سلم الخاسر

214-276هــ

وهو سلم بن عمرو حدثني الخاسر خالي. فقلت له: جعلت فداك، لم سمي الخاسر؟ فضحك وقال: سمي الخاسر لأنه تقرَّأ فبقي في تقرئه مدة يسيرة. فرقت حاله فاغتم لذلك، ورجع إلى شيء مما كان عليه من الفسق والمجون، وباع مصحفاً كان ورثه من أبيه، فاشترى بثمنه طنبوراً- وقيل: باع مصحفاً واشترى بثمنه دفتر شِعْر- فشاخ بالناس خبره، فسمي الخاسر بذلك، وقيل له: ويلك، في الدنيا أحد فعل ما فعلت؟ تبيع مصحفاً وتشتري بثمنه طنبوراً فقال: ما تقرب أحد إلى إبليس بمثل ما تقربت إليه، فإني أقررت عينه.

وقد قيل: إنما فعل ذلك مجوناً، ولم يكن رديء الدين. وأما الذين زعموا أنه اشترى بثمن المصحف الشعر، فقد رووا في أخباره أنه لما أفاد من الخلفاء والبرامكة بشعره ما أفاد من الأموال الجليلة قال: أنا الرابح ولست بالخاسر.

وكان من المطبوعين المجيدين. وكان تلميذاً لبشار بن برد الأعمى، ولما قال بشار بيته هذا:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـجُ

أخذ سلم هذا المعنى، وجاء به في أجود من ألفاظه وأفصح وأوجز فقال:

من راقب الناس مات غماً

 

وفاز باللذة الـجَـسُـورُ

وقال بشار- حين قال بيته ذلك-: ما سبقني أحد إلى هذا المعنى ولا يأتي بمثله أحد. فلما قال سَلْمٌ هذا البيت، قال راوية بشار: صرت إليه فقلت: يا أبا معاذ، قد قال سلم بيتاً أجود من بيتك الذي تعجب به. قال: وما هو؟ فأنشدته البيت، فقال: أوخ، ذهب والله بيتي، لوددت أن ولاءه لغير آل أبي بكر الصديق فأقطعه وقومه بهجوي. وهذا مما يدل أن بشارً كان صحيح الدين. ثم نحاه عن نفسه، حتى كلمه فيه بعض إخوانه فرده.

وسلم أحد المطبوعين المحسنين وكان كثير البدائع والروائع في شعره وسار بيت سلم الذي ذكرناه، ولم يسر بيت بشار.

جاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: " سلم بن عمرو مولى بني تيم بن مرة، ثم مولى أبي بكر الصديق، رضوان الله عليه، بصري، شاعر مطبوع متصرف في فنون الشعر، من شعراء الدولة العباسية. وهو راوية بشار بن برد وتلميذه، وعنه أخذ، ومن بحره اغترف، وعلى مذهبه ونمطه قال الشعر.

سبب تلقيبه سلم الخاسر

ولقب سلم بالخاسر -فيما يقال- لأنه ورث من أبيه مصحفاً، فباعه واشترى بثمنه طنبوراً. وقيل: بل خلف له أبوه مالاً، فأنفقه على الأدب والشعر، فقال له بعض أهله: إنك لخاسر الصفقة، فلقب بذلك.

صداقته للموصلي وأبي العتاهية وانقطاعه للبرامكة

وكان صديقاً لإبراهيم الموصلي، ولأبي العتاهية خاصة من الشعراء والمغنين، ثم فسد ما بينه وبين أبي العتاهية. وكان سلم منقطعاً إلى البرامكة، وإلى الفضل بن يحيى خصوصاً من بينهم. وفيه يقول أبو العتاهية:

إنما الفضل لسلم وحـده

 

ليس فيه لسوى سلم درك

 

من قول أبي العتاهية له

وكان هذا أحد الأسباب في فساد ما بينه وبين أبي العتاهية. ولسلم يقول أبو العتاهية وقد حج مع عتبة :

والـلـه والـلـه مـا أبـــالـــي مـــتـــى

 

