فَهِمْتَ مَعْنَى الْعُمْرِ فَهْمَ الأَرِيبْ |
وَعِشْتَ فِي دُنْيَاكَ عَيْشَ اللَّبِيبْ |
جُبِلْتَ مِنْهَا ثُمَّ أَنْكَرْتَهَا |
وَكُنْتَ فِيهَا آهِلاً كَالغَرِيبْ |
وَكُنْتَ فِيهَا سَاعِياً كَالذِي |
يَجُوزُ وَعْراً لِلِقَاءِ الحَبِيبْ |
فَاعْتَضْتَ مِنْ وَفْرٍ بِفَقْرٍ وَمِنْ |
وَادٍ خَصِيبٍ بِعَرَاءٍ جَدِيبْ |
واعْتَضْتَ بِالمِسْحِ وَأطْمَارِهِ |
مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ ذِي بَهَاءٍ قَشيبْ |
وَاعْتَضْتَ مِنْ مَلْهىً وَمِنْ لَذَّتٍ |
بِمَعْبَدِ اللهِ وَمَنْفَى الْقُلُوبْ |
فِي الدَّيْرِ تُلْفَى عَاكِفاً ضارِعاً |
مُهَجِّداً أَلِفَ الضَّنَى وَالشُّحُوبْ |
وَقَدْ تُرَى بَيْنَ الْوَرَى مِثْلَمَا |
يُسْعِفُ غَرْقَى البَحْرِ حُرُّ مُجِيبْ |
تَمُدُّ أَسْبَابَ الْهُدَى نَحْوَهُمْ |
مَدَّ مَنَارٍ نُورَهُ لِلرَّقِيبْ |
لَوْ رَابَهُمْ زَهْرُ الدَّيَاجِي فَمَا |
فِي نُورِ ذَاكَ الْغَوْثِ مِنْ مُسْتَرِيبْ |
فَيَا صَفِيَّ اللهِ يَهْنِيكَ أَنْ |
قَدْ فُزْتَ مِنْهُ بِاللِّقَاءِ القَرِيْبْ |
وَسِرْتَ لَمْ تُخْلِفْ أَسىً مُظْلِماً |
كَمَا يُرَى لَيْلُ القُنُوطِ العَصِيبْ |
بَلْ شَفَقاً لألاؤُه نَاصِعٌ |
يُرَى خِلاَلَ الدَّمْعِ شِبْهَ المَشُوبْ |
أَبَيْتَ نَوْحَ اليَأْسِ يَا شَادِياً |
عَلَّمَ شَدْوَ الأَمَلِ العَنْدَلِيبْ |
وَأَنْتَ يَا حَادِيَ رَكْبِ الرَّدَى |
بِنَغَمِ البِشْرِ أَبَيْتَ النَّحِيبْ |
فَلاَ مُنَادَاةٌ وَلاَ صَيْحَةٌ |
وَلاَ بُكَاءٌ هَهُنَا أَوْ وَجِيبْ |
هَذَا قَرَارٌ لِلْبِلَى صَامِتٌ |
صُمٌّ بِهِ السَّمْعُ وَعْنَ الخَطيبْ |
حَفِيرَةٌ فِي الأَرْضِ لَكِنَّهَا |
بَابٌ إِلَى الجَنًَّةِ عَالٍ رَحِيبْ |
مَبِيتُ خُلْدٍ لِفَتىً صَالِحٍ |
سَمْحٍ نَقِيِّ النَّفْسِ حُرٍّ أَدِيبْ |
عَاجلَهُ البَيْنُ فَوَلّى وَلَمْ |
يَزِنْهُ مِنْ بَعْدِ الشَّبَابِ المَشِيبْ |
عَاشَ نَهَاراً لَمْ يَكَدْ يَنْقَضِي |
صَبَاحُهُ حَتَّى تَلاهُ الغُيُوبْ |
صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ مِنْ عُمْرِهِ |
ثُمَّ عَلَى الإِثْرِ صَلاَةَ الغُرُوبْ |