بكر بن النطاح

توفي 192 هـ /  807 م

هو بكر بن النطاح الحنفي، أبو وائل.

شاعر غَزِل، من فرسان بني حنيفة من أهل اليمامة. (بدأ حياته صعلوكا يصيب الطريق، ثم أقصر) واشتهر بالشعر
.

انتقل إلى بغداد في زمن الرشيد واتصل بأبي دُلَف العجلي فجعل له رزقاً سلطانياً عاش به إلى أن توفّي.

وجاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: بكر بن النطاح الحنفي . يكنى أبا وائل، هكذا أخبرنا وكيع عن عبد الله بن شبيب، وذكر غيره أن عجلي من بني سعد بن عجل، واحتج من ذكر أنه عجلي بقوله:

فإن يك جد القوم فهر بن مالك

 

فجدي عجل قرم بكر بن وائل

وأنكر ذلك من زعم أنه حنفي وقال: بل قال:

فجدي لجيم قرم بكر بن وائل

وعجل بن لجيم وحنيفة بن لجيم أخوان.

وكان بكر بن النطاح صعلوكاً يصيب الطريق، ثم أقصر عن ذلك، فجعله أبو دلف من الجند، وجعل له رزقاً سلطانياً، وكان شجاعاً بطلاً فارساً شاعراً حسن الشعر والتصرف فيه، كثير الوصف لنفسه بالشجاعة والإقدام.

قصته مع أبي دلف: فأخبرني الحسن بن علي ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أبي، قال: قال بكر بن النطاح الحنفي قصيدته التي يقول فيها:

هنيئاً لإخواني ببغداد عيدهـم

 

وعيدي بحلوان قراع الكتائب

وأنشدها أبا دلف فقال له: إنك لتكثر الوصف لنفسك بالشجاعة، وما رأيت لذلك عندك أثراً قط، ولا فيك، فقال له: أيها الأمير وأي غناء يكون عند الرجل الحاسر الأعزل؟ فقال: أعطوه فرساً وسيفاً وترساً ودرعاً ورمحاً، فأعطوه ذلك أجمع، فأخذه وركب الفرس وخرج على وجهه، فلقيه مال لأبي دلف يحمل من بعض ضياعه، فأخذه وخرج جماعة من غلمانه فمانعوه عنه، فجرحهم جميعاً وقطعهم وانهزموا. وسار بالمال، فلم ينزل إلا على عشرين فرسخاً، فلما اتصل خبره بأبي دلف قال: نحن جنينا على أنفسنا، وقد كنا أغنياء عن إهاجة أبي وائل، ثم كتب إليه بالأمان، وسوغه المال، وكتب إليه: صر إلينا فلا ذنب لك، لأنا نحن كنا سبب فعلك بتحريكنا إياك وتحريضنا؛ فرجع ولم يزل معه يمتدحه، حتى مات.

قصته مع الرشيد ويزيد بن مزيد: أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثني الحسن بن إسماعيل، عن ابن الحفصي، قال: قال يزيد بن مزيد: وجه إلي الرشيد في وقت يرتاب فيه البريء، فلما مثلت بين يديه قال: يا يزيد، من الذي يقول:

ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه

 

ومن يفتقر من سائر الناس يسأل

فقلت له: والذي شرفك وأكرمك بالخلافة ما أعرفه، قال: فمن الذي يقول:

وإن يك جد القوم فهر بن مالك

 

فجدي لجيم قرم بكر بن وائل

قلت: لا والذي أكرمك وشرفك يا أمير المؤمنين ما أعرفه، قال: والذي كرمني وشرفني إنك لتعرفه، أتظن يا يزيد أني إذا أوطأتك بساطي وشرفتك بصنيعتي أني أحتملك على هذا؟ أو تظن أني لا أراعي أمورك وأتقصاها، وتحسب أنه يخفى علي شيء منها؟ والله إن عيوني لعليك في خلواتك ومشاهدك، هذا جلف من أجلاف ربيعة عدا طوره وألحق قريشاً بربيعة فأتني به. فانصرفت وسألت عن قائل الشعر، فقيل لي: هو بكر بن النطاح، وكان أحد أصحابي، فدعوته وأعلمته ما كان من الرشيد، فأمرت له بألفي درهم، وأسقطت اسمه من الديوان، وأمرته ألا يظهر ما دام الرشيد حياً، فما ظهر حتى مات الرشيد، فلما مات ظهر، فألحق اسمه وزدت في عطائه .

