توفي 416 هـ / 1025 م
أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي.
شاعر عباسي من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكّة المكرّمة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية وأخرى لبني أمية. وانتحل مذهب الاعتزال، وسكن الشام مدة، ثم قصد العراق والتقى الصاحب ابن عباد، وعاد فتقلد الخطابة بجامع الرملة، واتصل بالوزير المغربي فكان من أعوانه في ثورته على الحاكم الفاطمي. وقصد مصر واستولى على أموالها، وملك أزمة أعمالها، ثم غدر به بعض أصحابه فصار ذلك سبباً للظفر به، وأودع السجن في موضع يعرف بالمنسي حتى مضى لسبيله.
وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان": هو أبو الحسن علي بن محمد التهامي الشاعر المشهور؛ قال ابن بسام الأندلسي في كتاب " الذخيرة " في حقه: كان مشتهر الإحسان، ذرب اللسان، مخلى بينه وبين دروب البيان، يدل شعره على فوز القدح، دلالة برد النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم، إعراب الدمع على سر الهوى المكتوم.
قلت: وله ديوان شعر صغير أكثره نخب. ومن لطيف نظمه قوله من جملة قصيدة طويلة مدح بها الوزير أبا القاسم ابن المغربي - المقدم ذكره في حرف الحاء:
قلت لخلي وثغور الربـا |
|
مبتسمات وثغور الملاح |
أيهما أحلى ترى منظراً |
|
فقال: لا أعلم، كلٌ أقاح |
ومثل هذا ما ينسب إلى ابن سناء الملك - الآتي ذكره - وهو:
فتحيرت أحسب الثغر عقداً |
|
لسليمى وأحسب العقد ثغرا |
فلثمت الجميع قطعاً لشكي |
|
وكذا فعل كل من يتحرى |
وله في المديح وقد بالغ فيه:
أعطى وأكثر فاستقل هبـاتـه |
|
فاستحيت الأنواء وهي هوامل |
فاسم السحاب لديه وهو كنهور |
|
آلٌ، وأسماء البحور جـداول |
وله مرثية في ولده، وكان قد مات صغيراً، وهي في غاية الحسن ولم يمنعني من الإتيان بها إلا أن الناس يقولون: إنها محدودة، فتركتها، لكن من جملتها بيتان في الحساد ومعناهما غريب فأثبتهما:
إني لأرحم حاسدي لحـر مـا |
|
ضمت صدورهم من الأوغار |
نظروا صنيع الله بي فعيونهم |
|
في جنة، وقلوبهم فـي نـار |
ومنها في ذم الدنيا:
طبعت على كدر وأنت تريدها |
|
صفواً من الأقذاء والأكـدار |
ومكلف الأيام ضد طباعـهـا |
|
متطلب في الماء جذوة نـار |
وإذا رجوت المستحيل فإنمـا |
|
تبني الرجاء على شفيرٍ هار |
ومنها:
جاورت أعدائي وجاور ربه |
|
شتان بين جواره وجـواري |
وتلهب الأحشاء شيب مفرقي |
|
هذا الشعاع شواظ تلك النار |
ومعنى هذا البيت مأخوذ من قول أبي نصر سعيد بن الشاه، وهو:
قالت اسود عارضاك بشعرٍ |
|
وبه تقبح الوجوه الحسـان |
قلت أشعلت في فؤادي ناراً |
|
فعلى وجنتي منه دخـان |
وله من جملة قصيدة طويلة:
كم قلت إياك الـحـجـاز فـإنـه |
|
ضريت جـآذره بـصـيد أسـوده |
وأردت صيد مها الحجاز فلـم يسـا |
|
عدك القضاء فصرت بعض صيوده |
ومن شعره المشهور قوله:
بين كريمين مجلسٌ واسع |
|
والود حال يقرب الشاسع |
والبيت إن ضاق عن ثمانية |
|
متسعٌ بالوداد للـتـاسـع |
وله بيت بديع من جملة قصيدة وهو:
وإذا جافاك الدهر وهو أبو الورى |
|
طراً فلا تعتـب عـلـى أولاده |
وكان التهامي المذكور قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً، ومعه كتب كثيرة من حسان بن مفرج بن دغفل البدوي وهو متوجه إلى بني قرة، فظفروا به، فقال: أنا من بني تميم، فلما انكشفت حاله عرف أنه التهامي الشاعر، فاعتقل في خزانة البنود، وهو سجن بالقاهرة المحروسة، وذلك لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربعمائة، ثم قتل سراً في سجنه في تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة، رحمه الله تعالى. وكان أصفر اللون، هكذا نقلته من بعض تواريخ المصريين، وهو مرتب على الأيام، قد كتب مؤلفه كل يوم وما جرى فيه من الحوادث، رأيت منه مجلداً واحداً، ولا أعلم كم عدد مجلداته. وبعد موته رآه بعض أصحابه في النوم، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقال: بأي الأعمال؟ فقال: بقولي في مرثية ولدي الصغير:
جاورت أعدائي وجاور ربه |
|
شتان بين جواره وجواري |