نبا بك دهر بالأفاضل نابي

خليل المطران

نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي

وَبُدِّلْتَ قَفْراً مِنْ خَصِيبِ جَنَابِ

بِرَغْمِ العُلَى أَنْ يُمْسِيَ الصَّفْوَةُ الأُلَى

بَنَوْا شُرُفَاتِ العِزِّ رَهْنَ يَبَابِ

تَوَلَّوْا فَأَقْوَتْ مِنْ أَنِيسٍ قُصُورُهُمُ

وَبَاتُوا سَرَاةَ الدَّهْرِ رَغْمَ تُرَابِ

أَتَمْضِي أَبَا شَادٍ وَفِي ظَنِّ مَنْ يَرَى

زُهُورَكَ أَنَّ النَّجْمَ قَبْلَكَ خَالِي

عَزِيزٌ عَلَى القَوْمِ للَّذِينَ وَدِدْتَهُمْ

وَوَدُّوكَ أَنْ تَنْأَى لِغَيْرِ مَآبِ

وَأَنْ يُبْكِمَ المَوْتُ الأَصَمُّ أَشدَّهُمْ

عَلَى مَنْ عَتَا فِي الأَرْضِ فَصْلَ خِطَابِ

فَتىً جَامِعُ الأَضْدَادِ شَتَّى صِفَاتُهُ

وَأَغْلَبُها الحُسْنى بِغَيْرِ غِلاَبِ

مُحَامٍ بِسِحْرِ القَوْلِ يُصْبِي قُضَاتَهُ

فَمَا فِعْلُهُ فِي سَامِعِينَ طِرَابِ

فَبَيْنَاهُ غِرِّيدٌ إذَا هُوَ ضَيْغَمٌ

زَمَاجِرُهُ لِلحَقِّ جِدُّ غِضَابِ

وَكَمْ خَلَبَ الأَلْبَابَ مِنْهُ بِمَوقِفٍ

بَلِيغُ حِوَارٍ أَوْ سَدِيدُ جَوَابِ

رَقيقُ حَديثٍ إِنْ يُشَبَّهْ حَدِيْثُهُ

فَمَا الخَمْرُ زَانَتْهَا عُقُودُ حَبَابِ

يَسِيلُ فَيُرْوِي النَّفْسَ مِنْ غَيْرِ نَشْوَةٍ

مَسِيلَ نطَافٍ في الغَدَاةِ عِذَابِ

بمَا يُخْصِبُ الأَذهَانَ مُخْضَلُّ دَرِّهِ

كَمَا يُخْصِبُ القِيعَانَ دَرُّ سَحَابِ

أَدِيبٌ إذَا مَا درَّ دَرُّ يَرَاعِهِ

تَبَيَّنْتَ أنَّ الفَيْضَ فَيْضُ عُبَابِ

فَفِي الذِّهْنِ تهْدَارُ الأَتِيِّ وَقَدْ جَرَى

عَلَى أنَّ مَا فِي العَيْنِ صُحْفُ كِتَابِ

وَفِي الشِّعْرِ كَمْ قَوْلٍ لَهُ رَاقَ سَبْكُهُ

أَتَى الوَحْيُ فِي تَنْزِيلِهِ بِعُجَابِ

بِهِ نَصَرَ الوَهْمُ الحَقِيقَةَ نُصْرَةً

تُضِيءٌ نُجُوماً مِنْ فُضُولِ ثِقَابِ

فَأَمَّا المَسَاعِي وَالمُرُوءَاتُ وَالنَّدَى

فَلَمْ يَدْعُهُ مِنْهُنَّ غَيْرُ مُجَابِ

كَأَنَّ جَنَى كَفَّيْهِ وَقْفٌ مُقَسَّمٌ

فَكُلُّ مُرَجٍ عَائِدٌ بِنِصَابِ

وَمَا صُدَّ عَنْ إسْعَادِهِ بَاسِطٌ يَداً

وَلاَ رُدَّ عَنْ جَدْوَاهُ طَارِقُ بَاب

وَلَمْ يَكُ أَوْفَى مِنْهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ

لِمَنْ يَصْطَفِي فِي مَحْضَرٍ وَغِيَابِ

إذَا هَوَ وَالَى فَهْوَ أَوَّلُ مَنْ يُرَى

مُعِيناً أَخَاهُ حِينَ دَْعِ مُصَابِ

وَمَا كُلُّ مَنْ صَادَقْتَهُمْ بِأَصَادِقٍِ

وَمَا كُلُّ مَنْ صَاحَبْتَهُمْ بِصِحَابِ

يَعِفُّ فَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مُؤَمِّلاً

لَهُ الْعَفْوُ مِنْ رَبٍ قَرِيب مَتَابٍ

وَمَا عَهْدُهُ إِنْ مَحَّصَتْهُ حَقِيقَةٌ

بِزَيْفٍ وَمَا مِيْثَاقُهُ بِكِذَابِ

وَفِي النَّاسِ مَنْ يُحْلِي لَكَ المُرَّ خِدْعَةً

وَتَرْجِعُ مِنْ جَنَّاتِهِ بِعَذَابِ

تَذَكَّرْتُ عَهْداً خَالِياً فَبَكَيْتُهُ

وَهَيْهَاتَ طِيبُ العَيشِ بَعْدَ شَبَابِ

كَأَنِّيَ بِاسْتِحْضَارِهِ نَاظِرٌ إلى

حُلاَهُ وَمُسْتَافٌ زَكِيَّ مَلاَبِ

بِرُوْحِيَ ذَاكَ الْعَهْدُ كَمْ خَطَرٍ بِهِ

رَكِبْنَا وَكَانَ الجِدُّ مَزْجَ لِعَابِ

وَهَلْ مَنْ أُمُورٍ فِي الحَيَاةِ عَظِيمَةٍ

بَغَيْرِ صِبا تَمَّتْ وغَيْرِ تَصَابِي

زَمَانٌ قَضَيْنَا المَجْدَ فِيهِ حُقُوقَهُ

وَلَمْ نَلْهُ عَنْ لَهْوٍ وَرَشْفِ رَُضَابِ

مَحَضْنَا بِهِ مِصْرَ الهَوَى لاَ تَشُوبُهُ

شَوَائِبُ مِنْ سُؤْلٍ لنا وطِلاَبِ

وَمَا مِصْرَ إلا جَنَّةُ الأَرْضِ سُيِّجَتْ

بِكُلِّ بَعِيدِ الهَمِّ غَضِّ إِهَابِ

فَدَاهَا وَلَمْ يَكْرُثْهُ أْن جَارَ حُكْمُهَا

فَذًَلَّ مُحَامِيهَا وَعَزَّ مُحَابي

فَكَمْ وَقْفَةٍ إذْ ذَاكَ وَ المَوْتُ دُونَهَا

وَقَفْنَا وَمَا نَلْوِي اتِّقَاءَ عِقَابِ

وَكَمْ كَرَّةٍ فِي الصُّحْفِ وَالسَّوْطُ مُرْهِقٌ

كَرَرْنَا وَمَا نَرْتَاضُ غَيْرَ صِعَابِ

وَكَمْ مَجْلِسٍ مَمَّ تَوَخَّتْ لَنا المُنَى

غَنِمْنَا بِهِ اللَّذَاتِ غُنْمَ نِهَابِ

لَنَا مَذْهَبٌ فِي العَيْشِ وَالمَوْتِ تَارِكٌ

قُشُورَ القَضَايَا آخِذٌ بِلُبَابِ

يَرَى فَوْقَ حُسْنِ النَّجْمِ وَهْوَ مُحَيِّرٌ

سَنَى الرَّجْمِ يَنْقَضُّ انْقِضَاضَ شِهَابِ

وَمَا هُلْكُ أَفْرَادٍ وَمِصرُ عَزِيزَةٌ

أَمَا أَجَُ الإِنْسَانِ مِنْهُ بِقَابِ

كَذا كَانَ إِلْفِي لِلفَقِيدِ وَلَم يَكُنْ

لِيَضْرِبَ خِلْفٌ بَيْنَنَا بِحِجَابِ

حَفِظْتُ لهُ عَهْدِي وَلَوْ بَانَ مَقْتَلِي

لِدَهْرٍ بِهِ جَدُّ المُرُوءَةِ كَابِي

وَمَا خِفْتُ فِي أنْ أُلْفى كَغَيْرِيَ مُولَعاً

بِخَلْعِ أَحِبَّائي كَخَلْعِ ثِيَابِي

فَمَا أَنَا مَنْ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهُ هَوىً

وَلاَ كُلَّ يَوْمٍ لِي جَدِيدُ صَوَابِ

يَرَانِي صَدِيقِي مِنْهُ حِينَ إيَابِهِ

بِحَيْثُ رَآنِي مِنْهُ حِينَ ذَهَابِ

وَمَا ضَاقَ صَدْرِي بِالذِينَ وَدِدْتُهُمْ

وَلاَ حَرِجَتْ بِالنَّازِلينَ رِحَابِي

وَآنَفُ سَعْياً فِي رِكَابٍ فَكَيْفَ بِي

وَِلي كُلَّ حَوْلٍ آَخْذَةٌ بِرِكَابِ

حَرَامٌ عَلَيْنَا الْفَخْرُ بالشِّعْرِ إنْ تَقَعْ

نُسُورُ مَعَالِيهِ وُقُوعَ ذُبَابِ

وَمَا كِبْرِيَاءُ القَوْلِ حِينَ نُفُوسُنَا

تَجَاوِيفُ أَرْضٍ فِي انْتِفَاخِ رَوَابي

وَمَا زَعْمُنَا رَعْيَ الذِّمَامِ وَشَدُّنَا

بِظُفْرٍ عَلَى مَنْ فِي الأَمَامِ وَنَابِ

زَكِيٍّ لَكَ الإِرْثُ العَظِيمُ مِن العُلَى

وَمَا ثَرْوَةٌ فِي جَنْبِهِ بِحِسَابِ

فَكُنْ لأَبِيكَ الْبَاذِخِ القَدْرِ مُخْلَفاً

بِأَكْرَمِ ذِكْرَى عَنْ مَظِنَّةِ عَابِ

وَعِشْ نَابِهاً بِالْعِلْمِ وَالْفَنِّ نَابِغاً

فَخَرُكَ مَوْفُورٌ وَفَضْلُكَ رَابِي

أَلاَ إِنَّنِي أَبْكي بُكَاءَكَ فَقْدَهُ

وَمَا بِكَ مِنْ حُزْنٍ عَلَيْهِ كَمَا بِي

قَضَى لِي بِهَذَا الْخَطْبِ فِيمَنْ أُحِبُّهُ

إلهٌ إلَيْهِ فِي الخُطُوبِ مَنَابِي

فَفِي رَحْمَةِ المَوْلَى أَبُوكَ أَبُو النَّدَى

وَفِي عَفْوِهِ أَحْرَى امْرئٍ بِثَوَابِ