ما مـت يا سـلـم بـعــد ذا الـــســـفـــر

أليس قد طفت حيث طافت

 

وقبلت الذي قبلت من الحجر

وله يقول أبو العتاهية وقد حبس إبراهيم الموصلي:

سلــم يا ســـلـــم لـــيس دونـــك ســـر

 

حبـس الـمـوصـلـي فــالـــعـــيش مـــر

ما استطاب اللذات مذ سكن

 

المطبق رأس اللذات والله، حر

ترك الموصل من خلق الل

 

ه جـمـيعـاً وعـيشـهـم مــقـــشـــعـــر

 

يرد مصحفاً ويأخذ مكانه دفاتر شعر

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الواسطي، قال: حدثني أبو عمرو سعيد بن الحسن الباهلي الشاعر، قال: لما مات عمرو أبو سلم الخاسر اقتسموا ميراثه، فوقع في قسط سلم مصحف، فرده وأخذ مكانه دفاتر شعر كانت عند أبيه، فلقب الخاسر بذلك.

أجازه المهدي أو الرشيد بمائة ألف درهم ليكذب تلقيبه بالخاسر

أخبرني الحسن، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمد بن عمر الجرجاني، قال: ورث سلم الخاسر أباه مأئة ألف درهم، فأنفقها على الأدب، وبقي لاشيء عنده، فلقبه الجيران ومن يعرفه بسلم الخاسر، وقالوا: أنفق ماله على ما لا يتفعه. ثم مدح المهدي، أو الرشيد -وقد كان بلغه اللقب الذي لقب به- فأمر له بمائة ألف درهم، وقال له: كذب بهذا المال جيرانك، فجاءهم بها، وقال لهم: هذه المائة الألف التي أنقفتها وربحت الأدب، فأنا سلم الرابح، لا سلم الخاسر. ورث مصحفا فباعه واشبرى طنبورا  فلقب الخاسر .

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال: إنما لقب الخاسر لأنه ورث عن أبيه مصحفا فباعه، واشترى بثمنه طنبورا.

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمر الفضل، قال: قال لي الجماز: سلم الخاسر خالي لحا ، فسألته: لم لقب الخاسر؟ فضحك، ثم قال: إنه قد كان نسك مدة يسيرة، ثم رجع إلى أقبح ما كان عليه، وباع مصحفا له ورثه عن أبيه-وكان لجده قبله-واشترى بثمنه طنبورا.فشاع خبره وافتضح، فكان يقال له: ويلك! هل فعل أحد ما فعلت؟ فقال: لم أجد شيئا أتوسل به إلى إبليس هو أقر لعينه من هذا.

أخبرني عمي، قال: أنبأنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن صالح المؤدب، وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة، قال: حدثني أبي، عن أحمد بن صالح، قال: قال بشار بن برد: صوت

لا خير في العيش إن دمنا كذا أبدا

 

لا نلتقي وسبيل الملتقـى نـهـج

قالوا حرام تلاقينا فقـلـت لـهـم

 

ما في التلاقي ولا في غيره حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجتـه

 

وقاز بالطيبات الفاتك الـلـهـج

قال: فقال سلم الخاسر أبياتا، ثم أخذ معنى هذا البيت، فسلخه، وجعله في قوله:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

 سبب غضب بشار عليه ثم رضاه عنه

فبلغ بيته بشارا، فغضب واستشاط، وحلف ألا يدخل إليه، ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حيا. قاسبشفع إليه بكل صديق له، وكل من يثقل عليه رده، فكلموه فيه، فقال: أدخلوه إلي، فأدخلوه إليه فاستدناه، ثم قال: إيه يا سلم، من الذي يقول:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

قال: أنت يا أبا معاذ، قد جعلني الله فداءك! قال: فمن الذي يقول:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الجـسـور؟

قال: تلميذك، وخريجك، وعبدك يا أبا معاذ، فاجتذبه إليه، وقنعه بمخصرة كانت في يده ثلاثا، وهو يقول: لا أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره، ولا آتي شيئا تذمه، إنما أنا عبدك، وتلميذك، وصنيعتك، وهو يقول له: يا فاسق????! أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني، وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه، فتسرقه، ثم تختصره لفظا تقربه به، لتزري علي، وتذهب ببيتي؟ وهو يحلف له ألا يعود، والجماعة يسألونه. فبعد لأي وجهد ما شفعهم فيه، وكف عن ضربه، ثم رجع له، ورضي عنه.

