مقدمة

في كتابه »العصر الجاهلي« حدد الدكتور شوقي ضيف معنى الصعلوك لغة بأنه الفقير الذي لايملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة، مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية وأخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب.... ويمكن تقسيم الصعاليك إلى فئات ثلاث:‏

- فئة الخلعاء الشذاذ وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية.‏

- فئة أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباءهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة، تأبط شراً والشنفرى‏.
- فئة احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك وقبيلتي هذيل وفهم.‏

وعلى الرغم من شيوع «صوت القبيلة» في الشعر العربي الجاهلي، الذي يمثل نتاج الشعراء المعروفين، كما تبدو في المعلقات، والاصمعيات، وكتب الحماسة.. الخ، فقد قابل هذا الصوت الرسمي صوت فردي ثائر، ظل مسكوتا عنه، هو صوت شعراء الصعاليك، حيث أتيحت الفرصة لصوت الشاعر الفرد أن يظهر ويعلو، كاشفا عن تمرد صاحبه وثورته .

وهو التيار الذي استمر على مدار العصر الجاهلي، وامتد عبر ما يعرف بعصر (المخضرمين)، ثم ظهر له بعض نظائر وأصداء في عصر الاسلام، خلال عهد (بني أمية)، لكنه ظل مغيبا.

هؤلاء الشعراء الصعاليك الذين خرجوا عن السياق القبلي لأسباب مختلفة، بعضها سياسي أو اقتصادي، وبعضها اجتماعي أو نفسي، قدموا صورة مغايرة للمرأة حيث تحولت من موقعها الغزلي ـ كفتاة مدللة ـ الى كيانات متنوعة، فهي الوفية التي لا تتوانى عن الوقوف خلف زوجها، أيا كانت مشكلاته، وهي الحكيمة التي تقدم النصح الجديد، وهي الشخصية الانسانية في تساميها، حين تقوم بدورها النبيل، مكافحة ومصارعة مشاق الحياة، من أجل البقاء .

وفي كل ذلك ظهر التحول الفني واضحا في مسافات التعامل عبر رؤية العالم النسائي، من منظور شعراء تلك المرحلة المبكرة. ومع ذلك يري (لسان العرب) أن (الصعلوك) هو الفقير الذي لا مال له، وهو الوصف الذي اتفقت عليه معظم معاجم العربية. ولهذا استخدمت من لفظة (الصعلكة) لتدل على جماعة يتجردون للغارات.

وقطع الطرق، واللصوصية، على حد تعريف (القرشي)، صاحب كتاب «جمهرة أشعار العرب» . الصعلوك ـ اذن ـ في نظر الفقه اللغوي ـ هو لص، فاتك، خليع، ذئب. وهم أولئك المغيرون، أبناء الليل، الذين يسهرون ليلهم من أجل السلب والنهب، وممارسة الاغارة على القبائل والقوافل التجارية.

بيد أن أحد شعراء الصعاليك وهو السليك بن السلكة، خالف كل هذه النعوت والادانات، حين رأى الشاعر الصعلوك المفضل عنده بوصفه بطلا مغوارا، خواضاً للمعارك، مجرباً للأمور، يهابه الرجال، لأنه يعمل بسيفه، فلا يثني أحداً.

وان كان يدفع ثمنا غاليا، بعد أن انفصمت عرى صلته بالمجتمع فعاش طريدا مشردا، حتى يلقى مصرعه لتجيئ حياة الصعاليك عذابا، لا يحتمل، يواجهونها باتباع نوع من السلوك العدواني الذي لم يكن هدفا في ذاته أو غاية لنيل مطامع فردية، بل مجرد وسيلة للحفاظ على الحياة والكرامة. خصوصا وأن تمردهم لم يأت من فراغ، وكان الشر من طباعهم .

ولهذا اتصلت أوصال مجتمع شعراء صعاليك جاهلية العرب، واتحدت مشاعرهم بوطأة الظلم والفقر الواقع على كاهلهم، فبادروا الى الأخذ عن الغني، البخيل، ومناصرة الفقير البائس، فحملت نفوسهم أخلاق نبيلة، وقيم سلوكية رفيعة، تغنوا بها في أشعارهم، كالكرم الذي أتصف به أغلبهم .

وهم ـ أيضا ـ أصحاب أنفة واعتداد بالنفس، فيتحملون الأذى الجسدي، والجوع، من أن يستجدى أحدهم غيره. والمدهش أنهم لا يستأثرون بما يأخذون، بل كانوا يؤثرون من كان بهم خصاصة، من أصحاب الحاجات المعوذين على أنفسهم. يقول (المبرد): «انما سمي عروة الصعاليك لأنه اذا اشتكى اليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا، وقال له:

إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله. لذا حمل شعر الصعاليك الكثير من قيم الشرف والعفة والاباء والتحمل والكرم، وكأنه يحمل لوحات فنية تعكس الجوانب المشرقة في حياتهم عبر طرح التجربة الانسانية، التي يحيونها، فجاء شعرهم خاليا ـ في معظمه ـ من أساليب الصنعة والتكلف.

في قلب هذه المغايرة لصوت القبيلة الشعري، يتخذ أكثر شعراء الصعاليك أعلى المواقف سمواً حيال المرأة، فرغبوا في عفتها وحيائها، وأشادوا بجمال طبيعتها وخلقها وحسن معاشرتها. فهي بالنسبة لهم (حواء الخالدة)، وذلك على خلاف المرأة المنعمة، المترفة، المدللة، التي يطالعنا بها شعر الجاهلية الرسمي.

وذلك لأن المرأة لدى الشعراء الصعاليك غاية يراد بلوغها، اذ إن (الشاعر المحب يصور المرأة كما يراها هو أو كما يحب أن يراها، ويعبر عن عاطفته الذاتية لا عن عواطف الغير، ويتغزل مدفوعا بميله الفني في تصويره ما يحس به فجاء غزل شعر بعض هؤلاء الصعاليك عفيفا عذريا، كأحد أبرز عناصر الصورة الجمالية عندهم ، حتى أن كثيراً منهم شكا من تمنع بعض الحبيبات ، نتيجة حيائهن

بيد أن صورة المرأة المحبوبة تعددت لدى الشعراء الصعاليك، فهي المفارقة، والراحلة، والصادة ، واللائمة ، فاتخم شعرهم بشحنات عاطفية شجية لترسم ـ لنا ـ نموذجا مثاليا للمرأة المحبوبة، حتى أن وصف بعضهم لجمالها الجسدي جاء عبر أشكال فنية، لا يطولها الاسفاف ، الى جانب احتفاء بعضهم بجمالها الخلقي والنفسي، بوصفه أرفع مستويات الجمال والجاذبية الروحية. وهناك بعضهم الآخر الذي جمع في أشعاره بين جمال الخلقه وجمال الخلق.

وعلى خلاف تعددية زيجات الرجل في العصر الجاهلي، حظيت الزوجة عند زوجها (الشاعر الصعلوك) بمكانة رفيعة، بوصفها شريكته، التي عليه لها حقوق وواجبات، نظرا لتعلقه الشديد بامرأته، فتغزل بها، وبحسنها، وأخلاقها.

ولهذا تبوأ الصعلوك مكانة عالية لدى امرأته، لأن المرأة كان من حقها اختيار زوجها، الا اذا كانت سبيه من سبايا الغزو، حتى أن حق المرأة الجاهلية بلغ حد تزويج نفسها ممن ترغب. مما يجعل من اختيارها صعلوكا زوجا لها أمرا نابعا من اقتناع به، وبما هو عليه من وضع قد ارتضته هي، كما يتبدى في شدة غيره أزواج الصعاليك عليهم لشدة حبهن لهم، وفي خشيتهم على حياتهم، على الرغم من علم هؤلاء النسوة، مسبقا بطريقة الحياة المحفوفة بالمخاطر بهؤلاء الصعاليك.

كما كان للمرأة الأم موقعها البارز في شعر الصعاليك ، لكون غالبيتهم ينحدرون من الهجناء، أي أبناء الاماء، مما جعل من نسبهم عبئا آخر يضاف الى معاناتهم كقول (الشنفري) في مطلع لامية العرب :

أقيموا بني أمي صدور مطيكم فاني الى قوم سواكم لأميل

وعلى خلاف ما قامت عليه القصيدة الجاهلية الرسمية من تعدد أغراضها ، والتكثر منها ، قامت معظم قصائد الشعراء الصعاليك على غرض فني واحد، مثل ميمية (أبي خراش)، ورائية (عروة بن الورد)، وبائية (الاعلم) وعينية (قيس ابن الحدادية) وغيرها. وهو ما يعني أن أغلب ما وصل الينا من شعر صعاليك الجاهلية كان يحمل سمات خاصة عن فكر وفن تلك الطائفة المثيرة للجدل، قديما وحديثا.

من أشهر الصعاليك:

عروة بن الورد، اشهرهم على الإطلاق وكان سيداً لهم يلجأون له وقت الحاجة. مات عام 596 م.
السليك بن السلكة، من بني مقاعس، توفي نحو 605 م.
تأبط شراً. قدرت وفاته بين عامي 530 م و535 م.
الشنفرى الأزدي، وهو ثابت بن أوس الأزدي، توفي نحو 525 م أي قبل الهجرة.
الحارث بن ظالم المري، توفي نحو 600 م.
قيس بن الحدادية من خزاعة، توفي قبيل الإسلام.
حاجز بن عوف الأزدي، توفي قبيل الإسلام بفترة قصيرة.
أبو منازل السعدي، وهو فرعان بن الأعرف من بني تميم، قيل توفي في خلافة عمر بن الخطاب.
الخطيم بن نويرة، عاش في صدر الإسلام، وربما أدرك أوائل العصر الأموي.
القتال الكلابي من بني عامر بن صعصعة، توفي نحو 66 هـ.
فضالة بن شريك الأسدي ، توفي عام 64 هـ.
صخر الغي الهذلي، من هذيل، توفي في صدر الإسلام.
الأعلم الهذلي، وهو حبيب بن عبدالله الهذلي، وهو أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي ، وقد عاش حتى عصر صدر الإسلام.
عمرو بن براق
نفيل بن براقة
المنتشر بن وهب الباهلي
أوفى بن مطر المازني
قيس بن الحدادية
أبي خراش الهذلي
ابو النشناش النهشلي
الاحيمر السعدي
قيس ابن الحدادية
------------------------------------
بعض المصادر
كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
- العصر الجاهلي - د.شوقي ضيف‏
- تاريخ الأدب العربي - حنا الفاخوري‏