الأبيوردي

457 - 507 هـ / 1064 - 1113 م

أبو المظفر محمد بن العباس أحمد بن محمد بن أبي العباس أحمد بن آسحاق بن أبي العباس الإمام.

شاعر عباسي ولد في كوفن، وكان إماماً في اللغة والنحو والنسب والأخبار، ويده باسطة في البلاغة والإنشاء.

وله كتب كثيرة منها تاريخ أبيورنسا، المختلف والمؤتلف، قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان وغيرها الكثير.

وقد كانَ حسن السيرة جميل الأمر، حسن الاعتقار جميل الطريقة.

وقد عاش حياة حافلة بالأحداث، الفتن، التقلبات، وقد دخل بغداد، وترحل في بلاد خراسان ومدح الملوك، الخلفاء ومنهم المقتدي بأمر الله وولده المستظهر بالله العباسيين.

وقد ماتَ الأبيوردي مسموماً بأَصفهان.

وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان": هو أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد أحمد بن إسحاق بن أبي العباس الإمام محمد بن إسحاق وهو أبو الفتيان بن أبي الحسن بن أبي مرفوعة بن منصور بن معاوية الأصغر بن محمد بن أبي العباس عثمان بن عنبسة الأصغر بن عتبة بن الأشرف بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي المعاوي الأبيوردي الشاعر المشهور؛ كان من الأدباء المشاهير، رواية نسابة شاعرا ظريفا، قسم ديوان شعره إلى أقسام: منها العراقيات ومنها النجديات ومنها الوجديات، وغير ذلك، وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب نقل عنه الحافظ الأثبات الثقات، وقد روى عنه الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في غير موضع من كتابه الذي وضعه في الأنساب، وقال في حقه في ترجمة المعاوي: إنه كان أوحد زمانه في علوم عديدة، وقد أوردنا عنه في غير موضع من هذا الكتاب أشياء وكان يكتب في نسبه المعاوي، وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري:

وإني وإن كنت الأخير زمانه

 

لآت بما لم تستطعه الأوائل

انتهى كلام المقدسي بعد أن ذكر له أبياتا يفتخر بها لا حاجة بنا إليها.

وذكره أبو زكريا ابن منده في تاريخ أصبهان فقال: فخر الرؤساء أفضل الدولة، حسن الاعتقاد جميل الطريقة، متصرف في فنون جمة من العلوم، عارف بأنساب العرب، فصيح الكلام حاذق في تصنيف الكتب، وافر العقل كامل الفضل، فريد دهره ووحيد عصره. وكان فيه تيه وكبر وعزة نفس، وكان إذا صلى يقول: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها.

وذكره الحافظ ابن السمعاني في كتاب الأنساب في ترجمة المعاوي، وفي كتاب الذيل وقال: كان ينسب إلى معاوية الأصغر المقدم ذكره في عمود نسبه، وأخبر عنه أنه كتب رقعة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله وعلى رأسها الخادم المعاوي فكره الخليفة النسبة إلى معاوية، فحك الميم من المعاوي ورد الرقعة إليه، فصار العاوي.

ومن محاسن قوله:

ملكنا أقاليم البـلاد فـأذعـنـت

 

لنا رغبة أو رهبة عظمـاؤهـا

فلما انتهت أيامنا علقـت بـنـا

 

شدائد أيام قـلـيل رخـاؤهـا

وكان إلينا في السرور ابتسامهـا

 

فصار علينا في الهموم بكاؤهـا

وصرنا نلاقي النائبات بـأوجـه

 

رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها

إذا ما هممنا أن نبوح بما جنـت

 

علينا الليالي لم يدعنا حـياؤهـا

وقوله أيضا:

تنكر لي دهري ولم يدر أنـنـي

 

أعز وأحداث الزمـان تـهـون

فبات يريني الخطيب كيف اعتداؤه

 

وبت أريه الصبر كـيف يكـون

ومن شعره أيضا:

وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني

 

عليها ويغريني بها أن أعيبـهـا

أميل بإحدى مقلـتـي إذا بـدت

 

إليها، وبالأخرى أراعي رقيبها

وقد غفل الواشي ولم يدر أننـي

 

أخذت لعيني من سليمى نصيبها

وله في أبي النجيب عبد الرحمن بن عبد الجبار المراغي، وكان من أفراد زمانه فضلا، وكان يستعمل في شعره لزوم مالا يلزم، وكانت إقامته بثغر حيرة:

شعر المراغي وحوشيتم

 

كعقله أسلمه أسقمـه

يلزم ماليس له لازمـا

 

لكنه يترك ما يلزمـه

وله أيضا:

أأمـيم إن لـم تـــســـمـــحـــي بـــزيارة

 

بخـلا فـجـودي بـالـــخـــيال الـــطـــارق

والله لاتمحو الوشاة ولا النوى

 

 سمة لحبك في ضمير العاشق

ومن نجدياته:

نزلنا بنعمان الأراك ولـلـنـدى

 

سقيط به ابتلت علينا المطارف

فبت أعاني الوجد والركب نـوم

 

وقد أخذت مني السرى والتنائف

وأذكر خودا إن دعاني إلى النوى

 

هوها أجابته الدموع الـذوارف

لها في مغاني ذلك الشعب منزل

 

لئن أنكرته العين فالقلب عارف

وقفت به والدمـع أكـثـره دم

 

كأني من جفني بنعمان راعف

وله وقد أخرج من الحلة المزيدية مكرها، وكان سنيا:  

أبابل ما واديك بالرفد مـفـعـم

 

لدينا ولا ناديك بالـوفـد آهـل

لئن ضقت عنا فالبلاد فـسـيحة

 

وحسبك عارا أنني عنك راحـل

لئن كنت بالسحر الحـرام مـدلة

 

فعندي من السحر الحلال دلائل

قواف تعير الأعين النجل سحرها

 

فكل مكان خيمت فـيه بـابـل

ومن معانيه البديعة قوله من جملة أبيات في صفة الخمرة:

ولها من ذاتها طرب

 

فلهذا يرقص الحبب

وله من جملة قصيدة:

فسد الزمان فكل من صاحبته

 

راج ينافق أو مداج خاشي

وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن

 

متجهم وبظاهر هـشـاش

وهذا المعنى مأخوذ من قول أبي تمام الطائي من جملة قصيدة أجاد فيها كل الإجادة:

إن شئت أن يسود ظنك كـلـه

 

فأجله في هذا السواد الأعظـم

ليس الصديق بمن يعيرك ظاهرا

 

متبسما عن باطن متـجـهـم

وله تصانيف كثيرة مفيدة: منها تاريخ أبيورد ونساوكتاب المختلف والمؤتلف وطبقات كل فنوما اختلف وائتلف في أنساب العرب وله في اللغة مصنفات كثيرة لم يسبق إلى مثلها. وكان حسن السيرة جميل الأثر له معاملة صحيحة.

وكانت وفاة الأبيوردي المذكور بين الظهر والعصر يوم الخميس العشرين من ربيع الأول سنة سبع وخمسين وخمسمائة بأصبهان مسموما، وصلي عليه في الجامع العتيق بها، رحمه الله تعالى.