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال: أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، قال: حدثني عبد الوهاب بن مرار، قال: حدثني أبو معاذ النميري رواية بشار، قال: قد كان بشار قال قصيدة فيها هذا البيت:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

قال: فقلت له يا أبا معاذ! قد سلم الخاسر بيتا، هو أحسن وأخف على الألسن من بيتك هذا، قال: وما هو؟ فقلت:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

فقال بشار: ذهب والله بيتنا، أما والله لوددت أنه ينتمي في غير ولاء أبي بكر-رضي الله عنه-وأني مغرم ألف دينار محبة مني لهتك عرضه وأعراض مواليه! قال: فقلت له: ما أخرج هذا القول منك إلا عم. قال: أجل، فو الله لا طعمت اليوم طعاما، ولا صمت.

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمد بن إسحاق بن محمد النخعي ، قال: قال أبو معاذ النميري: قال بشار قصيدة، وقال فيها:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

فعرفته أن سلما قد قال:

من راقب الناس مات غما

 

وفاز باللذة الـجـسـور

فلما سمع بشار هذا البيت قال: سار والله بيت سلم، وخمل بيتنا! قال: وكان كذلك، لهج الناس ببيت سلم، ولم ينشد بيت بشار أحد.

شعره في قصر صالح بن المنصور

أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني، قال: لما بنى صالح بن المنصور قصره بدجلة قال فيه سلم الخاسر:

يا صالح الجود الذي مجده

 

أفسد مجد الناس بالجـود

بنيت قصرا مشرفا عاليا

 

بطائري سعد ومسعـود

كأنـمـا يرفـع بـنـيانـه

 

جن سـلـيمـان بـن داود

لا زلت مسرورا به سالمـا

 

على اختلاف البيض والسود

يعني الأيام والليالي-، فأمر له صالح بألف درهم.

ينشد عمر بن العلاء قصيدة لبشار فيه، ثم ينشده لنفسه

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني بعض آل ولد حمدون بن إسماعيل -وكان ينادم المتوكل-عن أبيه، قال: كان سلم الخاسر من غلمان بشار، فلما قال بشار قصيدته الميمية في عمر بن العلاء -وهي التي يقول فيها:

إذا نبهتك صعاب الأمور

 

فنبه لها عمرا ثـم نـم

فتى لا يبيت على دمـنة

 

ولايشرب الماء إلا بدم

بعث بها مع سلم الخاسر إلى عمر بن العلاء، فوافاه فأنشده إياها، فأمر لبشار بمائة ألف درهم. فقال له سلم: إن خادمك-يعني نفسه- قد قال في طريقه فيك قصيدة، قال: فإنك لهناك ؟ قال: تسمع، ثم تحكم، ثم قال: هات، فأنشده: صوت

قد عزني الداء فما لـي دواء

 

مم ألاقي من حسان النسـاء

قلب صحيح كنت أسطو بـه

 

أصبح من سلمى بداء عـياء

أنفاسها مسك وفي طرفـهـا

 

سحر ومالي غيرها من دواء

وعدتني وعدا فـأوفـي بـه

 

هل تصلح الخمرة إلا بماء؟

ويقول فيها:

كم كربة قد مسني ضرها

 

ناديت فيها عمر بن العلاء

قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فكانت أول عطية سنية وصلت إليه.

