قيس بن الحدادية

قيس بن منقذ بن عمرو المعروف بابن الحدادية الخزاعي شاعر جاهلي من الصعاليك، ينسب إلى أمه الحدادية وهي من بني حداد من كنانة. نسبه أصلا من بني سلول بن كعب من خزاعة. كان شجاعا فاتكا كثير الغارات، تبرأت منه خزاعة في سوق عكاظ وأخبرت أنها لا تحمل جريرة له أو تطالب بجريرة عليه، كان يهوى أم مالك بنت ذؤيب الخزاعية وله فيها شعر بديع. قتله بنو مزينة في غارة لهم. له مع عامر بن الظرب العدواني حديث. وهو القائل:

قالت وعيناها تفيضـان عـبـرة             بنفسي بين لي متى أنت راجـع
فقلت لها والله يدري مـسـافـر            إذا أضمرته الأرض ما الله صانع

وجاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: هو قيس بن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر بن صالح بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة وهو خزاعة بن عمرو وهو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وهو رداء ويقال: رديني، وقد مضى نسبه متقدماً، والحدادية أمه، وهي امرأة من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، ثم من قبيلة منهم يقال لهم بنو حداد. شاعر من شعراء الجاهلية، وكان فاتكاً شجاعاً صعلوكاً خليعاً، خلعته خزاعة بسوق عكاظ وأشهدت على أنفسها بخلعها إياه، فلت تحتمل جريرةً له، ولا تطالب بجريرة يجرها أحدٌ عليه.

قال أبو الفرج: نسخت خبره من كتاب أبي عمرو الشيباني: لما خلعت خزاعة بن عمرو - وهو مزيقياء بن عامر، وهو ماء السماء بن الحارث - قيس بن الحدادية، كان أكثرهم قولاً في ذلك وسعيا لقوم منهم يقال لهم: بنو قمير بن حبشية بن سلول، فجمع لهم قيسٌ شذاذاً من العرب وفتاكاً من قومه، وأغار عليهم بهم، وقتل منهم رجلاً يقال لهم ابن عش، واستاق أموالهم، فلحقه رجل من قومه كان سيداً، وكان ضلعه مع قيس فيما جرى عليه من الخلع، يقال له ابن محرق، فأقسم عليه أنيرد ما استاقه، فقال: أما ما كان لي ولقومي فقد أبررت قسمك فيه، وأما ما اعتورته أيدي هذه الصعاليك فلا حيلة لي فيه، فرد سهمه وسهم عشيرته، وقال في ذلك:

فاقسم لولا أسهم ابـن مـحـرقٍ

 

مع الله ما أكثرت عد الأقـارب

تركت ابن عشٍّ يرفعون برأسـه

 

ينوء بساقٍ كعبها غـير راتـب

وأنهاهم خلعي على غير مـيرةٍ

 

من اللحم حتى غيبوا في الغوائب

وقال أبو عمرو: أغار أبو بردة بن هلال بن غويمر، أخو بني مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن امرىء القيس على هوازن في بلادها، فلقي عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وبني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت بنو عامر وبنو نصر، وقتل أبو بردة قيس بن زهير أخا خداش بن زهير الشاعر، وسبى نسوةً من بني عامر: منهن صخرة بنت أسماء بن الضريبة النصري، وامرأتين منهم يقال لهما: بيقر وريًّا، ثم انصرفوا راجعين، فلما انتهوا إلى هرشى خنقت صخرة نفسها فماتت، وقسم أبو بردة السبي والنعم والأموال في كل من كان معه، وجعل فيه نصيباً لمن غاب عنها من قومه وفرقه فيهم.

