الصوفية

الصّوفيّة حركةٌ دينيّة انتشرت في العالم الإسلامي عقب اتّساع الفتوحات وازدياد الرّخاء الإقتصادي كردّة فعلٍ مضادةٍ للإنغماس في التّرف الحضاري، ما حمل بعضهم على الزّهد الذي تطوّر بهم حتّى صار لهم طريقة معروفة بإسم "الصّوفية". وقد اختُلِفَ في اشتقاق كلمة التّصوف أو الصّوفية، فقيل: "الصّوفية" نسبة إلى رجلٍ جاهليٍّ يُقالُ له "صوفة"، واسمه "الغوث بن مر". وقيل: مشتقّةٌ من "سوفيا" اليونانية، ومعناها الحكمة. وقيل: مُشتقّةٌ من "الصّوف" لاشتهارهم بالزّهد والتّقشف ولبس الصّوف؛ وقيل: من "الصّفة" أيّ صفة من مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؛ وقيل: من "الصّفاء"؛ وقيل: من "الصّف الأوّل"..

على كلّ حالٍ، فالتّصوف النّقي الحقيقيّ الخالي من الخُرافات والبِدَع يكوِّنُ الجزء الثّالث من الإسلام، وهو الإحسان }أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك{. ولا مشاحة في الإصطلاح كما يقول العُلماء. فالبعض سمّى هذا الجانب من الإسلام بالسّلوك، والبعض التّزكية، والبعض التّربية، والبعض -كالشّيخ محمد الغزالي الذّي سمّاه: "الجانب العاطفي من الإسلام". ومرَّ التّصوف بأدوارٍ كثيرةٍ، جَنَح خلالها بعضهم في المسار، حتّى تداخلت طريقتهم مع فلسفاتٍ هنديّةٍ وفارسيّةٍ ويونانيّةٍ مُختلفةٍ.

من أصول التّصوف الإعتقاد بأنّ الدّين شريعةٌ وحقيقةٌ. ولا بُدّ في التّصوّف من التّأثير الرّوحي الذي لا يأتي إلاّ بواسطة الشّيخ الذي أخذ الطّريقة عن شيخه، وهكذا.. سندٌ مُتّصلٌ بالنّبي ولا بُدّ من الذّكر والتّأمّل الرّوحي وتركيز الذّهن في الملأ الأعلى. وأعلى الدّرجات لديهم هي درجة الوليّ. وهُمّ يؤكّدون على ضرورة الإلتزام بما أمر الشّرع.

يقول سهل التّستّري: "أصول طريقنا سبعة: التّمسك بالكتاب والإقتداء بالسُّنة وأكل الحلال وكفّ الأذى وتجنّب المعاصي ولزوم التّوبة وأداء الحقوق". وعندهم درجاتٌ للسّلوك، أوّلها التّوبة والورع والزّهد والتّوكل والمحبّة والرّضا والأسوة الحسنة والأحوال والمقامات.

هناك مدارس للصّوفية، منها: مدرسة الزّهد ومدرسة الكشف والمعرفة ومدرسة وحدة الوجود ومدرسة الإتّحاد والحلول. وهناك طرق للصّوفية كالقادريّة الرّفاعية والأحمدية والدّسوقية والأكبرية والشّاذلية والمَولوية والنّقشبندية وغيرها كثير... وكلّ تلك نسبةً إلى مشايخ مربّين، نُسِبَت إليهم الطّريقة. ولا شكّ أنّ التّصوف، وكتبه الموجودة، فيه الغَث وفيه السّمين. فعلى المُسلم أخذ ما صفى وترك ما كدر. وقد نادى الكثير من العلماء الكبار إلى الإستفادة ممّا عند الصّوفية من الزّهد والورع والتوبة ومحاسبة النفس وتزكيتها عن طريق التّحلي بالأخلاق الحسنة والعبادة وترك الأخلاق الذّميمة، وترك الأشياء الأخرى، ممّا وصل إليه بعضهم- وسجّلوه في كتبهم- كالإتّحاد والحلول الذي اشتهر به الحلاّج الذي حكم عليه صوفية أهل زمانه بالضّلال وسلوك طريق المُجاهدات الصّعبة الذي أتاهم من الهندوسية والجينية والبوذية والفلسفات المختلفة. ولقد كان التّصوف المُنحرف بابًا كبيرًا، دخلت منه كثيرٌ من الشّرور على المسلمين، مثل التّواكل والسّلبية وإلغاء شخصية الإنسان وتعظيم شخصية الشّيخ، فضلاً عن كثير من الضّلالات التي يُخرِجُ بعضُها صاحبَه من الإسلام. ولكنّ الحق يُقال، إنّ الطّرق الصّوفية عملت على نشر الإسلام في كثيرٍ من الأماكن التّي لم تفتحها الجيوش، وذلك بما لديهم من تأثيرٍ روحيٍ، مثل أندونيسيا. ولقد اعتمد الحكّام على أقطاب الصّوفية في التعبئة الرّوحية للجهاد؛ ولقد قام كثير من رجال التّصوف الكبار بتجديد التّصوف والعودة به إلى صَفائه الأوّل.



مسجد
الغزالي
الإسلام