1085-1137م
هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة ، ولد في جزيرة شقر من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس ، و عاش في أيام ملوك الطوائف إبان دولة المرابطون ، عكف على اللهو ، و تعاطى الشعر و النثر فبرع فيهما ، حتى أعجب به مواطنوه ، و عدوه واحد عصره ، أقلع في كهولته أكثر من أيام شبابه ، و عكف على وصف الطبيعة .
و شقر ليست جزيرة في البحر ، و إنما هي بلدة بين شاطبة و بلنسية قيل لها جزيرة لإحاطة الماء بها . فقد كانت شفر من أجمل بقاع الأندلس ، و أخصبها تربة .
كان ابن خفاجة يعد أديب الأندلس و شاعرها بدليل ما نعته به المقري في كتابه نفح الطيب . و كان رقيق الشعر أنيق الألفاظ غير أن ولوعه بالصنعة و تعمده الاستعارات و الكنايات و التورية و الجناس و غيرها من المحسنات المعنوية و اللفظية جعل بعض شعره متكلفاً ، وأوقع بعضه في الغموض . و قد تفرد ابن خفاجة بالوصف و التصرف فيه ، و لا سيما وصف الأنهار و الأزهار ، و البساتين و الرياض و الرياحين، فكان أوحد الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس بالجنان ، أي البساتين ،. و الطبيعة في مظاهرها الرائعة ، و جمالاتها الفتانة ، ترافق شاعرنا في جميع الفنون التي عالجها ، فهو يصورها و يشخصها صادق الحب لها ، متقد العاطفة نحوها ، ريان بالإعجاب بها . فالطبيعة إذا عند ابن خفاجة هي كل شيء ، فقد شغف بها و مزج روحه بروحها و بادلها الشعور و الإحساس ، و كان يتحدث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة و حركة . فابن خفاجة من شعراء الطبيعة و لعل ميزته هي في الكثرة لا في الجدة ، و قد أكثر من صيغ شعره بألوان البيان و البديع من استعارات و تشابيه و جناس و طباق ، و قاده هذا الميل إلى التكلف ، فصعبت معانيه أحياناً على القراء .
و لابن خفاجة قطع نثرية ، تعمد فيها أسلوب ابن العميد و الهمذاني من حيث السجع و التزام المحسنات اللفظية .
وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي الشاعر؛ ذكره ابن بسام في الذخيرة وأثنى عليه، وقال: كان مقيماً بشرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها مع تهافتهم على أهل الأدب، وله ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان، ومن شعره في عشية أنس، وقد أبدع فيه:
وعشي أنس أضجعتني نـشـوة |
|
فيه تمهد مضجعي وتـدمـث |
خلعت علي به الأراكة ظلهـا |
|
والغصن يصغي والحمام يحدث |
والشمس تجنح للغروب مريضة |
|
والرعد يرقي والغمامة تنفـث |
وله أيضاً، وهو معنى حسن:
ما للعذار كأن وجهـك قـبـلة |
|
قد خط فيه من الدجى محرابا |
وأرى الشباب وكان ليس بخاشع |
|
قد خر فيه راكـعـاً وأنـابـا |
ولقد علمت بكون ثغرك بارقـاً |
|
أن سوف يزجي للعذار سحابا |
وله أيضاً:
أقوى محل من شبابك آهـل |
|
فوقفت أندب منه رسماً عافيا |
مثل العذار هناك نؤياً داثـراً |
|
واسودت الخيلان فيه أثافـيا |
وقد أخذ بعض المتأخرين - وهو العماد أبو علي بن عبد النور اللزني نزيل الموصل، وهو المذكور في ترجمة الشيخ كمال الدين موسى بن يونس - هذا المعنى فقال:
ومعقرب الصدغين خلت عذاره |
|
نؤياً أثافي رسمـه الـخـيلان |
فوقفت أبكيه بعـينـي عـروة |
|
أسفاً علـيه كـأنـه غـيلان |
ولد أبو إسحاق المذكور بجزيرة شقر من أعمال بلنسية من بلاد الأندلس في سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي بها سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، لأربع بقين من شوال يوم الأحد.
وشقر - بضم الشين المثلثة وسكون القاف والراء المهملة - وهي بليدة بين شاطبة وبلنسبة، وإنما قيل لها جزيرة لأن الماء محيط بها.
وبلنسية - بفتح الباء الموحدة وفتح اللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها.