الرحبانيون وفيروز

عاصي الرحباني 1923- 1973 م
منصور الرحباني 1925-2009 م 
فيروز 1935 -

من الصعب جدا الفصل بين فيروز والرحابنة ولا بين الرحابنة أنفسهم، فهم فريق فني متكامل جمع بين التأليف والغناء.

ولد عاصي الرحباني في بلدة أنطلياس بلبنان وتتلمذ في البدء، هو ومنصور، على يد الوالد حنا الرحباني الذي أجاد العزف على آلة البزق. وكان حنا هذا يملك مقهى فوار انطلياس حيث كان يقضي الليل يعزف للرواد والأصدقاء.

كان عاصي يسرق بزق والده وينفرد بنفسه ويعزف عليه. ولما وجد الأب أن ابنه اليانع يميل إلى الموسيقى اشترى له آلة
كمان وقرّبه من الأب بولس الأشقر الذي كان يعلم الموسيقى والتراتيل الكنسية ليتعلم النوتة الموسيقية. وبعد فترة قصيرة التحق الأخ الأصغر منصور بمدرسة الأشقر. وبذلك انفتحت أمام عاصي ومنصور دروب الفن.

شاءت الظروف أن تتدهور أحوال الوالد حنا المادية فخسر المقهى في أنطلياس وانتقل إلى بلدة ضهور الشوير بلبنان حيث استأجر مقهى موسمياً ساعده فيه عاصي ومنصور. وكانا في أوقات الفراغ يعملان في قطف العنب ونقله إلى المعاصر. ومن الطريف أن هذه التجربة المبكرة انعكست بعد ذلك في أغاني الرحابنة ومسرحياتهم. فكانت حياة القرية ومواسمها الزراعية موضوع الكثير من الانتاج الغنائي الذي تميز به فنهما.

ولد منصور، كأخيه، في بلدة أنطلياس ودرس فيها وشارك عاصي دروس الفن وألّفا منذ ذلك الحين الثناني الذي عرف بالرحبانيين.

يقول منصور إن جدته هي التي أغنت مخيلته ومخيلة عاصي ذلك لأنها كانت تحفظ تراثاً فلكلورياً هائلاً من حكايات الجن إلى أخبار القرية، وكانت تردد الشعر العامي المغنى وترتجله أحياناً.

تتلمذ الفنانان في أول المراحل على يد الأب بولس الأشقر الذي علمهما الأصول الموسيقية الأساسية وزودهما بكتب نادرة، منها الرسالة الشهابية وكتاب الموسيقى للموسيقار المصري كامل الخلعي وكتب أخرى عن الكندي والفارابي. ثم تتلمذا على يدي الفرنسي برتران روبير في اكاديمية الفنون الجميلة في بيروت حيث تعلما الهارموني والكنتروبوان. وبعد تخرجهما تعلما التحليل الموسيقي والتوزيع الآلي على يدي توفيق سكر المتخرج من معهد باريس العالي وتلقيا تمارين عملية في التكتيك الآلي على الأستاذ ميشال بورديتس الذي كان قائداً لفرقة موسيقية إسبانية.

اشترك الأخوان منصور وعاصي في كتابة وتلحين أكثر الأغاني والأوبريت التي نسبت إليهما. وجاءت الصدفة الجميلة عندما عرّفهما الفنان حليم الرومي إلى نهاد حداد فأعجبا بصوتها وأطلقا عليها اسمها الفني "فيروز" وانطلقوا ثلاثتهم ليألفوا فريقاً بارزاً متكاملاً يجمع التأليف والغناء والإنشاد.
أدخل الرحبانيان الألحان الغربية على الهارموني في موسيقاهم، كما أخذا الموسيقى الشرقية في مسارين: الأول، توجههما لتأليف صروح موسيقية تستند إلى القواعد العالمية للتأليف مع الاحتفاظ بالطابع الشرقي، وتوزيع الأنغام العربية ذات ربع الصوت؛ والثاني قيامهما بإحياء المسرح الغنائي العربي بإيجاد نوع من الأوبريت تتفاعل مع الإحساس العربي وتتلائم مع مقتضيات العصر.

أما على صعيد الشعر، فقد تميزت الكلمة عند الرحابنة بعفويتها وظلت أشعارهم محتفظة بأوزان الشعر المألوف.

أما اللحن فكان يقاس إجمالاً على صوت فيروز. وتمكنت فيروز بدورها من إطلاق اللوحة الفنية الرائعة بعد اكتمال حلتها البهية بصوتها الصافي الجميل لتدخل قلوب الناس من الأبواب الواسعة.

كان عاصي ركن المدرسة الرحبانية التي أسست المسرح اللبناني الحديث ورسمت ملامح الشكل الجديد للأغنية العربية. أما منصور فكان له دور مشارك كبير برز بشكل واضح عندما استقل لوحده بعد غياب أخيه عاصي سنة 1973.

غنّت فيروز للبنان ولفلسطين والشام والعروبة. كما غنت القرية وفلاحيها وأشجارها ومياهها، جبالها ووديانها، وسلبت قلوب سامعيها بصوتها العذب. اسمها نهاد وديع حداد، مولودة في بيروت، درست في مدرستي سان جوزيف للبنات والمعارف اللبنانية وتلقت بعد تخرجها دروساً فنية في الغناء. تزوجت من عاصي الرحباني وانفصلت عنه قبيل وفاته. غنت للرحبانيين منصور وعاصي ولزكي ناصيف ولابنها زياد.