المعتزلة

المُعتزلة فرقةٌ إسلاميّة نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي. اعتمدت على العقل المجرّد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرّها ببعض الفلسفات القديمة. وقد أُطلقت عليها أسماء مختلفة منها: المُعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتّوحيد والمقصد والوعيديّة.

المبادئ والأفكار:

جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:

- الأولى: القول إنّ الإنسان مختار بشكلٍ مطلقٍ في كلّ ما يفعل؛ فهو يخلق أفعاله بنفسه ولذلك كان التكليف. ومن أبرز مَن قال ذلك "غيلان الدمشقي" الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز وحتى عهد هشام بن عبد الملك. فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك.

- الثّانية: القول إنّ مُرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولكنّه فاسق فهو بمنزلةٍ بين المنزلتين. هذه حاله في الدّنيا. أمّا في الآخرة فهو لا يدخل الجنّة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد في النّار. ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يُظهر الإسلام وينطق بالشّهادتين ولكنه لا يُسمّى مؤمنًا.

ثمّ حرّر المُعتزلة مذهبهم في خمسة أصولٍ، أهمّها: التّوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.

1- التّوحيد وخلاصته، برأيهم، هو أنّ الله تعالى مُنزّه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء ممّا يجري على النّاس. وهذا حق. ولكنّهم بنوا عليه أحد نتائج باطلة، منها استحالة رؤية الله تعالى لإقتضاء ذلك نفي الصّفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلاّ تعدَّدَ القدماء في نظرهم. لذلك يُعَدُّون من نفاة الصّفات؛ وبنوا على ذلك أيضًا أنّ القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.

2- العدل ومعناه برأيهم أنّ الله لا يخلق أفعال العباد ولا يحبّ الفساد، بل إنّ العباد يفعلون ما أمروا به وينهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركّبها فيهم وأنّه لم يأمر إلاّ بما أراد ولم ينه إلاّ عمّا كره.

3- الوعد والوعيد ويعني أن يجازي الله المُحسن إحسانًا ويجازي المُسيء سوءًا ، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلاّ أن يتوب.

4- المنزلة بين المنزلتين وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلةٍ بين الإيمان والكفر. فليس بمؤمنٍ ولا كافرٍ. وقد قرّر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة.

5- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. فقد قرّروا وجوب ذلك على المؤمنين نشرًا لدعوة الإسلام وهدايةً للضّالين وإرشادًا للغاوين كلّ بما يستطيع. فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السّيف بسيفه وهكذا. ومن حقيقة هذا الأصل أنّهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق.

ومن مبادئ المعتزلة الإعتماد على العقل كليًا في الإستدلال لعقائدهم. وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنّهم كانوا يحكمون بحُسن الأشياء وقبحها عقلاً.

وبسبب اعتمادهم على العقل أيضًا أوّلوا الصّفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الإستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط. ومن المعلوم أنّ المعتزلة تنفي كلّ الصّفات لا أكثرها.

وباعتمادهم على العقل أيضًا، طعن كبراؤهم في أكابر الصّحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب. فقد زعم واصل بن عطاء أن إحدى الطائفتين يوم الجَمَل فاسقة؛ إمّا طائفة علي بن أبي طالب وعمّار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، أوردوا شهادة هؤلاء الصّحابة، فقالوا: لا تقبل شهادتهم.

وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدّد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط، وإعراضهم عن النّصوص الصّحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع من دون بحثٍ واستقصاءٍ. وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك: "كلّ مكلّف مطالب بما يؤدّيه إليه اجتهاده في أصول الدين". فيكفي، وفق مذهبهم، أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألةٍ ليكون هذا التلميذ صاحب فرقةٍ قائمةٍ.

وهكذا نجد أن المعتزلة قد حوّلوا الدّين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامّةً وبالمنطق الصّوري (نسبة إلى مدينة صور) الأوسطي خاصّة.

فنّد علماء الإسلام آراء المُعتزلة في عصرهم، مثل أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فِتنَتِهِم المُتعلّقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزمٍ.

مِن ردودٍ قويّة الحجة، بارعة الأسلوب، رد ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"؛ فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة وردّ عليها وبيّن أنّ صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفًا لصحيح النّقل.

وقد ردّ على ذلك عدد كبير من العلماء مؤكّدين:

- أن لا يتعارض العقل مع النصوص الصّحيحة.

- أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يُعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.

- أن يُقدَّم النّقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها وهي ما يُعرف بـ"الأمور التّوفيقية".

- ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر واضح.

الجذور الفكرية والعقائدية:

هناك رواية تُرجِع الفكر المعتزلي في الصّفات إلى أصولٍ يهوديّةٍ فلسفيّةٍ. فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.

وقيل: إنّ مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السّمنية -وهي فرقة هندية تؤمن بالتّناسخ- قد أدّت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات.

إنّ فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تُعدّ موردًا من موارد الفكر الإعتزالي إذ إنّه كان يقول بالأصلح وحريّة الإرادة الإنسانية.

ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنّهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه. وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني.

تأثّر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذّات والصفات. فمن ذلك قول أنباد بن قليس الفيلسوف اليوناني: "إنّ الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قِوَى مُسمّاة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلّها".

وكذلك قول أرسطو طاليس في بعض كتبه: "إنّ الباري علم كلّه، قدر كله، حياة كله، بصر كله".

فأخذ العلاف -وهو من شيوخ المعتزله- هذه الأفكار وقال: "إنّ الله عالم بعلم وعلمه ذاته قادر بقدره وقدرته ذاته، حيّ بحياة وحياة ذاته".

ثمّ إنّ أحمد بن خابط والفضل الحدثي قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النّصراني مع الفكر الهندي، وقالا ما يلي:

1- إنّ المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.

2- إنّ المسيح تدرّع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسّدة.

3- القول بالتناسخ.

4- حَملا كلّ ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول، هو أوّل مبتدع وهو العقل الفعّال الذي منه تفيض الصّور على الموجودات.

يؤكّد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ، وهو من مُصنّفي المعتزلة ومفكريهم. فقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم حتّى إنه خلط وروّج كثيرًا من مقالاتهم بعبارته البليغة.

الفكر الإعتزالي الحديث:

يحاول بعض الكُتّاب والمُفكّرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد، فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدةٍ مثل العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي.

وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادّي. وحاول مؤيّدو هذه النزعة تفسير النصوص الشّرعية وفق العقل الإنساني. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قَبل ثم أخذوا يتلمّسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصوّرهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات الماديّة.

أهمّ مبدأٍ معتزليٍّ سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجُدد هو ذاك الذي يزعم أنّ العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبيّة شرعية. أي أنّهم أخضعوا كلّ عقيدةٍ وكل فكرٍ للعقل البشري القاصر.

أهمّ وأخطر ما في هذا الفكر الإعتزالي الجديد محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النّص اليقيني من الكتاب والسنة، مثل عقوبة المرتد وفرضية الجهاد والحدود وغير ذلك... فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدّد الزوجات والطلاق والإرث، إلخ...



علي بن أبي طالب
عائشة