شعره في جارية تدعى رامشنة: أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني محمد بن حمزة العلوي، قال: حدثني أبو غسان دماذ، قال: حضرت بكر بن النطاح الحنفي في منزل بعض الحنفيين، وكانت للحنفي جارية يقال لها رامشنة، فقال فيها بكر بن النطاح:

حيتك بالرامشن رامشـنة

 

أحسن من رامشنة الآس

جارية لم يقتسم بعضـهـا

 

ولم تبت في بيت نخـاس

أفسدت إنساناً على أهلـه

 

لا مفسد الناس على الناس

وقال فيها:

أكذب طرفي عنك والطرف صادق

 

وأسمع أذني منك ما ليس تسمـع

ولم أسكن الأرض التي تسكنينـهـا

 

لكي لا يقولوا صابر ليس يجـزع

فلا كبدي تبلـى ولا لـك رحـمة

 

ولا عنك إقصار ولا فيك مطمـع

لقيت أموراً فيك لم الق مثـلـهـا

 

وأعظم منها منـك مـا أتـوقـع

فال تسألينـي فـي هـواك زيادة

 

فأيسره يجـزي وأدنـاه يقـنـع

المأمون يعجب بشعره وينقد سلوكه: أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، عن علي بن الصباح -وأظنه مرسلاً وأن بينه وبينه ابن أبي سعد أو غيره، لأنه لم يسمع من علي بن الصباح- قال: حدثني أبو الحسين الراوية، قال لي المأمون: أنشدني أشجع بيت وأعفه وأكرمه من شعر المحدثين، فأنشدته:

ومن يفتقر منا يعش بحسـامـه

 

ومن يفتقر من سائر الناس يسأل

وإنا لنلهو بالسيوف كما لـهـت

 

عروس بعقد أو سخاب قرنفـل

فقال: ويحك! من يقول هذا؟ فقلت: بكر بن النطاح، فقال: أحسن والله، ولكنه قد كذب في قوله، فما باله يسأل أبا دلف ويمتدحه وينتجعه! هلا أكل خبزه بسيفه كما قال!.

مدح أبا دلف فأعطاه جائزة أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو الحسن الكسكري ، قال: بلغني أنا أبا دلف لحق أكراداً قطعوا الطريق في عمله، وقد أردف منهم فارس رفيقاً له خلفه، فطعنهما جميعاً فأنفذهما، فتحدث الناس بأنه نظم بطعنة واحدة فارسين على فرس، فلما قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النطاح فأنشده: صوت

قالوا: وينظم فارسين بطعنة

 

يوم اللقاء ولا يراه جلـيلا

لا تعجبوا فلو أن طول قناته

 

ميل إذا نظم الفوارس ميلا

 

قال: فأمر له أبو دلف بعشرة آلاف درهم، فقال بكر فيه:

له راحة لو أن معشار جـودهـا

 

على البر كان البر أندى من البحر

ولو أن خلق الله في جسم فـارس

 

وبارزه كان الخلي من العـمـر

أبا دلف بوركت في كـل بـلـدة

 

كما بوركت في شهرها ليلة القدر

 

عشق غلاماً نصرانياً وقال فيه شعراً أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، وعيسى بن الحسين، قالا: حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال: حدثني أبو زائدة، قال: كان بكر بن النطاح الحنفي يتعشق غلاماً نصرانياً ويجن به، وفيه يقول:

يا من إذا درس الإنجيل كان له

 

قلب التقي عن القرآن منصرفا

إني رأيتك في نومي تعانقنـي

 

كما تعانق لام الكاتب الألـفـا

رده أبو دلف فغضب عليه وانصرف عنه أخبرني محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي ، قال: كان بكر بن النطاح يأتي أبا دلف في كل سنة، فيقول له: إلى جنب أرضي أرض تباع وليس يحضرني ثمنها، فيأمر له بخمسة آلاف درهم ويعطيه ألفاً لنفقته ، فجاءه في بعض السنين فقال له مثل ذلك، فقال له أبو دلف: ما تفنى هذه الأرضون التي إليها جانب ضيعتك ! فغضب وانصرف عنه، وقال:

يا نفس لا تجزعي من التلف

 

فإن في الله أعظم الخلـف

إن تقنعي باليسير تغتبطـي

 

ويغنك الله عن أبي دلـف

 

من قصائده:..