ابن سريج

تو. 724م
هو أبو يحيى عبد الله أو عبيد الله بن سريج مولى بني نوفل. ولد في مكة المكرمة في خلافة عمر ابن الخطاب. تعلم الغناء عن طويس وابن مسجح وحضر حفلات عزة الميلاء حتى أصبح من الذائعي الصيت. ثم تعلم الضرب على العود فأجاد به.

نال الجائزة الأولى من الخليفة سليمان بن عبد الله في مسابقة عقدها للمغنين في مكة المكرمة.

توفي في خلافة هشام بن عبد الملك.

 

وجاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: هو عبيد بن سريج، ويكنى أبا يحيى، مولى بني نوفل بن عبد مناف. وذكر ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين أنه مولى لبني الحارث بن عبد المطلب.

 

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال: ابن سريج مولى لبني ليثٍ، ومنزله مكة.

 

وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال: سألت الحسن بن عتبة اللهبي عن ابن سريج فقال: هو مولى لبني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وفي بني عائذٍ يقول الشاعر:

 

فإن تصلح فإنك عـائذيٌ وصلح العائذي إلى فساد

 

قال إسحاق: وقال سلمة بن نوفل بن عمارة: ابن سريج مولى عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفلٍ، أو ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف.

 

أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن أبي أيوب المديني قال: ذكر إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص: أن ابن سريج كان آدم أحمر ظاهر الدم سناطاً في عينيه قبلٌ، بلغ خمساً وثمانين سنةً، وصلع فكان يلبس جمةً مركبة، وكان أكثر ما يرى مقنعاً، وكان منقطعاً إلى عبد الله بن جعفر.

 

وقال ابن الكلبي عن أبيه قال: كان ابن سريج مخنثاً أحول أعمش يلقب "وجه الباب"، وصلع فكان يلبس جمةً، وكان لا يغني إلا مقنعاً يسبل القناع على وجهه.

 

وقال ابن الكلبي عن أبي وأبي مسكينٍ: كان ابن سريج أحسن الناس غناءً، وكان يغني مرتجلاً ويوقع بقضيبٍ، وغنى في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومات في خلافة هشام بن عبد الملك.

 

قال إسحاق: وكان الحسن بن عتبة اللهبي يروي مثل ذلك فيه. وذكر أن قبره بنخلة قريباً من بستان ابن عامر.

 

قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال: كان عبيد بن سريج من أهل مكة وكان أحسن الناس غناءً. قال إسحاق قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي: سمعت ابن جريج يقول: عبيد بن سريج من أهل مكة مولى آل خالد بن أسيدٍ.

 

قال إسحاق وحدثني إبراهيم بن زياد عن أيوب بن سلمة المخزومي قال: كان في عين ابن سريج قبلٌ حلوٌ لا يبلغ أن يكون حولاً، وغنى في خلافة عثمان رضي الله عنه، ومات بعد قتل الوليد بن يزيد، وكان له صلعٌ في جبهته، وكان يلبس مركبة فيكون فيها أحسن شيءٍ، وكان يلقب "وجه الباب" ولا يغضب من ذلك، وكان أبوه تركياً.

 

وقال أبو أيوب المديني: كان ابن سريج، فيما روينا عن جماعةٍ من المكيين، مولى بني جندع بن ليث بن بكر، وكان إذا غنى سدل قناعه على وجهه حتى لا يرى حوله، وكان يوقع بقضيبٍ وقيل: إنه كان يضرب بالعود، وكانت علته التي مات منها الجذام.

 

أنه أول من ضرب بالعود الفارسي على الغناء العربي

قال إسحاق وحدثني أبي قال: أخبرني من رأى عود ابن سريج وكان على صنعة عيدان الفرس، وكان ابن سريج أول من ضرب به على الغناء العربي بمكة. وذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزبير لبناء الكعبة، فأعجب أهل مكة غناؤهم. فقال ابن سريج: أنا أضرب به على غنائي، فضرب به فكان أحذق الناس.

