الشنفرى

هو ثابت بن أوس الأزدي، الملقب بالشنفرى ، يمني الأصل . لم يعرف تاريخ ولادته ، انما يعتقد انه عاش في اوائل القرن السادس . نشأ وعاش بين بني سلامان من بني فَهم الذين اسروه وهو طفل صغير . ولما شبّ وعرف بقصة أسره حلف أن يقتل من بني فهم مائة رجل.

عاش الشنفرى في البراري والجبال مع اخوانه تارة ، ومنفرداً تارة اخرى ، يغزو على قدميه وعلى فرسه ويهاجم الناس ويسلبهم . مات مقتولاً على يد احد افراد القبيلة التي انتقم منها وقتل تسعة وتسعين من رجالها . اما القتيل المائة، فقد قيل إنه بعد ان مات الشنفري رفسه القاتل على جمجمته فدخلت شظية في قدمه وقتلته .

إشتهر الشنفرى اكثر من اقرانه من ما يعرف بشعراء الصعاليك بفضل قصيدته المطولة "
لامية العرب" التي أعتبرت بأنها واحدة من أهم وثائق الفن والحياة المعبرة عن نموذج المعيشة الجاهلية. ففيها يطلعنا الشنفري على حياة الصعلوك وتمرده وشجاعته وصبره ، كما يصور لنا اساليب الغزو وانواع الاسلحة المستعملة . وتظهر اللامية حماسة الشاعر للصحراء وتطلعه الى الحرية والوحدة ومغامراته في سبيل إكفاء نفسه واصحابه ، كل ذلك في صياغة شعرية وفنية عالية تبرز فيها فخامة اللغة العربية ايام الجاهلية ، وتعدد زوايا الرؤية الشعرية ، من البراعة والموهبة والذوق ، بحيث حولت مباذل الصعلكة الى قيم خاصة قادرة على تبرير هذا النوع من السلوك المتمرد على تقاليد المجتمع القبلي .
 
على الرغم ان الشنفرى قد اشتهر كواحد من اشجع فرسان الصعاليك ومن اقواهم شكيمة ، فانه كان شاعر غزل لطيف ، كاشفاً لغوايات الانوثة ، متعشقاً لمفاتنها ، متذوقاً لقيم المرأة المتحلية بأخلاق العفة .

 

وورد في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: أسرته بنو شبابة بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن الأزد رجلاً من فهم، أحد بني شبابة ففدته بنو شبابة بالشنفري قال: فكان الشنفري في بني سلامان بن مفرج لا تسبح إلا أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في حجره، وكان السلامي اتخذه ولدا وأحسن إليه وأعطاه، فقال لها الشنفري: اغسلي رأسي يا أخية وهو لا يشك في أنها أخته، فأنكرت أن يكون أخاها ولطمته، فذهب مغاضباً حتى أتى الذي اشتراه من فهم، فقال له الشنفري: اصدقني ممن أنا؟ قال: أنت من الأواس بن الحجر، فقال: أما إني لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استعبدتموني، ثم إنه مازال يقتلهم حتى قتل تسعة وتسعين رجلاً، وقال الشنفري للجارية السلامية التي لطمته وقالت: لست بأخي:

 

ألا ليت شعري والتلهف ضـلة

 

بما ضربت كف الفتاة هجينها؟

ولو علمت قعسوس أنساب والدي

 

ووالدها ظلت تقاصر دونـهـا

أنا ابن خيار الحجر بيتاً ومنصذبا

 

وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها

 

غارته على من نشأ فم: قال: ثم لزم الشنفري دار فهم فكان يغير على الأزد على رجليه فيمن تبعه من فهم، وكان يغير وحده أكثر من ذلك، وقال الشنفري لبني سلامان:

وإني لأهوى أن ألف عجاجـتـي

 

على ذي كساء من سلامان أو برد

وأصبح بالعضداء أبغي سراتـهـم

 

وأسلك خلا بين أرباع والـسـرد

 

فكان يقتل بني سلامان بن مفرج حتى قعد له رهط من الغامديين من بني الرمداء فأعجزهم فأشلوا عليه كلباً لهم يقال له حبيش ولم يضعوا له شيئاً، ومر وهو هارب بقرية يقال لها دحيس برجلين من بني سلامان بن مفرج فأرادهما ثم خشي الطلب فقال:

