إبراهيم اليازجي

الشيخ إبراهيم اليازجي
1847- 1906م


في سنة 1883م علّقت على جدران البيوت في
بيروت قصيدة غفلا من التوقيع جاء في بعضها:

تنبهوا واستفيقوا أيها العرب          فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

فيم التعلل بالآمال تخدعكم          وأنتم بـين راحـات الـقـنا سـلـبُ

الله أكبر ما هذا المنام فقد            شـكاكـم الـمهد واشـتاقتكم الـترب..

فشمروا وانهضوا للأمر وابتدروا       من دهركم فرصة ضنّت بـها الـحقب

أثرت القصيدة في القراء، وأثارت منهم الهمم، لأنها عبرت عن مشاعرهم. وقامت قيامة الوالي في بيروت، ونشر جلاوزته لمعرفة صاحبها، ولكنه لم يوفق. أما تاريخ الأدب فيقول إن صاحب القصيدة هو الشيخ إبراهيم اليازجي، المولود في بيروت. وهو ابن اليازجي الكبير، الشيخ ناصيف. وعلى هذا الوالد تعلم الابن اللغة العربية والأدب لأنه لم يذهب إلى مدرسة أبداً.

عمل الشيخ إبراهيم معلماً في مدرستي الحكمة والبطريركية وحرر في مجلتي الجنان والطبيب في بيروت، وأنشأ الضياء لما رحل إلى القاهرة سنة 1898، مقتفياً أثر صروف ونمر وزيدان. وانصرف إلى هذه المجلة حتى وفاته فماتت بموته. ولعل أكبر أثر أدبي للشيخ إبراهيم اليازجي هو تنقيحه للترجمة اليسوعية للكتاب المقدس، فأظهرها في حلة قشيبة أنيقة. والأثر الثاني هو شرحه لديوان المتنبي، الذي نسبه إلى أبيه، لأن الوالد كان قد بدأ العمل فيه. وله أيضاً "نجعة الرائد في المترادف والمتوارد".

كان اليازجي اللغوي واحداً من أولائك اللبنانيين الذين أدركوا أن الحرف يميت، وأما الروح فيحيي، وأن اللغة واسطة للتعبير لا غاية للتبحر. وأنه مهما سهلت الواسطة ومرنت الأداة، تجلى الفكر وبرز في اروع صفاته. ولعل اليازجي كان أبعدهم مدى في قدر هذه الحقيقة، على تبحر في اللغة وتعمق في أصول اشتقاقها، فسهل عليه أن يمهِر النهضة العصرية بأداة صحيحة مرنة، لها من التقليد روعةُ القدم، ومن الابتكار قشابة الحدوث؛ أداة كانت تكون كافية لو أخذ الغير على هذه اللغة بالطريق التي سنها اليازجي فقربوا التعبير من مجالي الحياة.

واليازجي نفسه أوضح موقفه من اللغة العربية بأن ما يبدو فيها ضعفاً ليس وارداً على اللغة من هرم أدركها، فقعد بها عن مجاراة الأحوال العصرية، وأناخ بها في ساقة الألسنة الحالية. فأن معنى الهرم في اللغة أن يحدث عند المتكلمين بها معان قد خلت ألفاظها عنها، ثم تضيق أوضاعها عن أحداث ألفاظ تؤدي بها تلك المعاني، فيطرأ على اللغة النقص، حينا بعد حين، إلى أن تعجز عن أداء أغراض أهلها، ولا تبقى صالحة للاستعمال. وحينئذ فلا يبقى إلا أن يلقى حبلها على غاربها، أو يستعان بغيرها على سد ما عرض فيها من الخلل، بما يغير من ديباجتها، وينكر أسلوب وضعها، حتى تتبدل هيئاتها على الزمن، وتصير على الجملة، لغة أخرى.

للشيخ إبراهيم اليازجي فضل على حروف الطباعة العربية. فهو الذي وضع أمهات الحروف الجديدة، التي صنعها معمل سركيس في بيروت، والتي انتشرت في المطابع العربية في مصر ولبنان وسوريا وفلسطين. وقد قال الدكتور شلبي شميل بأن هذه الخدمة من أجل ما قام به الشيخ إبراهيم اليازجي.

لليازجي نظرات في شؤون العلم والحياة حرية بالاهتمام. فهو يرى أن الرزء و"كل الرزء هو فيما ابتليت به هذه الأمة من الخمول والقعود في الحياة الفكرية، وما توالى عليها من التدابُر والشقاق، وتعاورها من تسلط يد الأجنبي دهراً بعد دهر، حتى اضمحل العلم فيها على التوالي. ولم يبق منذ مئات من السنين ما يذكر إلا علوم الدين. قصرت عليهم الهمم، ووقفت عندها المدارك، وتميزت بها حلقات الدروس. ثم اندرس الدين كغيره إلا عند الخاصة، وقليل ما هم، فلم يبق إلا التعصب يزداد عصراً بعد عصر وسنة بعد سنة. فكأن تلك العلوم كلها تقمصت الدين لباساً، ثم استحال الدين إلى تعصب يقوى كلما ضعفت مدارك أهله، ويتأصل في القلوب كلما خلت من العلم. فهو اليوم مجموع علوم الدنيا والآخرة والخلف من التلف من تلك العلوم بأسرها."

من قصائده:..