 

أم ابن سريج

قال إسحاق وذكر الزبيري: أن أم ابن سريج مولاةٌ لآل المطلب يقال لها "رائقة"، وقيل: بل أمه هند أخت رائقة، فمن ثم قيل: إنه مولى بني المطلب بن حنطبٍ. وكان ابن سريج بعد وفاة عبد الله بن جعفرٍ قد انقطع إلى الحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب أحد بني مخزوم، وكان من سادة قريش ووجوهها. وأخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجحٍ.

 

الأشخاص المعدودون أصولاً للغناء العربي

قال إسحاق: وأصل الغناء أربعة نفرٍ: مكيان ومدنيان، فالمكيان: ابن سريج وابن محرز، والمدنيان: معبد ومالكٌ.

 

أول شهرة ابن سريج بالغناء

قال إسحاق: وقال سلمة بن نوفل بن عمارة: أخبرني بذلك من شئت من مشيختنا: أن يوماً شهر فيه ابن سريج بالغناء في ختان ابن مولاه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين. قال لأم الغلام: خفضي عليك بعض الغرم والكلفة، فوالله لألهين نساءك حتى لا يدرين ما جئت به ولا ما عزمت عليه.

 

شهادة هشام بن المربة في ابن سريج قال إسحاق: وسألت هشام بن المرية، وكان قد عمر، وكان عالماً بالغناء فلا يبارى فيه، فقلت له: من أحذق الناس بالغناء؟ فقال لي: أتحب الإطالة أم الاختصار؟ فقلت: أحب الاختصار الذي يأتي على سؤالي. قال: ما خلق الله تعالى بعد داود النبي عليه الصلاة والسلام أحسن صوتاً من ابن سريج، ولا صاغ الله عز وجل أحداً أحذق منه بالغناء، ويدلك على ذلك أن معبداً كان إذا أعجبه غناؤه قال: أنا اليوم سريجي.

 

شهادة يونس بن محمد الكاتب فيه

قال وأخبرني إبراهيم - يعني أباه - قال: أدركت يونس بن محمدٍ الكاتب فحدثني عن الأربعة: ابن سريج وابن محرز والغريض ومعبد. فقلت له: من أحسن الناس غناءً؟ فقال: أبو يحيى. قلت: عبيد بن سريج؟ قال نعم. قلت: وكيف ذاك؟. قال: إن شئت فسرت لك، وإن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كل قلبٍ، فهو يغني لكل إنسانٍ ما يشتهي.

 

شهادة إبراهيم الموصلي فيه

أخبرني أحمد بن جعفرٍ جحظة قال قال حماد بن إسحاق: أخبرني أبي عن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك قال: سألت إبراهيم الموصلي ليلةً وقد أخذ منه النبيذ: من أحسن الناس غناءً؟ فقال لي: من الرجال أم من النساء؟ فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. قلت: ومن النساء؟ قال: ابن سريج. ثم قال لي: إن كان ابن سريج إلا كأنه خلق من كل قلبٍ فهو يغني له ما يشتهي! شهادة إسحاق الموصلي فيه أخبرني جحظة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال: أرسلني محمد بن الحسين بن مصعبٍ إلى إسحاق أسأله عن لحنه ولحن ابن سريج في:

 

مولده ووفاته واشتغاله بالغناء بعد النياحة

أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال حدثني إسماعيل بن جامعٍ عن سياطٍ قال: كان ابن سريج أول من غنى الغناء المتقن بالحجاز بعد طويسٍ، وكان مولده في خلافة عمر بن الخطاب، وأدرك يزيد بن عبد الملك وناح عليه، ومات في خلافة هشام. قال: وكان قبل أن يغني نائحاً ولم يكن مذكوراً، حتى ورد الخبر مكة بما فعله مسرف بن عقبة بالمدينة، فعلا على أبي قبيسٍ وناح بشعرٍ هو اليوم داخلٌ في أغانيه، وهو:

يا عين جودي بالدموع السفـاح وابكي على قتلى قريش البطاح

 

فاستحسن الناس ذلك منه، وكان أول من ندب به.

 

قال ابن جامع: وحدثني جماعةٌ من شيوخ أهل مكة أنهم حدثوا: أن سكينة بنت الحسين بعثت إلى ابن سريج بشعرٍ أمرته أن يصوغ فيه لحناً يناح به، فصاغ فيه، وهو الآن داخلٌ في غنائه. والشعر:

يا أرض ويحك أكرمي أمواتي فلقد ظفرت بسادتي وحماتي

 

فقدمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة مكة والمدينة والطائف.

 

قال وحدثني ابن جامع وابن أبي الكنات جميعاً: أن سكينة بعثت إليه بمملوكٍ لها يقال له عبد الملك، وأمرته أن يعلمه النياحة، فلم يزل يعلمه مدة طويلة، ثم توفي عمها أبو القاسم محمد بن الحنفية، وكان ابن سريج عليلاً علةً صعبةً فلم يقدر على النياحة. فقال لها عبدها عبد الملك: أنا أنوح لك نوحاً أنسيك به نوح ابن سريج. قالت: أو تحسن ذاك؟ قال نعم. فأمرته فناح؛ فكان نوحه في الغاية من الجودة، وقال النساء: هذا نوحٌ غريضٌ؛ فلقب عبد الملك الغريض. وأفاق ابن سريج من علته بعد أيام وعرف خبر وفاة ابن الحنفية، فقال لهم: فمن ناح عليه؟ قالوا: عبد الملك غلام سكينة. قال: فهل جوز الناس نوحه؟ قالوا: نعم وقدمه بعضهم عليك. فحلف ابن سريج ألا ينوح بعد ذلك اليوم، وترك النوح وعدل إلى الغناء، فلم ينح حتى ماتت حبابة، وكانت قد أخذت عنه وأحسنت إليه فناح عليها، ثم ناح بعدها على يزيد بن عبد الملك، ثم لم ينح بعده حتى هلك.

 

قال: ولما عدل ابن سريج عن النوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه، فكان لا يغني صوتاً إلا عارضه فيه.

 

ابن سريج أحسن الناس غناء

أخبرنا يحيى بن علي ووكيعٌ وجحظة قالوا: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: قال لي الفضل بن يحيى: سألت أباك ليلةً وقد أخذ منه الشراب عن أحسن الناس غناءً، فقال لي؛ من النساء أم من الرجال؟ قلت: من الرجال. قال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء؟ قال: ابن سريج، قال إسحاق لي: ويقال أحسن الرجال غناءً من تشبه بالنساء، وأحسن النساء غناءً من تشبه بالرجال. قال يحيى بن علي خاصة: ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كل واحد، فهو يغني له بما يشتهي.

 

وفاة ابن سريج في خلافة سليمان ابن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال ابن مقمة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى؟ فقال: أصبحت والله كما قال الشاعر:

كأني من تذكر ما ألاقي

 

إذا ما أظلم الليل البهـيم

سقيمٌ مل منه أقـربـوه

 

وأسلمه المداوي والحميم

 

ثم مات.

 

قال إسحاق: قال ابن مقمة: لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، وقال: إن من أكبر همي أنت، وأخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنيت شيئاً إلا وأنا أغنيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغني أصواتاً وهو مصغٍ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، وهونت علي أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي فزوجه إياها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير السهمي يرثيه:

ما اللهو بعد عبيدٍ حين يخـبـره

 

من كان يلهو به منه بمطلـب

لله قبر عبيدٍ ما تضـمـن مـن

 

لذاذة العيش والإحسان والطرب

لولا الغريض ففيه من شمائلـه

 

مشابهٌ لم أكن فيها بـذي أرب

 

 



عمر بن الخطاب