صداقته لعاصم بن عتبة ومدحه إياه

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: وجدت في كتاب بخط الفضل بن مروان: وكان عاصم بن عتبة الغساني جد أبي السمراء الذي كان مع عبد الله بن طاهر صديقا لسلم الخاسر، كثير البر به، والملاطفة له، وفيه يقول سلم:

الجود في قحطان

 

ما بقيت غسـان

اسلم ولا أبالـي

 

ما فعل الإخوان

ما ضر مرتجيه

 

ما فعل الزمان

من غاله مخوف

 

فعاصـم أمـان

وكانت سبعين بيتا، فأعطاه عاصم سبعين ألف درهم، وكان مبلغ ما وصل إلى سلم من عاصم خمسمائة ألف درهم، فلما حضرته الوفاة دعا عاصما فقال له: إني ميت ولا ورثة لي، وإن مالي مأخوذ، فأنت أحق به، فدفع إليه خمسمائة ألف درهم، ولم يكن لسلم وارث. قال: وكان عاصم هذا جوادا.

ابتلاؤه بالكيمياء ثم انصرافه عنها

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا يحيى بن الحسن الربيعي، قال: أخبرني أبي، قال: كان سلم الخاسر قد بلي بالكيمياء فكان يذهب بكل شيء له باطلاً، فلما أراد الله -عز وجل- أن يصنع له عرف أن بباب الشام صاحب كيمياء عجيباً، وأنه لا يصل إليه أحد إلا ليلاً، فسأل عنه فدلوه عليه.

قال: فدخلت إليه إلى موضع معور ، فدققت الباب فخرج إلي، فقال: من أنت عافاك الله؟ فقلت: رجل معجب بهذا العلم. قال: فلا تشهرني، فإني رجل مستور، إنما أعمل للقوت. قال: قلت: لأني لا أشهرك، إنما أقتبس منك، قال: فاكتم ذلك. قال: وبين يديه كوز شبه صغير. فقال لي: اقلع عروته، فقلعتها. فقال: اسبكها في البوطقة، فسبكتها، فأخرج شيئاً من تحت مصلاه، فقال: ذره عليه، ففعلت. فقال: أفرغه، فأفرغته. فقال: دعه معك، فإذا أصبحت فاخرج، فبعه وعد إلي، فأخرجته إلى باب الشام، فبعت المثقال بأحد وعشرين درهماً، ورجعت إليه فأخبرته. فقال: اطلب الآن ما شئت. قلت: تفيدني. قال: بخمسمائة درهم على أن لا تعلمه أحداً، فأعطيته، وكتب لي صفة، فامتحنتها، فإذا هي باطلة. فعدت إليه، فقيل لي: قد تحول، وإذا عروة الكوز المشبه من ذهب مركبة عليه، والكوز شبه. ولذلك كان يدخل إليه من يطلبه ليلاً، ليخفى عليه، فانصرفت، وعلمت أن الله -عز وجل- أراد بي خيراً، وأن هذا كله باطل.


يرثي البانوكة بنت المهدي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني أبو مالك اليماني، قال: حدثني أبو كعب، قال: لما ماتت البانوكة بنت المهدي رثاها سلم الخاسر بقوله:

أودى ببانوكة ريب الـزمـان

 

مؤنسة المهدي والخـيزران

لم تنطو الأرض على مثلهـا

 

مولودن حن لها الـوالـدان

بانوك يا بنت إمـام الـهـدى

 

أصبحت من زينة أهل الجنان

بكت لك الأرض وسكانـهـا

 

في كل أفق بين إنس وجـان

كان يهاجي والبة بن الحباب أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الشيباني، قال: حدثني أبو المستهل الأسدي، وهو عبد الله بن تميم بن حمزة، قال: كان سلم الخاسر يهاجي والبة بن الحباب، فأرسلني إليه وقال: قل له:

يا والب بن الحباب يا حلقـي

 

لست من أهل الزناء فانطلق

دخل فيه الغرسول تولـجـه

 

مثل ولوج المفتاح في الغلق

قال: فأتيت والبة فقلت له ذلك، فقال لي: قل له: يا بن الزانية، سل عنك ريعان التميمي -يعني أنه ناكه- قال: وكان ريعان لوطياً آفة من الآفات، وكان علامة ظريفاً.

قال: فحدثني جعفر بن قدامة عن محمد العجلي، عن أحمد بن معاوية الباهلي، قال: سمعت ريعان يقول: نكت الهيثم بن عدي، فمن ترونه يفلت مني بعده؟ يعتذر إلى المهدي من مدحه لبعض العلويين وأخبرني أحمد بن العباس العسكري، قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني أبو مالك محمد بن موسى اليماني، قال: كان سلم الخاسر مدح بعض العلويين، فبلغ ذلك المهدي، فتوعده وهم به، فقال سلم فيه:

إني أتتني على المهدي مـعـتـبة

 

تكاد من خوفها الأخشاء تضطرب

اسمع فداك بنو حـواء كـلـهـم

 

وقد يجور برأس الكاذب الكـذب

فقد حلفت يمـينـاً غـير كـاذبة

 

يوم المغيبة لم يقطع لها سـبـب

ألا يحالف مدحي غـيركـم أبـداً

 

ولو تلاقى علي الغرض والحقب

ولو ملكت عنان الريح أصرفها

 

في كل ناحية ما فاتها الطلب

مولاك لا تـشـمـت أعـاديه

 

فما وراءك لي ذكر ولا نسب

فعفا عنه.

كان لا يحسن المدح ويحسن الرثاء وأخبرني أحمد بن العباس ، وأحمد بن عبيد الله بن عمار، قالا: حدثنا العنزي، قال: حدثني العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، قال: حدثني موسى بن عبد الله بن شهاب المسمعي، قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: كان سلم الخاسر لا يحسن أن يمدح، ولكنه كان يحسن أن يرثي ويسأل.

يعد الرثاء في حياة من يعنيه رثاؤهم أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن الحسن الشيباني، قال: حدثني أبو المستهل، قال: دخلت يوماً على سلم الخاسر، وإذا بين يديه قراطيس فيها أشعار يرثي ببعضها أم جعفر، وببعضها جارية غير مسماة، وببعضها أقواماً لم يموتوا، وأم جعفر يومئذ باقية. فقلت له: ويحك! ما هذا؟ فقال: تحدث الحوادث فيطالبوننا بأن نقول فيها، ويستعجلوننا ، ولا يحمل بنا أن نقول غير الجيد، فنعد لهم هذا قبل كونه، فمتى حدث حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديماً، على أنه قيل في الوقت.

إعجاب المأمون ببيت: تعالى الله يا سلم أخبرني محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين، قالا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: قال عبد الله بن الحسن الكاتب: أنشد المأمون قول أبي العتاهية:

تعالى الله يا سلم بن عمـرو

 

أذل الحرص أعناق الرجال

فقال المأمون: صدق لعمر الله، إن الحرص لمفسدة للدين والمروءة، والله ما رأيت من رجل قط حرصاً ولا شرهاً، فرأيت فيه مصطنعاً. فبلغ ذلك سلماً الخاسر، فقال: ويلي على ابن الفاعلة بياع الخزف، كنز البدور بمثل ذلك الشعر المفكك الغث، ثم تزهد بعد أن استغنى، وهو دائباً يهتف بي، ينسبني إلى الحرص، وأنا لا أملك إلا ثوبي هذين.

شعره في الفضل حين أخذ البيعة للمهدي

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبي، قال: كنت أنا والربيع نسير قريباً من محمل المنصور حين قال للربيع: رأيت كأن الكعبة تصدعت، وكأن رجلاً جاء بحبل أسود فشددها، فقال له الربيع: من الرجل؟ فلم يجبه، حتى إذا اعتل قال للربيع: أنت الرجل الذي رأيته في نومي شدد الكعبة! فأي شيء تعمل بعدي؟ قال: ما كنت أعمل في حياتك، فكان من أمره في أخذ البيعة للمهدي ما كان، فقال سلم الخاسر في الفضل بن الربيع:

يا بن الذي جبر الإسلام يوم وهي

 

واستنفذ الناس من عمياء صيخود

قالت قريش غداة أنهاض ملكهم:

 

أين الربيع وأعطوا بالمقـالـيد

فقام بالأمر مئنـاس بـوحـدتـه

 

ماضي العزيمة ضراب القماحيد

إن الأمور إذا ضاقت مسالكهـا

 

حلت يد الفضل منها كل معقود

إن الربيع وإن الفضل قد بـنـيا

 

رواق مجد على العباس ممدود

قال: فوهب له الفضل خمسة آلاف دينار.