ثم أغارت هوازن على بني ليث، فأصابوا حيًّا منهم يقال لهم: بنو الملوح بن يعمر بن عوف، ورعاءً لبني ضاطر بني حبشية، فقتلوا منهم رجلاً وسبوا منهم سبياً كثيراً واستاقوا أموالهم، فقال في ذلك مالك بن عوف النصري:

نحن جلبنا الخيل من بطن لـيةٍ

 

وجلدان جرداً منعلاتٍ ووقحـا

فأصبحن قد جاوزن مراً وجحفةً

 

وجاوزن من أكناف نخلة أبطحا

تلقطن ضيطاري خزاعة بعد ما

 

أبرن بصحراء الغميم الملوحـا

قتلناهم حتى تركنـا شـريدهـم

 

نساء وأيتاماً ورجلاً مسـدحـا

فإنك لو طالعتهم لحسبـتـهـم

 

بمنعرج الصفراء عتراً مذبحـا

فلما صنعت هوازن ببني ضاطر ما صنعت، جمع قيس بن الحدادية قومه، فأغار على جموع هوازن، فأصاب سبياً ومالاً، وقتل يومئذٍ من بني قشير: أبا زيد وعروة وعامراً ومروحاً، وأصاب أبياتاً من كلاب خلوفاً، واستاق أموالهم وسبياً، ثم انصرف وهو يقول.

نحن جلبنا الخيل قبًّـا بـطـونـهـا

 

تراها إلى الداعي المثوب جنـحـا

بكل خزاعيٍّ إذا الحرب شـمـرت

 

تسربل فيهـا بـرده وتـوشـحـا

قرعنا قشيرا في المحـل عـشـيةً

 

فلم يجدوا في واسع الأرض مسرحا

قتلـنـا أبـا زيد وزيدا وعـامـرا

 

وعروة أقصدنا بـهـا ومـروحـا

وأبنا بإبل القوم تـحـدى ونـسـوةٍ

 

يبكين شلواً أو أسـيراً مـجـرحـا

غداة سقينا أرضهم مـن دمـائهـم

 

وأبنا بأدمٍ كن بـالأمـس وضـحـا

ورعنا كلابـاً قـبـل ذاك بـغـارة

 

فسقنا جلاداً في المبـارك قـرحـا

لقد علمت أفناء بكر بن عامـرٍ

 

بأنا نذود الكاشح المتزحزحـا

وأنا بلا مهرٍ سوى البيض والقنا

 

نصيب بأفناء القبائل منكـحـا

 

 

 

 

 

وقال أبو عمرو: وزعموا أن قيس بن عيلان رغبت في البيت، وخزاعة يومئذٍ تليه، وطمعوا أن ينزعوه منهم، فساروا ومعهم قبائل من العرب ورأسوا عليهم عامر بن الظرب العدواني، فساروا إلى مكة في جمعٍ لهام، فخرجت إليهم خزاعة فاقتتلوا، فهزمت قيس، ونجا عامرٌ على فرس له جواد. فقال قيس بن الحدادية في ذلك:

لقد سمت نفسك يا بن الظرب

 

وجشمتهم منزلاً قد صـعـب

وحملتهم مركبـاً بـاهـظـاً

 

من العبء إذ سقتهم للشغـب

بحرب خزاعة أهـل الـعـلا

 

وأهل الثناء وأهل الحـسـب

هم المانعو البـيت والـذائدون

 

عن الحرمات جميع العـرب

نفوا جرهماً ونفوا بـعـدهـم

 

كنانة غصباً ببيض القضـب

وسمر الرماح وجرد الـجـياد

 

عليها فوارس صدقٍ نـجـب

وهم ألحقـوا أسـداً عـنـوةً

 

بأحياء طيٍّ وحازوا السـلـب

خزاعة قومي فإن أفـتـخـر

 

بهم يزك معتصري والنسـب

هم الرأس والناس من بعدهـم

 

ذنابى وما الرأس مثل الذنـب

يواسى لدى المحل مـولاهـم

 

وتكشف عنه غموم الكـرب

فجـارهـم آمـنٌ دهـــره

 

بهم إن يضام وأن يغتـصـب

يلبون في الحرب خوف الهجاء

 

ويبرون أعداءهم بالـحـرب

ولو لم ينجـك مـن كـيدهـم

 

أمين الفصوص شديد العصب

لزرت المنايا فلا تـكـفـرن

 

جوادك نعماه يا بن الظـرب

فإن يلتقوك يزرك الـحـمـا

 

م أو تنج ثانـيةً بـالـهـرب

قال أبو الفرج: هذه القصيدة مصنوعة، والشعر بين التوليد.