قتيلي فجار أنتما إن قتلـتـمـا

 

بجوف دحيس أو تبالة يا اسمعا

 

يريد: يا هذان اسمعا، وقال فيما كان يطالب به بني سلامان:

فإلا تزرني حتفتي أو تـلاقـنـي

 

أمش بدهر أو عـذاف فـنـورا

أمشي بأطراف الحمـاط وتـارة

 

تنفض رجلي بسبطا فعصنصـرا

وأبغي بني صعب بن مرب بلادهم

 

وسوف ألاقيهم إن الـلـه يسـرا

ويوماً بذات الرأس أو بطن منجل

 

هنالك تلقى القاصي المتـغـورا

 

يقتلونه بعد أن يسملوا عينه: قال: ثم قعد له بعد ذلك أسيد بن جابر السلاماني وخازم الفهمي بالناصف من أبيدة ومع أسيد ابن أخيه، فمر عليهم الشنفري، فأبصر السواد بالليل فرماه، وكان لا يرى سواداً إلا رماه كائناً ما كان، فشك ذراع ابن أخي أسيد إلى عضده، فلم يتكلم، فقال الشنفري: إن كنت شيئاً فقد أصبتك وإن لم تكن شيئاً فقد أمنتك، وكان خازم باطحاً: يعني منبطحاً بالطريق يرصده، فنادى أسيد: يا خازم أصلت، يعني اسلل سيفك. فقال الشنفري: لكل أصلت، فأصلت الشنفري. فقطع إصبعين من أصابع خازم الخنصر والبنصر، وضبطه خازم حتى لحقه أسيد وابن أخيه نجدة، فأخذ أسيد سلاح الشنفري وقد صرع الشنفري خازماً وابن أخي أسيد، فضبطاه وهما تحته، وأخذ أسيد برجل ابن أخيه، فقال أسيد: رجل من هذه؟ فقال الشنفري: رجلي، فقال ابن أخي أسيد: بل هي رجلي يا عم فأسروا الشنفري، وأدوه إلى أهلهم، وقالوا له: أنشدنا، فقال: إنما النشيد على المسرة، فذهبت مثلاً، ثم ضربوا يده فتعرضت، أي اضطربت فقال الشنفري في ذلك:

لا تبعدي إما ذهبت شامـه

 

فرب واد نفرت حمـامـه

ورب قرن فصلت عظامه

 

 

 

ثم قال له السلامي: أأطرفك؟ ثم رماه في عينه فقال الشنفري له: كأن كنا نفعل أي كذلك كنا نفعل، وكان الشنفري إذا رمى رجلاً منهم قال له: أأطرفك؟ ثم يرمي عينه. ثم قالوا له حين أرادوا قتله: أين نقبرك؟ فقال:

لا تقبرونـي إن قـبـري مـحـرم

 

عليكم ولكن أبـشـري أم عـامـر

إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري

 

وغودر عند الملتقـى ثـم سـائري

هنالك لا أرجوا حـياة تـسـرنـي

 

سمير الليالي مبسـلاً بـالـجـرائر

 

تأبط شراً يرثي الشنفري:

على الشنفري سارى الغمام ورائح

 

غزير الكلي، وصيب الماء باكر

عليك جزاء مثل يومك بـالـجـبـا

 

وقد أرعفت منك السيوف البواتـر

ويومك يوم العيكـتـين وعـطـفة

 

عطفت وقد مس القلوب الحناجـر

تجول ببز الموت فيهـم كـأنـهـم

 

بشوكتك الحـدى ضـئين نـوافـر

فإنك لو لاقيتني بـعـد مـا تـرى

 

وهل يلقين من غيبته الـمـقـابـر

لألفيتني في غارة أنتـمـي بـهـا

 

إلـيك وإمـا راجـعـاً أنـا ثـائر

وإن تك مأسوراً وظلت مـخـيمـاً

 

وأبليت حتـى مـا يكـيدك واتـر

وحتى رماك الشيب في الرأس عانساً

 