شعره حين عقدت البيعة للأمين

أخبرني عمي، قال: حدثنا أبو هفان، قال: حدثني سعيد أبو هريم وأبو دعامة، قالا: لما قال سلم الخاسر في الرشيد حين عقد البيعة لابنه محمد الأمين:

قد بايع الثقلان في مهد الهـدى

 

لمحمد بن زبيدة ابنـه جـفـر

وليته عهـد الأنـام وأمـرهـم

 

فدمغت بالمعروف رأس المنكر

أعطته زبيدة مائة ألف درهم.

المهدي يأمر له بخمسمائة ألف درهم لقصيدته فيه أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو، قال: حدثني أحمد بن محمد بن علي الخراساني ، عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، عن أبيه، قال: قال سلم الخاسر في المهدي قصديته التي يقول فيها:

له شيمة عند بذل العـطـا

 

ء لا يعرف الناس مقدارها

ومهدي أمـتـنـا والـذي

 

حماها وأدرك أوتـارهـا

فأمر له المهدي بخمسمائة ألف درهم.

طلب إلى الرشيد أن يفضله في الجائزة على مروان بن أبي حفصة فأجابه أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال: شهدت المهدي وقد أمر لمروان بن أبي حفصة بأربعين ألف درهم، وفرض على اهل بيته وجلسائه ثلاثين ألف درهم. وأمر الرشيد بعد ذلك لما ولى الخلافة لسلم الخاسر - وقد مدحه- بسبعين ألف درهم، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أكثر ما أعطى المهدي مروان سبعون ألف درهم، فزدني وفضلني عليه، ففعل ذلك، وأعطاه تتمة ثمانين ألف درهم، فقال سلم: فخره على مروان بجائزته ورد مروان عليه

ألا قل لمروان أتتـك رسـالة

 

لها نبأ لا ينثني عن لـقـائكـا

حباني أمير المؤمنين بنـفـحة

 

مشهرة قد طأطأت من حبائكا

ثمانين الفاً حزت من صلب ماله

 

ولم يك قسماً من أولى وأولائكا

فأجابه مروان فقال:

أسلم بن عمرو قد تعاطيت غاية

 

تقصر عنها بعد طول عنائكـا

فأقسم لولا ابن الربيع ورفـده

 

لما ابتلت الدلو التي في رشائكا

وما نلت مذ صورت إلا عطية

 

تقوم بها مصرورة في ردائكا

مات عن غير وارث فوهب الرشيد تركته

حدثني وسواسة بن الموصلي، وهو محمد بن أحمد بن اسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثني حماد، عن أبيه قال: استوهب أبي من الرشيد تركة سلم الخاسر، وكان قد مات عن غير وارث، فوهبها له قبل أن يتسلمها صاحب المواريث، فحصل منها خمسين ألف دينار.

أخبرني عمي، قال: حدثني أبو هفان، عن سعيد بن هريم وأبي دعامة أنه رفع إلى الرشيد أن سلما الخاسر قد توفي، وخلف مما أخذه منه خاصة ومن زبيدة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم سوى ما خلفه من عقار وغيره مما اعتقده قديماً، فقبضه الرشيد. وتظلم إليه مواليه من آل أبي بكر الصديق، رضوان الله عليهم، فقال: هذا خادمي ونديمي، والذي خلفه من مالي، فأنا أحق به، فلم يعطهم إلا شيئاً يسيراً من قديم أملاكه.

من قصائده: