده للمـارق |
أنى يكون وليس ذاك بـكـائن |
|
يرث الخلافة فاسق عن فاسق |
ومخارق: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة، وزلزل: بضم الزاءين المعجمتين، والمارق: هؤلاء الثلاثة كانوا مغنين في ذلك العصر.
وأخبار إبراهيم طويلة شهيرة.
وقال إبراهيم: قال لي المأمون، وقد دخلت عليه بعد العفو عني: أنت الخليفة الأسود، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا الذي مننت عليه بالعفو، وقد قال عبد بني الحسحاس:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له |
|
عند الفخار مقام الأصل والورق |
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرمـا |
|
أو أسود الخلق إني أبيض الخلق |
فقال لي: ياعم أخرجك الهزل إلى الجد، وأنشد يقول:
ليس يزرى السواد بالرجل الشه |
|
م ولا بالفتـى الأديب الأريب |
إن يكن لسواد فـيك نـصـيب |
|
فبياض الأخلاق منك نصيبـي |
قلت: وقد نظم بعض المتأخرين، وهو الأعز وأبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الإسكندري - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف النون - هذا المعنى وزاد فيه وأحسن كل الإحسان، وهو قوله:
رب سوداء وهي بيضاء فعل |
|
حسد المسك عندها الكافور |
مثل حب العيون يحسبه النـا |
|
س سواداً وإنما هـو نـور |
وجلس المعتصم يوماً - وقد تولى الخلافة بعد المأمون - وعن يمينه العباس بن المأمون، وعن يساره إبراهيم بن المهدي، فجعل إبراهيم يقلب خاتماً في يده، فقال له العباس: ياعم ماهذا الخاتم؟ فقال: خاتم رهنته في أيام أبيك فما فككته إلا في أيام أمير المؤمنين، فقال له العباس: والله لئن لم تشكر أبي على حقن دمك مع عظيم جرمك لاتشكر أمير المؤمنين على فك خاتمك، فأفحمه.
وهذا إبراهيم في حديثه طول كثير أورده أرباب التواريخ في كتبهم، لكن اختصرته، ونبهت على المقصود منه، وقد استوفى الطبرى وغيره الكلام فيه.
ولما ظفر المأمون بإبراهيم شاور فيه أحمد بن أبي خلد الأحول الوزير، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قتلته فلك نظراء، وإن عفوت عنه فما لك نظير.
وكانت ولادته غرة ذي القعدة سنة اثنتين وستين ومائة، وتوفي يوم الجمعة لتسع خلون من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين بسر من رأى، وصلى عليه ابن أخيه المعتصم، رحمه الله تعالى.
وسر من رأى فيها ست لغات حكاها الجوهري في كتاب الصحاح في فصل رأى، وهن: سر من رأى - بضم السين المهملة وفتحها - وسر من راء - بضم السين وفتحها وتقديم الألف على الهمزة في اللغتين - وساء من رأى، وسامرا، واستعمله البحتري ممدوداً في قوله: ونصبته علماً بسامراء ولا أعلم هل هي لغة شائعة أو استعمله كذلك ضرورة.
وسر من رأى: مدينة بالعراق، بناها المعتصم في سنة عشرين ومائتين وفيها السرداب الذي ينتظر الإمامية خروج الإمام منه، وسيأتي ذكره في حرف الميم في المحمدين إن شاء الله تعالى".