وخيرك مبسوط وزادك حـاضـر

وأجمل موت المرء إذ كـان مـيتـاً

 

ولابد يوماً موتـه وهـو صـابـر

فلا يبعدن الشنفـري وسـلاحـه ال

 

حديد وشـد خـطـوه مـتـواتـر

إذا راع روع الموت راع وإن حمى

 

حمى معه حر كـريم مـصـابـر

رواية أخرى في مقتله: قال: وقال غيره: لا بل كان من أمر الشنفري وسبب أسره ومقتله أن الأزد قتلت الحارث بن السائب الفهمي، فأبوا أن يبوءوا بقتله، فباء بقتله رجل منهم يقال له حزام بن جابر قبل ذلك، فمات أخو الشنفري، فأنشأت أمه تبكيه، فقال الشنفري، وكان أول ما قاله من الشعر:

ليس لوالـدة هـوءهـا

 

ولا قولها لابنها دعـدع

تطيف وتحدث أحوالـه

 

وغيرك أملك بالمصرع

 

قال: فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الأزد مع فهم: فيقتل من أدرك منهم، ثم قدم منى وبها حزام بن جابر، فقيل له: هذا قاتل أبيك، فشد عليه فقتله، ثم سبق الناس على رجليه فقال:

قتلت حزاماً مـهـدياً بـمـلـبـد

 

ببطن منى وشط الحجيج المصوت

 

قال: ثم إن رجلاً من الأزد أتى أسيد بن جابر، وهو أخو حزام المقتول فقال: تركت الشنفري بسوق حباشة، فقال أسيد بن جابر: والله لئن كنت صادقاً لا نرجع حتى نأكل من جنى أليف أبيدة، فقعد له على الطريق هو وابنا حزام، فأحسوه في جوف الليل وقد نزع نعلاً ولبس نعلاً ليخفى وطأه، فلما سمع الغلامان وطأه قالا: هذه الضبع، فقال أسيد: ليست الضبع، ولكنه الشنفري، ليضع كل واحد منكما نعله على مقتله، حتى إذا رأى سوادهم نكص ملياً لينظر هل يتبعه أحد، ثم رجع حتى دنا منهم، فقال الغلامان: أبصرنا، فقال عمهما: لا والله ما أبصركما، ولكنه أطرد؛ ليكما تتبعاه، فليضع كل واحد منكما نعله على مقتله. فرماهم الشنفري فخسق في النعل ولم يتحرك المرمي، ثم رمى فانتظم ساقي أسيد، فلما رأى ذلك أقبل حتى كان بينهم، فوثبوا عليه، فأخذوه فشدوه وثاقاً، ثم إنهم انطلقوا به إلى قومهم، فطرحوه وسطهم، فتماروا بينهم في قتله، فبعضهم يقول: أخوكم وابنكم، فلما رأى ذلك أحد بني حزام ضربه ضربة فقطع يده من الكوع، وكانت بها شامة سوداء، فقال الشنفري حين قطعت يده:

لا تبعدي إما هلكت شامـه

 

فرب خرق قطعت قتامـه

ورب قرن فصلت عظامه

 

 

 

وقال تأبط شراً يرثيه:

لا يبعدن الشنفـري وسـلاحـه ال

 

حديد وشد خـطـوه مـتـواتـر

إذا راع روع الموت راع وإن حمى

 

حمى معه حر كريم مـصـابـر

 

قال: وذرع خطو الشنفري ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة، ثم الثانية سبع عشرة خطوة.

 

قال: وقال ظالم العامري في الشنفري وغاراته على الأزد وعجزهم عنه، ويحمد أسيد بن جابر في قتله الشنفري:

فما لكم لم تدركوا رجل شنفري

 

وأنتم خفاف مثل أجنحة الغرب

تاديتم حتى إذا ما لـحـقـتـم

 

تباطأ عنكم طالب وأبو سقـب

لعمرك للساعي أسيد بن جابـر

 

أحق بها منكم بني عقب الكلب

 

قال: لوما قتل الشنفري وطرح رأسه مر به رجل منهم فضرب جمجمة الشنفري بقدمه، فعقرت قدمه فمات منها، فتمت به المائة.

 

من شعر الشنفري: وكان مما قاله الشنفري فيهم من الشعر وفي لطمه المرأة التي أنكرته الذي ذكرته واستغنى عن إعادته مما تقدم ذكره من شعر الشنفري، وقال الشنفري في قتله حزاماً قاتل أبيه:

أرى أم عمرو أجمعت فاستقلت

 

وما ودعت جيرانها إذ تولـت

فقد سبقتنا أم عمرو بأمـرهـا

 

وقد كان أعناق المطي أظلت

فواند ما على أميمة بـعـد مـا

 

طمعت فهيبها نعمة العيش ولت

أميمة لا يخزي نثاها حليلـهـا

 

إذا ذكر النسوان عفت وجلـت

يحل بمنجاة من اللوم بـيتـهـا

 

إذا ما بيوت بالملامة حـلـت

فقد أعجبتني، لا سقوط قناعهـا

 

إذا ما مشت ولا بذات تلـفـت

كأن لها في الأرض نسياً تقصه

 

إذا ما مشت وإن تحدثك تبلـت

 

النسي: الذي يسقط من الإنسان وهو لا يدري أين هو؛ يصفها بالحياء، وأنها لا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تبرج. ويروى:

تقصه على أمها وإن تكلمـك

 

فدقت وجلت واسبكرت وأكملت

 

فلو جن إنسان من الحسن جنت

تبيت بعيد النوم تهدي غبوبـهـا

 

لجاراتها إذا الهـدية قـلـت

 

 

الغبوب: ما غب عندها من الطعام أي بات ويروى: غبوقها

فبتنا كأن البيت حـجـر حـولـنـا

 

بريحانة راحت عـشـاء وطـلـت

بريحانة من بطن حلـية أمـرعـت

 

لها أرج من حولها غير مسـنـت

غدوت من الوادي الذي بين مشعـل

 

وبين الجباهيهات أنسأت سربـتـي

أمشي على الأرض التي لن تضيرني

 

لأكسب مالاً أو ألاقـي حـمـتـي

إذا ما أتتني حتفتـي لـم أبـالـهـا

 

ولم تذر خالاتي الدموع وعمـتـي

وهنئ بي قوم وما إن هـنـأتـهـم

 

وأصبحت في قوم وليسوا بمنبـتـي

وأم عيال قد شهـدت تـقـوتـهـم

 

إذا أطعمتهم أو تـحـت وأقـلـت

تخاف علينا الجوع إن هي أكثـرت

 

ونحـن جـياع، أي ألـي تـألـت

عفاهية لا يقصر السـتـر دونـهـا

 

ولا ترتجى للبـيت إن لـم تـبـيت

لها وفضة فيها ثلاثون سـلـجـمـاً

 

إذا ما رأت أولى العدي اقشعـرت

وتأتي العدي بارزاً نصف ساقـهـا

 

كعدو حمار العانة الـمـتـفـلـت

إذا فزعت طارت بأبـيض صـارم

 

وراحت بما في جفرها ثم سـلـت

حسام كلون الملـح صـاف حـديده

 

جراز من أقطار الحديد المنـعـت

تراها كأذناب المـطـي صـوادراً

 

وقد نهلت من الـدمـاء وعـلـت

سنجزي سلامان بن مفرج قرضهـم

 

بمـا قـدمـت أيديهـم وأزلــت

شفينا بعبد الله بعـض غـلـيلـنـا

 

وعوف لدى المعدى أوان استهلـت

قتلنا حزامـاً مـهـديا بـمـلـبـد

 

محلهما بين الحجيج الـمـصـوت

فإن تقبلوا تقبل بمن نـيل مـنـهـم

 

وإن تدبروا فأم مـن نـيل فـتـت

ألا لا تزرني إن تشكيت خـلـتـي

 

كفاني بأعلى ذي الحميرة عدوتـي

وإني لحـلـو إن أريدت حـلاوتـي

 

ومر إذا النفس الصدوف استمـرت

أبي لمـا آبـى وشـيك مـفـيئتـي

 

إلى كل نفس تنتحـي بـمـودتـي

أهم قصائده:..