معبد

تو. 743م
هو ابن مولى لعبد الرحمن بن فطن. كان أبوه زنجيًا. تعلّم الغناء عن سائب خائر ونشيط الفارسي حتّى أصبح من أحسن مُغنّي المدينة المنوّرة.

 

نال الجائزة الأولى في المُسابقة والمباراة الغنائية التّي نظمها ابن صفوان، أحد أشراف قريش، ثم استدعاه الخليفة الوليد الثاني إلى الشّام. فغنّى بحضرته ومنحه جائزةً كبيرةً.

 

توفّي في المدينة المنورة.

 

من أشهر تلاميذه: ابن عائشة وسلامة القس.

 

وورد في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: كان معبدٌ اليقطيني غلاماً مولداً خلاسياً من مولدي المدينة، اشتراه بعض ولد علي بن يقطين. وقد شدا بالمدينة، وأخذ الغناء عن جماعةٍ من أهلها، وعن جماعة أخرى من علية المغنين بالعراق في ذلك الوقت، مثل إسحاق وابن جامع وطبقتهما، ولم يكن فيما ذكر بطيب المسموع، ولا خدم أحداً من الخلفاء إلا الرشيد، ومات في أيامه، وكان أكثر انقطاعه إلى البرامكة.

 

أخبرني عمي الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: حدثني معبدٌ الصغير المغني مولى علي بن يقطين قال: كنت منقطعاً إلى البرامكة، آخذ منهم وألازمهم. فبينا أنا ذات يومٍ في منزلي إذا بابي يدق، فخرج غلامي ثم رجع إلي فقال: على الباب فتًى ظاهر المروءة يستأذن عليك، فأذنت له. فدخل علي شاب ما رأيت أحسن وجهاً منه، ولا أنظف ثوباً، ولا أجمل زياً منه، من رجلٍ دنفٍ عليه آثار السقم ظاهرة، فقال لي: إني أرجو لقاك منذ مدةٍ فلا أجد إليه سبيلاً، وإن لي حاجة. قلت: ما هي؟ فأخرج ثلثمائة دينار فوضعها بين يدي، ثم قال: أسألك أن تقبلها وتصنع في بيتين قلتهما لحناً تغنيني به. فقلت: هاتهما، فأنشدهما، وقال:

والله يا طرفي الجاني على بدني

 

لتظفئن بدمعي لوعة الحـزن

أو لأبوحن حتى يحجبوا سكنـي

 

فلا أراه ولو أدرجت في كفني

 

والغناء فيه لمعبد اليقطيني ثقيل أول مطلقٌ في مجرى الوسطى قال: فصنعت فيهما لحناً ثم غنيته إياه، فأغمي عليه حتى أكظننته قد مات. ثم أفاق فقال: أعد فديتك! فناشدته الله في نفسه وقلت: أخشى أن تموت. فقال: هيهات! أنا أشقى من ذاك. وما زال يخضع لي ويتضرع لي حتى أعدته، فصعق صعقةً أشد من الأولى، حتى ظننت أن نفسه قد فاظت. فلما أفاق رددت الدنانير عليه ووضعتها بين يديه، وقلت: يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عني، فقد قضيت حاجتك، وبلغت وطراً مما أردته، ولست أحب أن أشرك في دمك. فقال: يا هذا ! لا حاجة لي في الدنانير. فقلت: لا والله ولا بعشرة أضعافها إلا على ثلاث شرائط. قال: وما هن؟ قلت: أولها أن تقيم عندي وتتحرم بطعامي، والثانية أن تشرب أقداحاً من النبيذ تشد قلبك وتسكن ما بك، والثالثة أن تحدثني بقصتك. فقال: أفعل ما تريد. فأخذت الدنانير، ودعوت بطعامٍ فأصاب منه إصابة معذر، ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحاً، وغنيته بشعرٍ غيره في معناه، وهو يشرب ويبكي. ثم قال: الشرط أعزك الله، فغنيته، فجعل يبكي أحر بكاء وينشج أشد نشيج، وينتحب. فلما رأيت ما به قد خف عما كان يلحقه، ورأيت النبيذ قد شد من قلبه، كررت عليه صوته مراراً، ثم قلت: حدثني حديثك. فقال: أنا رجلٌ من أهل المدينة خرجت متنزهاً في ظاهرها وقد سال العقيق، في فتية من أقراني وأخداني، فبصرنا بقيناتٍ قد خرجن لمثل ما خرجنا له، فجلسن حجرةً منا، وبصرت فيهن بفتاةٍ كأنها قضيبٌ قد طله الندى، تنظر بعينين ما ارتد طرفهما إلا بنفس من يلاحظهما. فأطلنا وأطلن، حتى تفرق الناس، وانصرفن وانصرفنا، وقد أبقت بقبي جرحاً بطيئاً اندماله. فعدت إلى منزلي وأنا وقيذٌ. وخرجت من الغد إلى العقيق، وليس به أحدٌ، فلم أر لها ولا لصواحباتها أثراً. ثم جعلت أتتبعها في طرق المدينة وأسواقها، فكأن الأرض أضمرتها، فلم أحس لها بعين ولا أثر، وسقمت حتى أيس مني أهلي. ودخلت ظئري فاستعلمتني حالي، وضمنت لي حالها والسعي فيما أحبه منها، فأخبرتها بقصتي، فقالت: لا بأس عليك! هذه أيام الربيع، وهي سنة خصبٍ وأنواء، وليس يبعد عنك المطر، وهذا العقيق، فتخرج حينئذٍ وأخرج معك، فإن النسوة سيجئن. فإذا فعلن ورأيتها تبعتها حتى أعرف موضعها، ثم أصل بينك وبينها، وأسعى لك في تزويجها. فكأن نفسي اطمأنت إلى ذلك، ووثقت به وسكنت إليه، فقويت وطمعت وتراجعت نفسي، وجاء مطر بعقب ذلك، فأسال الوادي، وخرج الناس وخرجت مع أخواني إليه، فجلسنا مجلسنا الأول بعينه، فما كنا والنسوة إلا كفرسي رهانٍ. وأومأت إلى ظئري فجلست حجرةً منًّا ومنهن، وأقبلت على إخواني فقلت: لقد أحسن القائل حيث قال:

رمتني بسهم أقصد القلب وانثنت

 

وقد غادرت جرحاً بهوندوبـا

 

فأقبلت على صواحباتها فقالت: أحسن والله القائل، وأحسن من أجابه حيث يقول:

بنا مثل ما تشكو فصبراً لعلنا

 

نرى فرجاً يشفي السقام قريبا

 

فأمسكت عن الجواب خوفاً من أن يظهر مني ما يفضحني وإياها، وعرفت ما أرادت. ثم تفرق الناس وانصرفنا، وتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها، وصارت إلي فأخذت بيدي ومضينا إليها. فلم تزل تتلطف حتى وصلت إليها. فتلاقينا وتداورنا على حال مخالسةٍ ومراقبة. وشاع حديثي وحديثها، وظهر ما بيني وبينها، فحجبها أهلها، وتشدد عليها أبوها. فما زلت أجتهد في لقائها فلا أقدر عليه. وشكوت إلى أبي - لشدة ما نالني - حالي، وسألته خطبتها لي. فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها فخطبوها. فقال: لو كان بدأ بهذا قبل أن يفضحها ويشهرها لأسعفته بما التمس، ولكنه قد فضحها، فلم أكن لأحقق قول الناس فيها بتزويجه إياها، فانصرفت على يأسٍ منها ومن نفسي. قال معبد: فسألته أن ينزل، مخبرني وصارت بيننا عشرةٌ. ثم جلس جعفر بن يحيى للشرب فأتيته، فكان أول صوتٍ غنيته صوتي في شعر الفتى، فطرب عليه طرباً شديداً، وقال: ويحك! إن لهذا الصوت حديثاً، فما هو؟ فحدثته، فأمر بإحضار الفتى، فأحضر من وقته، واستعاده الحديث، فأعاده عليه. فقال: هي في ذمتي حتى أزوجك إياها، فطابت نفسه، وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح. وغدا جعفرٌ إلى الرشيد فحدثه الحديث، فعجب منه، وأمر بإحضارها جميعاً، فأحضرنا، وأمر بأن أغنيه الصوت فغنيته، وشرب عليه، وسمع حديث الفتى، فأمر من وقته بالكتاب إلى عامل الحجاز بإشخاص الرجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته، فلم يمض إلا مسافة الطريق حتى أحضر. فأمر الرشيد بإيصاله إليه فأوصل، وخطب إليه الجارية للفتى، وأقسم عليه ألا يخالف أمره، فأجابه وزوجه إياها، وحمل إليه الرشيد ألف دينار لجهازها، وألف دينارٍ لنفقة طريقه، وأمر للفتى بألف دينارٍ، وأمر جعفرٌ لي وللفتى بألف دينار. وكان المدني بعد ذلك في جملة ندماء جعفر بن يحيى.

هل نفسك المستهامة الـسـدمة

 

سالـيةٌ مـرةً ومـعـتـزمـه

عن ذكر خودٍ قضى لها الملك ال

 

خالق ألا تكـنـهـاظـلـمـه

 

الشعر لابن أبي الزوائد، والغناء لحكم رملٌ بالوسطى عن الهشامي.

 



المدينة المنورة