المذهب المالكي

هو مِن أوسع المذاهب الإسلامية انتشارًا في القديم، يتبنّى الآراء الفقهيّة والعقائديّة والسّياسية للإمام مالك بن أنس. تبلور مذهبًا واضحًا ومستقلاً في القرن الثاني الهجري. أهمّ أفكاره إغلاق باب الإجتهاد، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم الجائر.

عوامل الظّهور:

- العامل السّياسي المُتمثّل في تبنّي الحكم العبّاسي لكلّ الأفكار والإتّجاهات التّي تصبّ في خدمتهم، وتبعد النّاس عن المذهب المُتمثّل في أهل البيت.

- الدّعم والمكانة اللّتان حَظِيَ بهما مالك لدى النّظام الحاكم، ممّا ساعده على كسب عددٍ كبيرٍ من الطّلاب والمؤيّدين.

- انقسام مدرسة الصّحابة إلى مدرسة الرّأي ومدرسة الحديث؛ وكان من نتائج هذا الإنقسام أن ظهرت شخصيّة مالك في الحجاز.

- محاولة العباسييّن إثارة النّزاعات العقائدية. فقد فكّروا في تحجيم آراء أبي حنيفة في حياته عن طريق التّرويج لعقائد مالك، الأمر الذي أثار النّزاع بين المَدرستَين.

- الظّرف القاهر الذي يعيشه أئمّة أهل البيت في ظلّ الظّلم والجور العبّاسي.

- محاولة العباسييّن خلق قواعد شعبّية تساندهم، وذلك عن طريق اهتمامهم بأمثال هذه المذاهب.

تأسّس المذهب المالكي على يد مالك بن أنس بعد اتّصاله بالخليفة العباسي المنصور، وذلك في أوائل القرن الثّاني الهجري، وتطوّرت معالمه على يد تلاميذه من بعده. وارتفع شأن الإمام مالك وصار له صيت شائع نتيجةً للدّعم اللاّمحدود الذي أولاه إيّاه العبّاسيّون، حتّى إنّ المنصور قال له يومًا: <<أنتَ والله أعلم النّاس وأعقلهم. لَئِن بقيتَ لأكتبنّ قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثنّ به إلى الآفاق، فاحملهم عليه>>.

توسّعت قاعدة المذهب المالكي في الحجاز والمدينة المنوّرة بسبب دعم العبّاسييّن لهُ. وبناءً على طلب المنصور والمهدي، صنّف مالك كتابه "الموطأ". وما إن فرغ منه، حتّى فرضه العبّاسيّون على النّاس بحدّ السّيف، ومَنَحَ مالك، إضافةً لسلطة القضاء، صلاحياتٍ أخرى؛ فكان يسجن ويجلد. وقد ذكرت كتبٌ مناقب مالك كثيرًا من ذلك.

وفي عام 237 هـ، أخرج قاضي مصر أصحاب أبي حنيفة والشّافعي من المسجد، فلم يبق سوى أصحاب مالك. وكان للقاضي الحارث بن سكين الأثر الفاعل في نشر المذهب هناك.

أصدر المنصور أوامره إلى ولاته بأن يكونوا طوع إرادة مالك، فأصبح مُهابًا عند الولاة والنّاس على السّواء.

وفي المغرب العربي، كان لـ "يحيى بن يحيى"، وهو من تلاميذ مالك، الأثر الفعّال في نشر المذهب وكسب المؤيّدين له. فكانت له مكانته الكبيرة عند السّلطان. وقد استغلّ هذه المكانة، فكان لا يُولّي القضاء إلاّ مَن كان على مذهبه.

تبنّت دولة المرابطين، ومن بعدها دولة الموحّدين في المغرب الأقصى، مذهب مالك؛ ونشروا الكتب التّي تحوي آراءه، فتوسّع المذهب ورسخت قواعده بسبب دعم السّلطة له. قال ابن حزم: "مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرّياسة والسّلطان؛ الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس". وفي عهد الرّشيد حُصِرَ الإفتاء بيد مالك بن أنس.

الأفكار والمُعتقدات:

- يعتقد أتباع المذهب المالكي بصحّة إيمان مَن وحّد الله واعترف بالرّسول (ص) وإن لم يُصَلّ ولم يصم.

يقولون بجواز الرّؤية البصرية على الله تعالى في يوم القيامة، مُستدلّين بقوله تعالى: <<وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربّها ناظرة>>.

- يقولون بإنّ الخلافة لا تصحّ في غير قريش.

- يعتقدون بعدالة الصّحابة وحجّية أقوالهم جميعًا.

- لايجوز، في نظرهم، الخروج على الحاكم الجائر.

- يجيزون دخول المُشرك إلى المساجد، عدا المسجد الحرام.

- يعتقدون بصحّة الصّلاة إلى جنب المرأة وإن كانت أجنبيّة.

- يعتقدون بأن الخليفة يصبح شرعيًا إذا بايعه أهل الحرمين (مكة والمدينة). ولا تصحّ حتّى لو بايعته كلّ الأقاليم إذا لم يبايعه أهل الحرمين.

- أصول التّشريع عندهم هي الكتاب والسنة وقول الصّحابي والقياس والإستحسان والعُرف والعادة والإجماع والمصالح المُرسَلة... وقيل أكثر من ذلك.

انتشر المذهب المالكي في الحجاز انتشارًا واسعًا لأنها موطن مالك بن أنس. كما انتشر في بغداد بسبب دعم السّلطة العبّاسية له؛ وظهر في البصرة بعد خمسة قرونٍ من تاريخ انتشاره في الحجاز. ثم ظهر في بلاد فارس، وضعف فيها في عهد الدّولة الصّفويّة.

يُعتَبَر المذهب المالكي الغالب في البحرين وقطر والكويت والسّودان وبلاد المغرب العربي. كما انتشر في الأندلس، حتّى كان أهلها يغالون في مالك وفقهه؛ وقد إلتزموا فَتوَاه نظرًا لإلزام السّلطة لهم.



أهل البيت
الحجاز
المنصور
المهدي
المرابطين
الصحابة