نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي |
وَبُدِّلْتَ قَفْراً مِنْ خَصِيبِ جَنَابِ |
بِرَغْمِ العُلَى أَنْ يُمْسِيَ الصَّفْوَةُ الأُلَى |
بَنَوْا شُرُفَاتِ العِزِّ رَهْنَ يَبَابِ |
تَوَلَّوْا فَأَقْوَتْ مِنْ أَنِيسٍ قُصُورُهُمُ |
وَبَاتُوا سَرَاةَ الدَّهْرِ رَغْمَ تُرَابِ |
أَتَمْضِي أَبَا شَادٍ وَفِي ظَنِّ مَنْ يَرَى |
زُهُورَكَ أَنَّ النَّجْمَ قَبْلَكَ خَالِي |
عَزِيزٌ عَلَى القَوْمِ للَّذِينَ وَدِدْتَهُمْ |
وَوَدُّوكَ أَنْ تَنْأَى لِغَيْرِ مَآبِ |
وَأَنْ يُبْكِمَ المَوْتُ الأَصَمُّ أَشدَّهُمْ |
عَلَى مَنْ عَتَا فِي الأَرْضِ فَصْلَ خِطَابِ |
فَتىً جَامِعُ الأَضْدَادِ شَتَّى صِفَاتُهُ |
وَأَغْلَبُها الحُسْنى بِغَيْرِ غِلاَبِ |
مُحَامٍ بِسِحْرِ القَوْلِ يُصْبِي قُضَاتَهُ |
فَمَا فِعْلُهُ فِي سَامِعِينَ طِرَابِ |
فَبَيْنَاهُ غِرِّيدٌ إذَا هُوَ ضَيْغَمٌ |
زَمَاجِرُهُ لِلحَقِّ جِدُّ غِضَابِ |
وَكَمْ خَلَبَ الأَلْبَابَ مِنْهُ بِمَوقِفٍ |
بَلِيغُ حِوَارٍ أَوْ سَدِيدُ جَوَابِ |
رَقيقُ حَديثٍ إِنْ يُشَبَّهْ حَدِيْثُهُ |
فَمَا الخَمْرُ زَانَتْهَا عُقُودُ حَبَابِ |
يَسِيلُ فَيُرْوِي النَّفْسَ مِنْ غَيْرِ نَشْوَةٍ |
مَسِيلَ نطَافٍ في الغَدَاةِ عِذَابِ |
بمَا يُخْصِبُ الأَذهَانَ مُخْضَلُّ دَرِّهِ |
كَمَا يُخْصِبُ القِيعَانَ دَرُّ سَحَابِ |
أَدِيبٌ إذَا مَا درَّ دَرُّ يَرَاعِهِ |
تَبَيَّنْتَ أنَّ الفَيْضَ فَيْضُ عُبَابِ |
فَفِي الذِّهْنِ تهْدَارُ الأَتِيِّ وَقَدْ جَرَى |
عَلَى أنَّ مَا فِي العَيْنِ صُحْفُ كِتَابِ |
وَفِي الشِّعْرِ كَمْ قَوْلٍ لَهُ رَاقَ سَبْكُهُ |
أَتَى الوَحْيُ فِي تَنْزِيلِهِ بِعُجَابِ |
بِهِ نَصَرَ الوَهْمُ الحَقِيقَةَ نُصْرَةً |
تُضِيءٌ نُجُوماً مِنْ فُضُولِ ثِقَابِ |
فَأَمَّا المَسَاعِي وَالمُرُوءَاتُ وَالنَّدَى |
فَلَمْ يَدْعُهُ مِنْهُنَّ غَيْرُ مُجَابِ |
كَأَنَّ جَنَى كَفَّيْهِ وَقْفٌ مُقَسَّمٌ |
فَكُلُّ مُرَجٍ عَائِدٌ بِنِصَابِ |
وَمَا صُدَّ عَنْ إسْعَادِهِ بَاسِطٌ يَداً |
وَلاَ رُدَّ عَنْ جَدْوَاهُ طَارِقُ بَاب |
وَلَمْ يَكُ أَوْفَى مِنْهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ |
لِمَنْ يَصْطَفِي فِي مَحْضَرٍ وَغِيَابِ |
إذَا هَوَ وَالَى فَهْوَ أَوَّلُ مَنْ يُرَى |
مُعِيناً أَخَاهُ حِينَ دَْعِ مُصَابِ |
وَمَا كُلُّ مَنْ صَادَقْتَهُمْ بِأَصَادِقٍِ |
وَمَا كُلُّ مَنْ صَاحَبْتَهُمْ بِصِحَابِ |
يَعِفُّ فَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مُؤَمِّلاً |
لَهُ الْعَفْوُ مِنْ رَبٍ قَرِيب مَتَابٍ |
وَمَا عَهْدُهُ إِنْ مَحَّصَتْهُ حَقِيقَةٌ |
بِزَيْفٍ وَمَا مِيْثَاقُهُ بِكِذَابِ |
وَفِي النَّاسِ مَنْ يُحْلِي لَكَ المُرَّ خِدْعَةً |
وَتَرْجِعُ مِنْ جَنَّاتِهِ بِعَذَابِ |
تَذَكَّرْتُ عَهْداً خَالِياً فَبَكَيْتُهُ |
وَهَيْهَاتَ طِيبُ العَيشِ بَعْدَ شَبَابِ |
كَأَنِّيَ بِاسْتِحْضَارِهِ نَاظِرٌ إلى |
حُلاَهُ وَمُسْتَافٌ زَكِيَّ مَلاَبِ |