وقال أبو عمرو: أغارت هوازن على خزاعة وهم بالمحصب من منى، فأوقعوا ببطن منهم يقال لهم بنو العنقاء، وبقوم من بني ضاطر، فقتلوا منهم عبداً وعوفاً وأقرم وغبشان، فقال ابن الأحب العدواني يفخر بذلك:

غداة التقينا بالمحصب من منًـى

 

فلاقت بنو العنقاء إحدى العظائم

تركنا بها عوفاً وعبداً وأقـرمـاً

 

وغبشان سؤراً للنسور القشاعم

فأجابه قيس بن الحدادية، فقال يعيره أن فخر بيوم ليس لقومه:

فخرت بيوم لم يكن لك فـخـره

 

أحاديث طسمٍ إنما أنـت حـالـم

تفاخر قوماً أطردتك رماحـهـم

 

أكعب بن عمرو هل يجاب البهائم

فلو شهدت أم الصبيين حمـلـنـا

 

وركضهم لابيض منها المـقـادم

غداة توليتم وأدبـر جـمـعـكـم

 

وأبنا بأسراكم كأنـا ضـراغـم

قال أبو عمرو: وكان ابن الحدادية أصاب دماً في قوم من خزاعة هو وناس من أهل بيته، فهربوا فنزلوا في فراس بن غنم، ثم لم يلبثوا أن أصابوا أيضاً منهم رجلاً، فهربوا فنزلوا في بجيلة على أسد بن كرز، فآواهم وأحسن إلى قيس وتحمل عنهم ما أصابوا في خزاعة وفي فراس، فقال قيس بن الحدادية يمدح أسد بن كرز:

لا تعذلينى سلمى اليوم وانتظـري

 

أن يجمع الله شملاً طالما افترقا

إن شتت الدهر شملاً بين جيرتكم

 

فطال في نعمةٍ يا سلم ما اتفقـا

وقد حللنا بقسـريٍّ أخـي ثـقةٍ

 

كالبدر يجلو دجى الظلماء والأفقا

لا يجبر الناس شيئاً هاضه أسـدٌ

 

يوماً ولا يرتقون الدهر ما فتقـا

كم من ثناءٍ عظيم قـد تـداركـه

 

وقد تفاقم فيه الأمر وانخـرقـا

قال أبو عمرو: وهذه الأبيات من رواية أصحابنا الكوفيين، وغيرهم يزعم أنها مصنوعة، صنعها حماد الراوية لخالد القسري في أيام ولايته، وأنشده إياها فوصله، والتوليد بين فيها جداً.

وقال أبو عمرو: غزا الضريس القشيري بني ضاطر في جماعة من قومه، فثبتوا له وقاتلوه حتى هزموه، وانصرف ولم يفز بشيء من أموالهم، فقال قيس بن الحدادية في ذلك:

فدىً لبـنـي قـيس وأفـنـاء مـالـكٍ

 

لدى الشسع من رجلي إلى الفرق صاعدا

غداة أتى قوم الضريس كأنـهـم

 

قطا الكدر من ودان أصبح واردا

 

فلم أر جمعاً كان أكرم غـالـبـاً

 

وأحمى غلاماً يوم ذلك أطـردا

 

رميناهم بالحو والكمت والقـنـا

 

وبيضٍ خفافٍ يختلين السواعـدا

 

           

قال أبو عمرو: ولما خلعت خزاعة قيساً، تحول من قومه، ونزل عند بطنٍ من خزاعة، يقال لهم بنو عدي بن عمرو بن خالد، فآووه وأحسنوا إليه، وقال يمدحهم:

جزى الله خيراً عن خليع مطردٍ

 

رجالاً حموه آل عمرو بن خالد

فليس كمن يغزو الصديق بنوكه

 

وهمته في الغزو كسب المزاود

عليكم بعرصات الديار فإنـنـي

 

سواكم عديدٌ حين تبلى مشاهدي

ألا وذتم حتى إذا مـا أمـنـتـم

 

تعاورتم سجعاً كسجع الهداهـد

تجنى علي المازنان كلاهـمـا

 

فلا أنا بالمغصي ولا بالمساعـد

وقد حدبت عمرو علي بعزهـا

 

وأبنائها من كل أروع مـاجـد

مصاليت يوم الروع كسبهم العلا

 

عظام مقيل الهام شعر السواعد

أولئك إخواني وجل عشـيرتـي

 

وثروتهم والنصر غير المحارد