بِرُوْحِيَ ذَاكَ الْعَهْدُ كَمْ خَطَرٍ بِهِ |
رَكِبْنَا وَكَانَ الجِدُّ مَزْجَ لِعَابِ |
وَهَلْ مَنْ أُمُورٍ فِي الحَيَاةِ عَظِيمَةٍ |
بَغَيْرِ صِبا تَمَّتْ وغَيْرِ تَصَابِي |
زَمَانٌ قَضَيْنَا المَجْدَ فِيهِ حُقُوقَهُ |
وَلَمْ نَلْهُ عَنْ لَهْوٍ وَرَشْفِ رَُضَابِ |
مَحَضْنَا بِهِ مِصْرَ الهَوَى لاَ تَشُوبُهُ |
شَوَائِبُ مِنْ سُؤْلٍ لنا وطِلاَبِ |
وَمَا مِصْرَ إلا جَنَّةُ الأَرْضِ سُيِّجَتْ |
بِكُلِّ بَعِيدِ الهَمِّ غَضِّ إِهَابِ |
فَدَاهَا وَلَمْ يَكْرُثْهُ أْن جَارَ حُكْمُهَا |
فَذًَلَّ مُحَامِيهَا وَعَزَّ مُحَابي |
فَكَمْ وَقْفَةٍ إذْ ذَاكَ وَ المَوْتُ دُونَهَا |
وَقَفْنَا وَمَا نَلْوِي اتِّقَاءَ عِقَابِ |
وَكَمْ كَرَّةٍ فِي الصُّحْفِ وَالسَّوْطُ مُرْهِقٌ |
كَرَرْنَا وَمَا نَرْتَاضُ غَيْرَ صِعَابِ |
وَكَمْ مَجْلِسٍ مَمَّ تَوَخَّتْ لَنا المُنَى |
غَنِمْنَا بِهِ اللَّذَاتِ غُنْمَ نِهَابِ |
لَنَا مَذْهَبٌ فِي العَيْشِ وَالمَوْتِ تَارِكٌ |
قُشُورَ القَضَايَا آخِذٌ بِلُبَابِ |
يَرَى فَوْقَ حُسْنِ النَّجْمِ وَهْوَ مُحَيِّرٌ |
سَنَى الرَّجْمِ يَنْقَضُّ انْقِضَاضَ شِهَابِ |
وَمَا هُلْكُ أَفْرَادٍ وَمِصرُ عَزِيزَةٌ |
أَمَا أَجَُ الإِنْسَانِ مِنْهُ بِقَابِ |
كَذا كَانَ إِلْفِي لِلفَقِيدِ وَلَم يَكُنْ |
لِيَضْرِبَ خِلْفٌ بَيْنَنَا بِحِجَابِ |
حَفِظْتُ لهُ عَهْدِي وَلَوْ بَانَ مَقْتَلِي |
لِدَهْرٍ بِهِ جَدُّ المُرُوءَةِ كَابِي |
وَمَا خِفْتُ فِي أنْ أُلْفى كَغَيْرِيَ مُولَعاً |
بِخَلْعِ أَحِبَّائي كَخَلْعِ ثِيَابِي |
فَمَا أَنَا مَنْ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهُ هَوىً |
وَلاَ كُلَّ يَوْمٍ لِي جَدِيدُ صَوَابِ |
يَرَانِي صَدِيقِي مِنْهُ حِينَ إيَابِهِ |
بِحَيْثُ رَآنِي مِنْهُ حِينَ ذَهَابِ |
وَمَا ضَاقَ صَدْرِي بِالذِينَ وَدِدْتُهُمْ |
وَلاَ حَرِجَتْ بِالنَّازِلينَ رِحَابِي |
وَآنَفُ سَعْياً فِي رِكَابٍ فَكَيْفَ بِي |
وَِلي كُلَّ حَوْلٍ آَخْذَةٌ بِرِكَابِ |
حَرَامٌ عَلَيْنَا الْفَخْرُ بالشِّعْرِ إنْ تَقَعْ |
نُسُورُ مَعَالِيهِ وُقُوعَ ذُبَابِ |
وَمَا كِبْرِيَاءُ القَوْلِ حِينَ نُفُوسُنَا |
تَجَاوِيفُ أَرْضٍ فِي انْتِفَاخِ رَوَابي |
وَمَا زَعْمُنَا رَعْيَ الذِّمَامِ وَشَدُّنَا |
بِظُفْرٍ عَلَى مَنْ فِي الأَمَامِ وَنَابِ |
زَكِيٍّ لَكَ الإِرْثُ العَظِيمُ مِن العُلَى |
وَمَا ثَرْوَةٌ فِي جَنْبِهِ بِحِسَابِ |
فَكُنْ لأَبِيكَ الْبَاذِخِ القَدْرِ مُخْلَفاً |
بِأَكْرَمِ ذِكْرَى عَنْ مَظِنَّةِ عَابِ |
وَعِشْ نَابِهاً بِالْعِلْمِ وَالْفَنِّ نَابِغاً |
فَخَرُكَ مَوْفُورٌ وَفَضْلُكَ رَابِي |
أَلاَ إِنَّنِي أَبْكي بُكَاءَكَ فَقْدَهُ |
وَمَا بِكَ مِنْ حُزْنٍ عَلَيْهِ كَمَا بِي |
قَضَى لِي بِهَذَا الْخَطْبِ فِيمَنْ أُحِبُّهُ |
إلهٌ إلَيْهِ فِي الخُطُوبِ مَنَابِي |
فَفِي رَحْمَةِ المَوْلَى أَبُوكَ أَبُو النَّدَى |
وَفِي عَفْوِهِ أَحْرَى امْرئٍ بِثَوَابِ |